التقت بحر هذا الأسبوع بمدينة "هوكايو" اليابانية مجموعة الدول الثماني الكبار في عالم بمشاركة رمزية لسبع دول افريقية وفي أجواء دولية تطبعها مخاوف من أزمتين اثنتين : الأولى تخص ارتفاع أسعار الغذاء الى مستويات قياسية . والثانية تتعلق بتجاوز سعر البرميل الواحد من النفط كل التوقعات . وكانت قمم سابقة لنفس المجموعة – ولا سيما قمة 2005 - انتهت بالتزام الدول الكبرى بمساعدة الدول الفقيرة في افريقيا على تحقيق معدلات نمو متواصلة دون ان تفي تلك المجموعة بوعودها . نتيجة دفعت برئيس البنك الدولي "روبرت زوليخ" الى مخاطبة مجموعة الثماني في اجتماعهم هذه السنة في اليابان مذكرا اياهم بالتزاماتهم السابقة . فماذا يعني حضور الطرف الأفريقي اجتماع قمة عارضتها جميع الأطياف المناهضة للعولمة ؟ وماذا يعني أن ينتقد البنك الدولي - وهو مؤسسة رأسمالية من الدرجة الأولى - مسعى الدول الكبرى في حل أزمات العالم ؟ * افريقيا الخاسر الأكبر * * تمثل القارة السمراء افريقيا ما نسبته 66% من الدول المتضررة من أزمتي الغذاء والطاقة في العالم منذ مطلع العام 2007 تاريخ بداية ارتفاع الأسعار . وقد أدى هذا ارتفاع الى التأثير سلبيا على الناتج الداخلي الخام للدول الافريقية الفقيرة بنسبة تصل الى 10% وهو رقم يذكرنا بحالات الحروب ويفتح الباب أمام مشاهد من عدم الاستقرار والأمراض ونقص الغذاء لا يتصورها أحد . وفي برنامج عاجل للبنك الدولي دعا هذا الأخير الى اطلاق صندوق خاص بمكافحة الفقر في افريقيا بحجم 1.2 مليار دولار يخص 12 دولة من أكثر دول العالم فقرا ولكن الحجم الفعلي للصندوق لم يتجاوز 200 مليون دولار . أما اليوم فان احتياجات التمويل العاجلة تجاوزت 10 مليار دولار، أما عدد الدول المحتاجة أكثر من غيرها فقد ارتفع الى 31 دولة . توسع في رقعة الفقر مع تزايد الحاجة الى التمويل وضعف في تنفيذ الالتزامات من جانب الدول الكبرى التي تسعى الآن الى اشراك الدول الفاعلة في مبادرة "النيباد" في مسعى المساهمة في ايجاد حلول أخرى . * وتمثل الدول الأفريقية مجالا خصبا لتجارب تلوح في الأفق : مضاعفة الانتاج من النفط في حقول الدول النفطية الأفريقية ، زراعة الوقود الحيوي ضمن اطار برنامج الأممالمتحدة للغذاء ، اطلاق صناديق دعم جديدة للمزارعين . ويلاحظ على هذه التجارب تناغمها مع الرؤية الرأسمالية التاريخية للعلاقات التجارية والاقتصادية بين الدول حيث تهيمن نظرية "البحث عن الثروة" في الأدغال الفقيرة بغض النظر عن امكانيات استقرار تلك الثروات في البلاد الأم . * * مسؤولية الدول الكبرى * * في تقرير تجري مناقشته بين خبراء البنك الدولي ونشرت "الغارديان" البريطانية بعض تفاصيله حديث عن مسؤولية الدول الكبرى في ارتفاع أسعار الغذاء من خلال تطبيقات الوقود الحيوي أو انتاج "الميثانول" من النبات . والأمر الخطير في التقرير يخص نسبة تأثير هذه التطبيقات في ظاهرة الغلاء والتي تصل الى 75% . ولو ثبتت صحة هذه النسبة لكانت مجموعة الثماني أول متهم في أزمة عالمية تهدد حياة ثلث سكان الأرض . والى جانب السياسات الطاقوية الجديدة للدول المصنعة تشير رسالة رئيس البنك الدولي الى قمة اليابان الى أن 25 دولة مصدرة للغذاء في العالم - وكلها من الدول الغنية - اتخذت اجراءات جديدة في مجال التصدير . وبالفعل ، فقد أشرنا سابقا الى السياسة الفرنسية الجديدة في مجال تخزين الحبوب وخفض التصدير للأسواق الخارجية ، سياسات تبدو أنها من صميم الأمن الغذائي الذي بعد جزءا من الأمن القومي في الدول المصنعة ولكنها تصطدم مع خطاب الشراكة الاستراتيجية وتقاسم تكاليف التنمية . * * * تجارب وتجارب * * اجتمعت مجموعة دول الساحل والصحراء وعددها 27 دولة افريقية في دولة "البينين" نهاية الشهر الماضي وبحثت أزمة الغذاء في القارة السمراء وكان من نتائجها أن تبرعت الجماهيرية الليبية بمبلغ 3 مليار دولار لدعم البنية الزراعية التحتية وتكنولوجيا الري في عدد من دول القارة المحتاجة ولم ينل هذا الحدث حظه من الاعلام في حين تستقطب قمة الثماني في كل عام أنظار العالم وهي العاجزة عن تأمين انشاء سد واحد في دولة فقيرة فضلا عن الوفاء بالتزاماتها التي لا تتعدى في أحسن الأحوال مئات الملايين من الدولارات . وانتفضت دولة "الفلبين" في وجه أزمة الغذاء العالمية فأخذت تشجع تقنيات جديدة في زراعة الأرز أثمرت نوعا جديدا من المنتوج عالي الانتاجية وقليل التكاليف ويضيف كثيرا الى "الثروة الخضراء" في العالم في حين تعارض مجموعة الثماني سياسات الدعم الزراعي في الدول التي تمر بمرحلة انتقال وتشدد لوائح "منظمة التجارة العالمية" على انسياب تجارة المنتوجات الزراعية من وجهة نظر الغاء قيود الاستيراد الجمركية وغير الجمركية من جانب الدول الفقيرة التي تحولت بسبب نظرية "المزايا النسبية" الى دول مستوردة كبرى للغذاء . تحول كان على حساب الانتاج المحلي الذي بات مكلفا بسبب ضعف المرافقة التكنولوجية وتدهور الأراضي وتحول أكثرها الى البناء جراء سياسات التعمير الفاشلة في تلك الدول . * * * مفارقات من داخل القمة * * اختتمت أمس الأربعاء – اذن - قمة الثماني الكبار في العالم بمدينة "هوكايو" اليابانية على وعود بمساعدة الدول الفقيرة ومعالجة مشكلات البيئة ، ولكنها أيضا حملت مفارقات كثيرة أولها أن الدولة التي احتضنت هذه القمة تعد أول دولة تستورد شحنات الوقود الحيوي في العالم . وثانيها أن القمة دعت اليها 7 دول افريقية تمثل قارة فقيرة من منظور التنمية البشرية والمتضرر الأول من سياسة الطاقة الجديدة للدول الكبرى . مفارقات تكشف النقاب عن تناقض حقيقي في تناول قضايا الدول الفقيرة . تلك الدول التي ما تزال تذكر المثل الصيني الشهير : علمه الصيد خير من أن تعطيه سمكا . * و للتذكير فان الصين التي أغنت العالم بمثل هذه الحكم وصاحبة أكبر اقتصاد من حيث الناتج الداخلي الخام وحجم الصادرات تحرم من الانضمام لنادي الكبار وتتفرغ لاستثماراتها المتواصلة في افريقيا والتي بلغت 11.6 مليار دولار تغطي 42 بلدا افريقيا ، وتعد الصين من جانب آخر أول دولة في العالم تلتزم عمليا بخفض الانبعاث الغازي في الجوي بنسبة 2% سنويا بينما تمثل الدول المصنعة الكبرى أول ملوث للجو على الاطلاق . * الى قمة الثماني الكبار العام المقبل وكل عام وشعوب العالم بخير. *