تعد خالتي"نونة بوسعد" أكبر معمّرة في منطقة آريس التابعة إداريا لولاية باتنة، حيث تجاوز سنها القرن و 8 سنوات، وتؤكد أن جدها هو الذي اقترح تسميتها ب "نونة" أثناء توجهه لأداء الحج في حدود العام 1907 تيمنا بوالدته التي تحمل نفس الاسم. ورغم أن "نونة بوسعد" تجاوزت عمرها القرن و 8 أعوام وفقدت البصر منذ 6 سنوات، إلا أن الله عز وجل أعطاها قوة البصيرة ولازالت تتمتع بذاكرة سليمة تجعلها تسرد الأحداث بطريقة متسلسلة وفيها الكثير من التفصيل، ومن الناحية الجسدية لا تشكو سوى من آلام طفيفة ناجمة عن التقدم في السن، إلا أنها في نظر أحفادها تعد أفضل ممن تفوقهم ب 20 سنة أو أكثر، وتحرص "نونة بوسعد" على الصوم بصورة عادية منذ حلول شهر رمضان، وتؤدي الصلوات الخمس في وقتها، متمنية أن تلقى ربها وهو راض عنها. وتملك "نونة بوسعد" مكانة اجتماعية محترمة في منطقة آريس، بالنظر إلى مساهمتها الفعالة لإنجاح الثورة التحريرية، إضافة إلى مساعداتها الإنسانية لعديد الأسر والعائلات التي تعرضت للتشرد وأرغمت على الهجرة وتغيير المكان بعد حرق منازلها من طرف عساكر المستعمر الفرنسي، ووظفت "نونة بوسعد" الإمكانات المتاحة في فعل الخير خاصة أنها كانت تملك بيتا واسعا أثناء فترة الاحتلال ومساحة عقارية محترمة بنواحي "سانف"، ووظفتها لخدمة كل من يقصدها من المواطنين أو المجاهدين وقادة الثورة، وفي هذا المجال تذكر خالتي "نونة" أنها تعرف الشهيد البطل مصطفى بن بولعيد بالنظر إلى التقارب في مكان الإقامة وتحمسها لمبادئ وأهداف الثورة التحريرية التي كان يدعو إليها، وفي هذا المجال خصصت جانبا مهما في الجانب التحتي لمنزلها مأوى للمجاهدين وقادة الثورة الذين قصدوا المنطقة في مقدمتهم رابح بيطاط ومحمود بن عكشة الذي تربى على يديها، وأكدت أن مهمتها كانت تقتصر على تلبية طلباتهم من ناحية الإقامة والإطعام مع إلزامية السرية والتحفظ لتفادي الكشف عن خبايا الثورة ومكان تواجد الثوار، ورغم أن منزلها يقع غير بعيد عن مقرات المصالح العسكرية والأمنية للسلطات الاستعمارية، إلا أن ذلك لم يمنعها من المجازفة من أجل مد يد العون للمجاهدين وفتح الأبواب لهم رفقة زوجها محمدي عبد الله الذي وافته المنية في الثمانينيات، وكثيرا ما تلجأ إلى التمويه واستثمار الأخبار الواردة من الإدارة الفرنسية لتدعيم قادة الثورة بآخر المستجدات. وإذا كانت جهود وتضحيات "نونة بوسعد" مشهود لها أثناء الحقبة الاستعمارية وخلال فترة الثورة التحريرية بالخصوص، إلا أن سعيها إلى فعل الخير ظل ساري المفعول منذ فجر الاستقلال، ولا تتوانى في مساعدة الفقراء والمحتاجين، كما خصصت 4 هكتارات من أراضيها لتشييد مقبرة تكون تحت تصرف جميع القاطنين في مدينة آريس بصرف النظر عن انتمائهم أو أصولهم، حدث ذلك رغم العروض المغرية التي تلقتها بغية بيعها بمبلغ مالي كبير، وأكدت "خالتي نونة" أن ما قامت به طيلة حياتها في فعل الخير، ومد يد العون، لم تنتظر من ورائه جزاء ولا شكورا، داعية ابنتها الوحيدة وأحفادها السير على نفس الخطى والحرص دائما على مساعدة المحتاجين.