نال مؤخرا الأستاذ ميلود خلف الله شهادة الدكتوراه في الفلسفة في موضوع أقل ما يقال عنه إنه شيق وهو "فلسفة الحضارة" وميزة هذا الشهادة أن صاحبها المحاضر بجامعة بسكرة نالها من جامعة لاكناو الهندبة، وقد التقت به "الشروق" عن طريق الصدفة وأجرت معه الدردشة التالية. ميلود خلف الله باحث جزائري تأثر بشاعرية محمد إقبال من مسكنه ببسكرة إلى التغلغل والبحث في تيارات الحضارة الإسلامية بالقارة الهندية واكتشاف جذور الصلات بين الهنود والعرب من خلال رسالة الدكتوراه التي أعدها بالهند. وفضل أن ينزل ضيفا على "الشروق" لتكون لنا معه هذه الدردشة البسيطة. ** ما سبب اهتمامك الدائم بالحضارة الإسلامية في شبه القارة الهندية وسر تعلقك بالشاعر الهندي محمد إقبال؟ - لقد شاءت الأقدار أن عرفت شاعرا هنديا كبيرا هو محمد إقبال، وأصارحكم القول إنني كنت اشك في فكري أن الشعراء يلهمون من الملأ الأعلى حتى وقفت على أنفاس إقبال الذي نظر إلى العرب وسجل مآثرهم الخالدة شعرا ونثرا، ورغم إقامة محمد إقبال الطويلة في بريطانيا، إلا أن حبه للرسول صلى الله عليه وسلم منعه من الاندماج في مادية الغرب الطاغية، ولم تزغ عيناه أمام بريق الحضارة الغربية، لأن عينيه اكتحلتا بإثمد المدينة، وأنا اعتقد اعتقادا شديدا أنه حسان بن ثابت العصر الحديث، فإذا كان حسان شاعر محمد صلى الله عليه وسلم فإن إقبال شاعر المحمدية، فنظرة إقبال إلى العرب وأمجادهم جعلته يقول نار المعاجم قد أوقدتها فمتى تحمل أنفاس قلبي إلى العرب حينها قررت أن أرد له بعض الجميل وأتغلغل في بلدته الكبيرة لأتعرف على تيارات الحضارة الإسلامية الهندية. ** كيف هي حركة الدخول إلى الإسلام بالهند، وما الذي اكتشفه الدكتور خلف الله من الدراسات التي قام بها هناك؟ - الكثير يجهل سبب تراجع حركة الدخول إلى الإسلام بالهند، والذي يرجع سببها حسب ما اكتشفته إلى انفصال باكستان عن الهند، حيث كانت حركة الدخول إلى الإسلام بالهند نشطة وكثيفة قبل انفصال الطرفان، فقد كان الهنود من طبقة المنبوذين، وهي سفلى الطبقات بالهند، يدخلون إلى الإسلام بشكل يومي حتى دخلت السياسة فأفسدت كل شيء، فصار من يعتنق الإسلام يكون قد اعتنق دين دولة عدوة وينظر إليه نظرة تتهم بالخيانة العظمى. ** كيف لم يؤثر التعصب عند الهنود الذي يعتبر عند الكثيرين تخلفا على محادثتهم للعصر والتكنولوجيا؟ - كنت أعتقد من قبل اعتقاد الآخرين أن التعصب هو عرض من أعراض التخلف، كما هو جارٍ في وطننا العربي، لكن اكتشفت أن الإنسان قد يكون بسيطا وأيضا صاحب سلام وتسامح كما هو حال الهندي البسيط الذي يتجاوز الأديان والمحن لديه في هدوء وسلام، وقد بلغ من بساطة الشعب الهندي وطيبته أنه لا زال يؤمن بالطقوس والمعتقدات القديمة رغم محادثته اليومية للذرة والكمبيوتر. ** من يراك تتكلم بهذا الشكل يشعر وكأنك عشت 400 سنة من البحث والدراسة وأنت ابن الأربعين ربيعا، فما سر هذا الإصرار على المعرفة والاكتشاف لديك. - استضأت بفتيلة الزيت وبدأت بالكتابة على لوح مطلي بالطين، وها أنا اتصل بالعالم كله على شبكة الانترنيت، مشيت حافيا وامتطيت الطائرات الأسرع من الصوت، بت على الطوى ونزلت افخر فنادق العالم وأغلاها ثمنا، عاندت وقبلت، فشلت ونجحت، أليست هذه هي الحياة تساوي 400 سنة، وكيف لشخص بهذا العناد أن لا يتغلغل في عمق هذا التاريخ الذي فضلت أن انشغل بالقليل منه لاكتشاف تاريخ الصلات بين اليهود والعرب!. ** أظن أن دراستك ستثمر بإصدارات شاملة لما اكتشفته طيلة هذه السنوات؟ - أنا أحضر حاليا لكتاب يحمل عنوان "الإسلام والتيارات الحضارية في شبه القارة الهندية" وسينشر في ندوة العلماء بالهند، في حوالى 200 صفحة، أتحدث فيها عن تاريخ الصلات بين الهنود والعرب والتي يعود تاريخها إلى زمن بعيد جدا.