شباب في مقتبل العمر مدججون بالأسلحة مهيؤون لأي طارئ قد يحدث، هناك على مشارف جبل اللوح كانوا منتشرين على مقربة من مركز للجيش للفرقة 190 للمشاة مستقلة، كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء عندما وصلنا إلى عين المكان في مهمة لإنجاز روبورتاج عن مكان وقوع الاعتداء الإرهابي الذي استهدف أبناء الشعب في عيد الفطر المبارك. الطريق الفاصل بين الحياة والموت بعد سير لأكثر من أربع ساعات، بدايتها كانت بانفجار عجلة السيارة التي أخّرت وصولنا بقرابة الساعة كونها تعرضت لعطب في منطقة خارج المدينة، وهناك استعان السائق عبد الحميد بالمصور جعفر سعادة لتغيير العجلة ومن ثم التنقل إلى أقرب مصلح للعجلات، حيث قمنا بتركيب العجلة والسير مجددا نحو هدفنا. عبر الطريق السيار شرق غرب وإلى غاية مدينة خميس مليانة، كانت الأمور هادئة والحياة طبيعية استفسرنا بعض المواطنين بحثا عن الطريق المؤدي إلى دراق التابعة إداريا لولاية المدية، بعد أن أكد لنا بعض الأصدقاء أن الطريق المؤدي إلى جبل اللوح عبر المدية خطير ومغلق من قبل الجيش الوطني الشعبي في إطار عمليات التمشيط، فطلب منا الأول اتخاذ طريق بير ولد خليفة ومن ثم المرور عبر واد جمعة والسير في طريق مباشر إلى غاية بلوغ الجبل ومن ثم مواصلة الطريق نحو دراق.. وغير بعيد عنه، ولأن الطريق لم يكن واضحا لكثرة الوجهات، سألنا آخر فاقترح علينا نفس المسار متمنيا لنا طريق السلامة وقبل المغادرة وكأن الرجل كان يكلم نفسه قال "لا تقلّوا معكم أيا كان وامضوا في طريقكم.. الله معكم".. بعد سير دام مدة في مسالك وعرة حيث لا يوجد هناك بشر عدا مراكز لقوات الجيش الوطني الشعبي، العين التي لا تنام، حماة الوطن يترصدون من بعيد كل التحركات.. رحلة الخوف واكتشاف عيون لا تنام في البداية كانت ملاحظة أي سيارة أو مركبة هو دليل على وجود حياة ووجود أمل في بلوغ المكان المنشود، ومع مرور الوقت وببلوغ أحد المنعرجات في بداية بلوغ الجبل لم يعد في الطريق سوى سيارة المؤسسة، منعرجات لم تنته وبلغنا أعلاها وعلى بعد أمتار عن مكان الجريمة الشنعاء، حيث أرواح شهداء الواجب مازالت تحوم، هناك بالقرب من جبل الوحش بسطت قوات للجيش عتادها متحدية الطبيعة القاسية حيث لا شبكة للهاتف النقال، لا اتصال ولا تواصل هم وفوقهم إله يحميهم كيف لا وهم العين التي تحرس في سبيل الله.. من أعالي الجبل، حيث تظهر بركة مياه يبدز.. هي التي تم تصويرها في فيديو العملية الإرهابية مترامية الأطراف وسط طبيعة خلابة أفسدتها همجية الإرهاب وأيدي الغدر التي استهدفت أبناء الشعب يوم العيد، كنا نراها عن بعد، لأنه وببلوغنا الحاجز الأمني حضر الجنود بندقياتهم دون تصويبها، اقترب من السيارة اثنان وبقي ثلاثة آخرون يرصدون الوضع عن بعد، ومن بعيد تكفل زميلي المصور باستخراج "الأمر بالمهمة" معلنا أننا من الصحافة. إنسانية رجال يواجهون قوى الشرّ اقترب أحدهم منا مطالبا بباقي الوثائق وهناك كان الدوار قد فعل فعلته، منحناهم الوثائق وبعد أن استفسرونا عن سبب مغامرتنا بالوصول إلى هناك طلبوا منا العودة أدراجنا "خوفا على أرواحكم عودوا فالطريق مغلق ومهمتنا متواصلة"، تفهمنا الوضع وقررنا العودة رغم أننا في قرارة أنفسنا تمنينا بلوغ مكان سقوط شهداء الوطن، ولكرم أخلاقهم ونبل مهمتهم منحونا قارورات ماء وبعض المأكولات التي كان من المفروض أن نحملها نحن لهم، قبل أن يقترح أحدهم علي عرضي على طبيب الثكنة المجاورة بعد أن اعلمهم زميلي بأنني عانيت طول الطريق من مغص في معدتي. .. هو تصرف جعل أبناء الشعب يثبتون مرة أخرى أنهم من طينة جيش التحرير كبيرون بتسبيلهم انفسهم لنحيا نحن في كرامة.. ودعنا على أمل ودعاء أن يحفظهم الله للبلاد.. وعاودنا استقلال الطريق نفسه إلى مدينة الخميس.. في وقت وجيز بلغنا الطريق المزفت، وفي وقت أقل بلغنا المدينة تحت ستر رب العالمين.. فكل من اخبرناه أننا بلغنا الجبل استغرب مما أقدمنا عليه.. وعلى جنبات الطريق جلس عدد من شيوخ المنطقة يتبادلون أطراف الحديث.. استفسرناهم عن الوضع في المنطقة بعد العملية الإرهابية، فأكدوا أن الوضع مستقر غير أن المدينة وأبناءها بل وكل أبناء الوطن مستنكرون ما حدث لشبان الجيش يوم العيد. أيها الإرهابيون.. "أخطونا إلى الأبد" السيد "ب.ج" كغيره من المواطنين، بلغته البسيطة وفي جملتين قال "نحن ضد العملية الارهابية نريد الخير للبلاد، نحن ضد العنف نرفضه وندينه"، أما الحاج "ح.ح" الذي كان يكلم نفسه وكأنه يشاجرها بتمتمات طلبنا منه أن يسمعنا إياها قال "نحن ضد الإرهاب للأبد.. اتركونا بسلام.. أخطونا.. المحيطون بنا هم من يريدون زعزعة الاستقرار -يقصد دول الجوار-" واستطرد "لا نريد سوريا في الجزائر ولا تونس ولا ليبيا ولا مالي.. حقيقة أنا لم ادرس ولكن الحياة علمتني.. يخطونا برك". الشيخ كان يحمل عصاه بغضب ويردد عبارات توحي بألم يعتصر قلبه قبل أن يضيف بعد أن وجد في استجوابنا له فرصة لتوجيه رسائل للعديد من الأطراف من السياسيين إلى دول الجوار إلى كل من تسول له نفسه المساس باستقرار البلد "نطلب من السياسيين الصمت اتركونا إننا بخير انتم تتحدثون من الخارج وفي الصالونات اما من يُقتل في الغابة فهو ابني وابن الشعب ابن أمثالي من الجزائريين.. نحن نريد الهناء والشعب مع الاستقرار لا احد يتبنى الإرهاب.. أنا اسكن في بيت قصديري هناك -يشير إلى مكان سكنه بالعصا وفي حياتي لم احصل على إعانة أو سكن ولكن لن أرضى بأخذ شبر من بلادي.. هؤلاء المجرمون سيحاسبهم الشهداء غدا أمام الله.. وبدا الشيخ ملما بأحداث الوطن فتحدث عن غرداية الجريحة، التي قال إن هناك من يريد إشعال التبن تحت النار بها.. واستغل الحضور الفرصة لتوجيه الشكر لأفراد الجيش ورجالات الوطن من الغيورين على الجزائر التي بكت ولسنوات بدل الدموع دما من غدر بعض من ابنائها ممن قتلوا اخوانهم باسم الدين في السابق ثم يريدون العودة باسم الولاء لتنظيمات يثبت يوما بعد يوم انهم يخدمون أجندات لتدمير الإسلام واستهداف الأمن والسلام.. "من يريدون تغذية الإرهاب رضعوا من رضاعة اليهود والنصارى.. الجزائريون رجال والشعب ملتف مع الجيش لأن جنود الجيش أبناء الشعب هم أبناء لبن واحد أبناء ثورة التحرير ... صمود أبناء المنطقة يشبه صمود الجيش ويشبه صمود أمهات الشهداء في رسائل واضحة لمن يريدون العبث باستقرار الوطن استقرار مازال ينشده المواطن ولو بشكل أقل من وقت مضى".
وفي وقت تواصل قوات الأمن المشتركة تمشيطها للمنطقة، حيث تحدثت أنباء عن القضاء على قرابة عشرين إرهابيا غدروا بأبناء الشعب ممن كانوا في مهمة تمشيط بحثا عن فلول الإرهابيين ممن اغتالوا ضابطا وجنديا يوم العيد، ولأن الغدر سمتهم فقد نصبوا كمينهم للدورية وباغتوها بقذائف "الاربيجي" وكانت النتيجة استشهاد من ودعوا امهاتهم على اللقاء بعد العيد فصنفوا يوم العيد في خانة شهيد.. رغم ذلك كانت حناجر من التقيناهم وكأني بها تردد "نموت نموت ويحيا الوطن".