تحتضن جامعة يحيى فارس بحاضرة المدية يومي الثلاثاء والأربعاء الملتقى الدولي الأول الموسوم "الأواصر الثقافية والحضارية بين الجزائروتركيا في الفترة الحديثة والمعاصرة"، ويلوح الموعد الفارق هاما عبر خوض عدة أكاديميين جزائريين، أتراك وتونسيين وإسبان في تفاصيل مسار عميق برصيد غزير. في وثيقة حصل عليها "الشروق أون لاين"، أفيد أنّ المحفل العلمي الذي سينظمه مخبر الدراسات التاريخية المتوسطية لجامعة المدية، سيهتم ببحث إشكالية إعادة النظر في مسار ومظاهر العلاقات الجزائرية – التركية في جوانبها التاريخية، وبمضامينها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك ميدان الآثار والفنون-اللغة والآداب والموروث الأرشيفي والوثائقي. ولاحظ المنظمون أنّ العديد من العناصر والمظاهر والعلاقات الموصولة بالسياق الجزائري التركي تمّ طمسها أو إلغاؤها من طرف المحتل الفرنسي الذي عمل رجاله من سياسيين ومفكرين وأدباء على تشويهها، حتى توارث الجزائريون أحكاما ومعطيات سلبية عن الوجود العثماني في الجزائر، رغم تميّز ذاك التواجد في الحوض المتوسطي وتموقعه كثغر لمواجهة المد الصليبي، بجانب إرسائه دعائم دولة ظلت مهابة الجانب طيلة الفترة الحديثة.
أفاريز تراث صامد لفت محررو الوثيقة أنّه رغم عمليات الطمس والتشويه التي مست كل ما يمت بصلة لهذا الوجود، إلا أنّ ذلك التراث المادي واللامادي الذي ربط الشعبين الجزائري والتركي، ظل صامدا حتى بعد سقوط إيالة الجزائر في يد الاحتلال الفرنسي سنة 1830. وجرى إبراز تجليات نابضة على منوال استمرار التواصل بين الطرفين سواء في شكل حركات هجرة نحو منطقة الأناضول والولايات العربية المشرقية-وهي الحركة التي تولد عنها نشاط سياسي وسعي حثيث قام به العديد من الجزائريين للدفاع عن قضيتهم-أو من خلال رحلات الحج والمصالح التجارية التي عمّقت تلك الأواصر وزادت في تفاعلها. وركّزت هيئة التنظيم على أنّ التظاهرة العلمية ستعنى بمدارسة وتقييم ذلك الموروث الثقافي والحضاري المشترك بين الدولتين في مختلف الميادين السياسية، الاقتصادية والثقافية، وهذا كله على ضوء الدراسات والأبحاث الجديدة المستنبطة إما من الأرشيف العثماني والجزائري أو الأبحاث العلمية في مجال الآثار والعمران والعادات والتقاليد والسير الشعبية. كما نسعى من خلال هذا النشاط، إلى صياغة تقييم أولي حول تلك العلاقات التاريخية بين الجزائروتركيا وتشكيل حوصلة معلوماتية بخصوصها وكذلك تنويع وتعميق مجالات البحث المشتركة بين جامعة المدية والجامعات التركية. ويروم الملتقى دراسة وتحليل المحاور الكبرى للعلاقات الجزائرية-التركية، فضلا عن التعريف بالدراسات الجديدة بتركياوالجزائر وحتى خارجهما حول الفترة العثمانية في الجزائر، والالتفات إلى المحفوظات ودور الأرشيف التركي العثماني وأهميتها لدراسة تاريخ الجزائر في العهد العثماني، إضافة إلى استعراض الموروث الحضاري المادي واللامادي العثماني في الجزائر، وتحديد مجالات البحث والتعاون العلمي المشترك بين جامعة الدكتور يحيى فارس بالمدية والجامعات التركية.
7 موضوعات يكتنز الملتقى ما لا يقلّ عن سبعة موضوعات تتصدرها مظاهر العلاقات السياسية بين الجزائروتركيا ومساراتها التاريخية، التفاعل الاجتماعي والثقافي بين الشعبين خلال الفترة العثمانية، العلوم والفنون والعمارة في العهد العثماني بالجزائر، ناهيك عن أهمية المخطوطات والأرشيف العثماني لدراسة تاريخ الجزائر في العهد العثماني، وقضايا التاريخ الوطني الجزائري في المنظور التركي، كما تنطوي التظاهرة على مقاربة مواقف المدرسة الاستعمارية الفرنسية من الوجود العثماني في الجزائر وتقييم ابتدائي للموروث الحضاري العثماني بالجزائر من خلال الكتابات المحلية والأجنبية.
برنامج منوّع يشهد الملتقى الذي يرأسه شرفيا الأستاذ الدكتور "أحمد زغدار" مدير جامعة الدكتور يحيى فارس، برنامجا منوّعا يدشنه أ.د. "مصطفى بن حموش" ببحث التلاقح العثماني الأندلسي في المغرب الأوسط من خلال التراث العمراني والمعماري في الجزائر، على أن يتناول د. "عبد الكامل جويبة" المسارات التاريخية للعلاقات الجزائرية التركية عسكريا وسياسيا في حوض البحر المتوسط، بينما سيتعاطى د."بنت هولم" العلاقات بين كوبنهاغن والجزائر والدولة العثمانية، في حين يتطرق أ.د. "أسلان سيف الله" المساعدات العسكرية العثمانية للجزائر (1750-1830)، بينما يستعرض أ.د ."عبد العزيز بوكنة" دور الأسطول الجزائري البحري في الصراع العثماني الأوربي على الجزء الغربي للبحر المتوسط بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، مثلما ستكون الفرصة متاحة للوقوف على خطوط تفاعل المغاربة مع الجزائر والدولة العثمانية عبر مداخلة "كارمن بايا أباد". وستعرف التظاهرة التي يترأسها الأستاذ الدكتور الغالي غربي مدير مخبر الدراسات التاريخية المتوسطية، ورئيس اللجنة العلمية الأستاذ الدكتور "شكيب بن حفري" رئيس قسم اللغات الشرقية والسلافية، المزيد من الأطباق البحثية على منوال دعم إيالة الجزائر للأسطول العثماني في البحر المتوسط في العصر الحديث ل د. "عبد القادر فكاير"، "وطنيون مغاربة مهاجرون في خدمة الدولة العثمانية وألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى" ل د. "محمد بلقاسم"، موقف علماء المغرب الأوسط من الحضور العثماني في بلادهم أوائل القرن 16 ل د."الطاهر بونابي"، والتحول التاريخي والثقافي في إطار الروابط بين الجزائروتركيا ل د."أسرا إيلو شاهين".
تفاعلات الكراغلة في أيقونة مفتوحة على التفاعل الاجتماعي والثقافي بين الشعبين خلال الفترة العثمانية، ستسلط د. "شريفة طيان ساحد" الضوء على ملابس المرأة بمدينة الجزائر في العهد العثماني ثياب البدن نموذجا، في حين يقترح د. "محمود علالي" نافذة على الانفتاح الثقافي والتعايش الاجتماعي والمذهبي خلال الفترة العثمانية، وستكون ثمة فسحة مع د. "نبيلة عبد الشكور" من زاوية "الفأل والتطير في ميراثنا التركي: أين سيجري الاتكاء على مجموعة المتحف الوطني للآثار القديمة والفنون الإسلامية، تماما مثل د. "عبد الرحمان أولاد سيدي الشيخ" من خلال دور الموريسكيين في إثراء الجوانب الحضارية بالجزائر. في المقابل، يقارب د. "كمال بيرم" الكراغلة بالجزائر كموروث اجتماعي وحضاري وتواصل بين الجزائروتركيا، وينخرط د. "ابراهيم سعيود" في تأثيرات الوجود العثماني في بعض مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية في الجزائر، على النسق ذاته، تعرض د. "سلمى العرفاوي" ورقة حول تأثير المذهب الحنفي من خلال الأرشيف العثماني في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وتفتح د. "بشرى خير بك" قوسا بشأن الدور العثماني في انتشار التصوف، ويستقرأ رئيس رجال الأعمال الأتراك بالجزائر "حميد أولغان" العلاقات الاقتصادية التركية –الجزائرية.
تواصل القصبة، القوة العثمانية وقلعة بني راشد ستتواصل المحاضرات سجالا، إذ يعيد د. "صالح علواني" رسم معالم قصبة الجزائر (1516-1830) كتراث عالمي بين التاريخ والذاكرة والتثمين، ويستحضر د. "سيد علي أحمد مسعود" القوة العثمانية في البحر المتوسط، بينما يقف "العمري يحياوي" على تطور النقوش الكتابية على العمائر في العهد العثماني وينمذج بقلعة بني راشد بمعسكر. ويحلّل أ.د. "بلحاج معروف" التواصل الفني بين تركياوالجزائر من خلال المساجد ذات القبة المركزية في الجزائر أنموذجا، ويطرح د. "عبد القادر دحدوح" التأثيرات المعمارية والفنية العثمانية بمساجد الجزائر خلال العهد العثماني، فيما تهتم د. "أم الخير مطروح" بالعمارة الدينية والمدنية في العهد العثماني بمدينة الجزائر، وتتجوّل د. "لطيفة بورابة" في قصور الحكام بمدينة الجزائر خلال العهد العثماني. وبجانب تناول د."فوندا دورين" المغرب في الفخاريات التركية، يعرّف د. "محمد الأمين بوحلوفة" حاضرة مازونة وإسهامها في نشر العلوم الفقهية والتصوف في بايلك الغرب، وتنوّه د. "نورية آيت محند" بالسجاد الجزائري والعثماني.
مخطوطات ومراسلات ونظام وقفي ترسانة المداخلات ستمتد مع أ. د. "هلايلي حنيفي" في مخطوطات الجزائر إبان العهد العثماني، ود. "فكرت قارامان" في نظام الوقف لدى الدولة العثمانية ومقدرتها الاجتماعية، ويستعيد د. "توربيجان أوديقارد" مراسلات ليدولف هاميكان القنصل الأول للدانمارك والنرويج، على أن تبرز د. "نعيمة بوحمشوش" التضامن بين إيالة الجزائر والدولة العثمانية خلال القرن السادس عشر، وتقدّم "فرانسيسكو فرانكو سانشاز" دراسة تحليلية نقدية لكتاب بيار رايس. وعلى نطاق آخر، يشرّح د. "محمد بوطيبي" الموروث البشري العثماني، فيما يستنطق د. "محمد شاطو" علاقة المجتمع الجزائري بالسلطة العثمانية في الجزائر ونظرته إليها من خلال المصادر المحليّة، وتعبر أ.د " فاطمة الزهراء قشي" إلى القانون التركي للألقاب، على أن يتعرض د. "رابح كنتور" و د. "ليلى خيراني" وأ.د. "أحمد السيد الحسين" تواليا إلى أهمية الرصيد العثماني في كتابة تاريخ الجزائر - المحاكم الشرعية أنموذجًا، الوثائق العثمانية أداة لدراسة موضوع المرأة في العهد العثماني، والنوازل الفقهية في الإفتاء الحنفي لمحروسة الجزائر العثمانية".
مصطلحات ومفاهيم في خضم الكتابات ستكون جلسة إسدال ستائر الملتقى الماراثوني حافلة ويبصمها أ.د. "أرزقي شويتام" ببسط المصطلحات والمفاهيم الواردة في المصادر الغربية حول تاريخ الجزائر إبان الفترة العثمانية، في وقت سيجري د. "لزهر بديدة" دراسة إحصائية تقييمية للمنجز في قسم التاريخ حول التاريخ العثماني، ويحوصل د. "محمد دراج" الحضور الجزائري في الرسائل الجامعية التركية خلال نصف قرن. ويسائل د. "جهاد الغرام" إشكالية المفاهيم في التصور الذهني العربي للدولة العثمانية وأثرها على العلاقات العربية التركية، بينما تقترح أ. "رقية شارف" عرض وتقييم الكتابات التاريخية المحلية خلال العهد العثماني في جزائر القرن السادس عشر إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر، على أن تنتهي أ. "حياة سيدي صالح" إلى عثمانيي الجزائر في الكتابات الفرنسية.
ورش الجوار لن يكتف المنظمون بالرصيد الأكاديمي النفيس لهذا الملتقى، بل سيتم تفعيل عدة ورشات على الهامش تتناول مظاهر العلاقة السياسية بين الجزائروتركيا ومسارتها التاريخية، التفاعل الاجتماعي والثقافي بين الشعبين خلال الفترة العثمانية إضافة إلى العلوم والفنون والعمارة في العهد العثماني بالجزائر. وبدورها ستغدو الورشات غزيرة بإسهامات أفقية تنضج مشتلة للقادم.