خلّف خطاب الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، الداعي إلى تبني تشريعات جديدة تساعد على تسهيل محاربة الإرهاب، مخاوف لدى الجالية الجزائرية والمسلمة عموما، من أن تتحول التشريعات الجديدة إلى مبررات للتضييق على المسلمين. وكان هولاند قد قال في خطابه: "علينا تطوير الدستور ليسمح لنا بسرعة التحرك، ووضع نصوص تشريعية تبرر تجريد من يثبت تورطهم في أعمال إرهابية من الجنسية الفرنسية"، وهو ما دفع الكثير لاعتبار هذا الخطاب خارطة طريق لما تنوي فرنسا مباشرته لاحقا. وترك هذا الخطاب انطباعات متباينة بشأن ما ينتظر الجالية الجزائرية والمسلمة في فرنسا، حيث عبّر البعض عن تخوفهم مما هو قادم، فيما قلل آخرون مما تضمّنه الخطاب، من منطق أن فرنسا دولة ديمقراطية ولا يمكنها أن ترتكب أخطاء على هذا الصعيد. ويعتبر العقيد المتقاعد، أحمد خلفاوي، من أنصار التوجه الثاني، وقال في اتصال مع "الشروق" أمس: "جاليتنا هي من اختارت الإقامة في بلد مثل فرنسا، وبالتالي عليها التكيّف مع تقاليد وأعراف وقوانين هذا البلد. لا أقول لها تخلي عن مبادئك وذوبي في المجتمع الفرنسي، ولكن عليها التكيف مع محيطها". وأوضح خلفاوي أن "حرية الدين في فرنسا مكفولة للجميع، فهناك المسيحي والمسلم والبوذي.. لكن هناك قيماً تتعلق بالعلمانية يتعين احترامها من قبل الجميع، بغضّ عن خلفيات ومشارب النسيج الفرنسي". وبرأي الضابط المتقاعد، فإن الرئيس الفرنسي مسؤول عن اتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها حماية الدولة والشعب الفرنسيين، ومنها تعديل الدستور وتبني التشريعات التي تساعده على ضبط الأمن، متسائلا: "لماذا الخوف ما دام الأمر يتعلق بالمجرمين؟". وأكد المتحدث أن "حتى وإن وقعت تجاوزاتٌ من طرف مصالح الأمن الفرنسية بحق فرد من أفراد الجالية، فالعدالة في فرنسا حرة ولا يمكنها أن تسقط في تجاوزات، كتلك التي تسجل في بلدان العالم الثالث". غير أن أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، سليم قلالة، يذهب غير ذلك ويؤكد بأن أي سوء معاملة مع الجالية المسلمة والجزائرية خصوصا، قد تنعكس سلبا، ودعا السلطات الفرنسية إلى الاستلهام من التجربة البريطانية، التي تعتبر مثالا على هذا الصعيد، كما قال. وقال قلالة في اتصال مع "الشروق" أمس: "كل دولة تبنت أسلوب التشدد مع الجالية المسلمة كانت النتائج عكسية"، مشيرا إلى أن من بين الأسباب التي تقف وراء الاستقرار الذي يتمتع به المجتمع البريطاني، هو التعامل بسلاسة مع الجاليات المسلمة المقيمة على أرضها. وأوضح قلاقة: "فرنسا ومن خلال تقليدها العلمانية، تريد إعطاء مثل لبقية البلدان الأوربية في التعامل مع الجاليات المسلمة، غير أن هذه التجربة لا تُعتبر مثالا للغير، بدليل القلاقل التي يعيشها المجتمع الفرنسي اليوم"، مضيفاً: "الجالية المسلمة في فرنسا وغيرها من الدول الأوربية، تشكل واقعا وصيرورة تاريخية، ولا يمكن مواجهتُها بقوانين ردعية، بل بالتكيف مع الاتجاه الصاعد في أوربا، بدل مزيد من التضييق عليه، لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى ردود فعل عنيفة"، لافتا إلى أن "محاولات التشويه التي سُلطت على الإسلام وعلى الجاليات التي تعتنقه، لم تؤدي سوى إلى مزيدٍ من الاقتناع به كدين في المجتمعات الغربية".