كانت البداية من صورة نشرتها الشروق قبل أيام في موضوع يتعلق بالسجناء الجزائريين في ليبيا، ليتحول الأمر إلى قصة تراجيدية ومأساة أضحت تتكرر بشكل يومي في الأشهر الأخيرة، حتى أصبحت في حكم المعتاد الذي لا يُذهل أحد ولا يجعل الشخص حتى يقابلها بالتأسف والتأسي لحال عشرات الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن دون معرفة مصيرهم. انتهت أخباره عندما وجدت جثث رفاقه على شواطئ وهران السيدة رقية غربي من ولاية وهران، قتلها الصبر وطول الأمل وهي ما تزال تنتظر خبرا عن ابنها بو عبد الله ومصيره بعدما قرر أن ينضم لقافلة المغامرين بحياتهم بحثا عن لقمة عيش، الأم المفجوعة بفقدان فلذة كبدها، وبخطوات متثاقلة، جاءت إلى الشروق يوم أمس بعدما اطلعت على صورته المنشورة في الجريدة يوم الخميس الماضي..."انه ابني، انه بو عبد الله ولكن الأيام والحبس والقهر والبعد عن الأهل هو ما غيّره" هكذا قالت لنا الأم ثم أضافت "حتى شقيقته الوحيدة عرفته من خلال الصورة المنشورة في الشروق، وحلفت بأغلظ الإيمان أنه شقيقها الذي كان لا يفارقها ولا للحظة". غربي بوعبد الله، 34 سنة، واحد من الشباب الكثيرين الذين يتكلم عنه الوزراء هذه الأيام، لقب "الحراڤة" أصبح لصيقا به وبأصدقائه ورفاقه منذ عرفوا أن هذه الجزائر لم تعد لهم، أو أنها لم تعد تستوعب الجميع، تحكي الأم اللحظات الأخيرة لمغامرة بوعبد الله "لقد رحل بدون أن يودعني، حتى والده لم نخبره إلا قبل يومين من اتخاذه القرار، كان صعبا على توديعه، وكان من الأصعب أن أوافق على مغامرته، لكنني شاهدته بأم عيني وهو لا يستطيع حتى أن يدبر الأكل والدواء لابنه وليد الذي خرج منه بعد تجربة زواج فاشلة".. بوعبد الله قرر أن يخوض تجربة "الحرڤة"، باع كل شيء حتى "البورتابل" الذي كان يملكه، واشترى تبانا جديدا قال لشقيقته موصيا احفظي لونه جيدا فقد تعثرون عليّ جثة ويساعدكم على أن تتعرفوا على هويتي"...كلمات قاسية رددتها الأم رقية، وهي تحاول أن تنقل لنا الكلمات الأخيرة لابنها الذي لم تلد غيره ما عدا شقيقته، وفيما كانت تتوقع أن يكون سندا لها، ها هو الآن يختفي دون أن تعرف عنه خبرا، لكنها بررت لنا إقدامه على "الحرڤة" بمحاولة البحث عن مصدر رزق يحفظ له كرامته "كان يرى والدته وهي تتخبط في الديون ولا تستطيع أن تدفعها، والأهل كل يوم يطالبون بها، لم يستطع المقاومة فقرر "الحرڤة" لعلها الحل الوحيد الذي ينجيه من الفقر الذي تحول إلى كفر في الأحياء الشعبية بوهران". الأم رقية قالت إن ابنها بو عبد الله رحل يوم 28 جانفي 2006، ودفع فقط 3 ملايين لأنه لم يكن يملك غيرها، وفي تلك الليلة أبحر عديد من "الحراڤة" عبر 6 بوطيات، ثم بعدها بأيام، سمعنا أن الأمواج رمت 3 جثث، تقول الحاجة رقية ثم تضيف "حينها دموعي سبقت قدماي قبل الوصول إلى مصلحة حفظ الجثث، خوفا أن يكون بوعبد الله ضمن الجثث، لكنني بكيت أكثر عندما شاهدت أن من عثروا عليهم ورمت بهم الأمواج كانوا أصدقاءه ورفاقه في رحلة الموت". اليوم، الحاجة رقية كعشرات الأمهات، بل المئات، تبحث عن ابنها، وتناشد الرئيس وكبار المسؤولين أن يتحركوا لعلهم يستطيعون إخراجه من السجن في اسبانيا أو المغرب، أو ليبيا، أو في أي مكان آخر، المهم أن يعود إلى بلده وأن يعود أولا وأخيرا إلى حضن أمه وابنه الذي سيلتحق بمقاعد الدراسة الموسم المقبل!