لم ولن يكون تمثال العربي بن مهيدي آخر إهانة في حقّ "أُسود الثورة التحريرية" في زمن الاستقلال، فقبْل بن مهيدي أهين شيخ الجزائر العلامة عبد الحميد بن باديس بتمثال لا يُشبهه في شيء، بمناسبة تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، ولم يُزح التمثال من وسط المدينة إلا بعد "ثورة عنيفة" من عائلة الشيخ لكن أحدا من المتورّطين لم يُحاسب تماما كما لم يحاسب أحد ممن نصبوا "رُبع تمثال" لبن مهيدي هذا الأسبوع، لا يشبهه هو أيضا في شيء، ما يطرح السؤال: ما الذي يجري من وراء قصة هذه التماثيل؟ اشتعلت المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات المستنكرة، هذا الأسبوع، احتجاجا على ربع تمثال إسمنتي للعربي بن مهيدي، رحمه الله، أشرف على تدشينه وزير المجاهدين الطيب زيتوني، الخميس الفارط الثالث مارس بمناسبة ذكرى استشهاد ابن مدينة عين مليلة. التمثال الجديد، حسب أرقام رسمية، كلّف ملياري سنتيم، وبرأي مواطني عين مليلة، فالتمثال "فضيحة" في جبين من كان وراء صفقة إنجازه ووضعه في مكان التمثال القديم الذي كان منصوبا في مدخل المدينة المؤدّي إلى دوار الكواهي حيث ولد بن مهيدي، وكان سكان عين مليلة يفتخرون بالتمثال القديم كونه ضخما مصنوع من النحاس يشبه بن مهيدي تماما، بينما وضع التمثال الجديد بالمخرج الجنوبي للمدينة، واللافت أنه لا يشبه بن مهيدي البتّة بشهادة شقيقته، فضلا عن أنه صُنع بمادة الإسمنت الأبيض، وطُلي بطلاء مكلّس غير مقاوم للاضطرابات الجوية، ما يسعني أن الصفقة تمّت بعيدا عن المعايير ولم تراعِ الوزن الحقيقي لصاحب التمثال كونه أبا من آباء ثورة التحرير.. وقد سارع بعض الشباب إلى تغطية التمثال بالراية الوطنية احتجاجا. وقبل بن مهيدي أهين الشيخ عبد الحميد بن باديس في مسقط رأسه بقسنطينة بتمثال ناله الكثير من الإهانة سواء من حيث الشكل، حيث لم يكن يشبه الإمام الراحل، كما طالته إهانات شباب طائش وضعوا له سيجارة في فمه وهاتفا نقالا في يده. وتفاعل معلقون مع فضيحة تمثال بن مهيدي، فعلّق من سمى نفسه "كلنا بن مهيدي" قائلا "سرقة وتبديد للمال العام تحت ذريعة تكريم الشهداء: كان من الجدارة واللباقة وحسن النية أن تصرف هذه الأموال في ذكرى استشهاد المغفور له بإذن الله الشهيد العربي بن مهيدي، كان الأجدر أن تصرف هذه الأموال على اليتامى والأرامل و المحتاجين. نعم، و نحن في أزمة اقتصادية، و كأن هذه الأزمة لا تطال إلا عامة الشعب الذي أصبح يئنّ تحت ثقل فواتير الكهرباء والغاز والماء. أين هو التسيير الراشد للمال العام؟ خلطة اسمنتيّة بملياري سنتيم؟ إنه للعجب العجاب. لقد آن الأوان أن يحترم هذا الشعب و أن لا يُستهزأ به". وكتب الجزائري "لا فائدة من وضع تماثيل الشهداء من جهة و خيانة عهدهم من جهة أخرى"، أما "الأوراسي" فكتب "الرداءة طالت كل شيء.. التمثال يصنع كما يجب في مستوى عظمة الشهيد أو لا يصنع أصلا . يصنع بالرخام الذي لا يتأثر بأي شيء، في إيطاليا البلد المختص بامتياز في صناعة التماثيل ويوضع في ساحة عامة خضراء أو حديقة عمومية يعتنى به كما يعتنى بالحديقة أو أمام هيئة رسمية ليس في مكان وسخ يطاله الغبار ودخان السيارات والقاذورات". من جهته قال "الكبريتي": "ما يهم لا الشهداء ولا العربي ين مهيدي، كل ما يهم هو 02 شكاير اسمنت و 02 مطارق فيراي بقيمة 02 ملاير، سينتهزون الفرصة ويصنعون تماثيل مماثلة لمن هب ودب لحصد ما استطاعوا من أموال الشعب وهذا في عز الأزمة ويفرضون على الشعب سياسة التقشف." وكتب من رمظ لنفسه باسم "الحقيقة": "مبروك على الفائز بالصفقة تقاعد مسبق مريح في جزر هواي على شاطئ البحر.... والله العظيم على المستوى الوطني رأيت الكثير من هذه الأعمال ذات الأشكال المختلفة و التي تسمى "عمل فني" لكنها في الواقع وسيلة ذكية لنهب المال الهام، مثال عمل لا تتعدى تكاليف إنجازه 300 مليون سنتيم يحسب 2 مليار....عيش يا مسكين..... الله يخدعكم كما خدعتم الشهداء...الله ينتقم منكم يا السراقين..". وتطرح قصة تمثالي ابن باديس وبن مهيدي إلى علامات استفهام كبيرة حول هوية من يقف وراء صفقات صناعة تماثيل رموز الجزائر وشروط ومعايير إنجازها وقيمة الإنجاز، وقد تحوّل الموضوع إلى حيلة لنهب المال العام خاصة وأن "الجُناة" لا يُقدّمون إلى العدالة.