فيما تسير الأعمال التلفزيونية الخليجية بخطى ثابتة نحو الانتشار العربي، اختارت الجزائرية العمل بالعبارة الشائعة في مجتمعنا "تقدم إلى الخلف".. فعلا تقدمت كثيرا نحو الخلف وبخطوات عملاقة جدا، خاصة وأنها استعانت بتكنولوجيات الاتصال الحديثة وبأسلحة "الدمار الشامل" وبأكشن "رومبو". استنساخ وصياح وتهريج، هي مكونات اغلب الأطباق الدرامية والكوميدية التي أعقبت موعد الإفطار على مختلف القنوات، والتي لم تكشف بعد عن موضوع أو سيناريو أو فكرة واضحة، عدا –طبعا- مقالب الكاميرا الخفية، لأن ردود فعل ضحاياها وخاصة صوت "الحذف" يجعلنا نفهم جيدا أن "كلاما بذيئا" قيل وان "النجم" انفعل كثيرا واظهر حقيقته. الدراما الخليجية التي كانت إلى وقت غير بعيد غير مرحب بها في بيوت الجزائريين بسبب "اللهجة" المعقدة وصعوبة الفهم، نجحت في استمالة المشاهد في السنوات الأخيرة بعد مغادرتها للقصور الفخمة وملامستها لواقع المجتمع الخليجي واستهداف العمق بتناول مواضيع الطبقية والسلطة الذكورية وتعدد الزوجات والخادمات الأجنبيات وزواج المسيار وإدمان الفتيات على المخدرات والعنف الأسري والسفر بمحرم وغيرها من "الطابوهات". هذه الأعمال رفعت سقف الجرأة عاليا، وناقشت قضايا "محرمة" اجتماعيا وخاضت في "الممنوع" فأقبل عليها المشاهد العربي، لأنه اقتنع بمضامينها الواقعية مثلما اقتنع منذ أزيد من 20 سنة بصراعات "كناين" خالتي قماشة.. البداية كانت من خلال "طاش ما طاش" التي كاد أن يدفع أحد أهم مهندسيها ناصر القصبي حياته ثمنا لجرأتها.. ثم "سيلفي" الذي يقدم موسمه الثاني بنفس الريتم وبأكثر تصعيد.. وإن كانت الكوميديا تغليف ذكي لهذه الأعمال، فالدراما بدورها استجابت لنداء "الواقعية"، ولعل المسلسل الكويتي "ساق البامبو" عن رواية سعود السنعوسي التي حصدت جائزة البوكر العربية سنة 2013 هدف آخر يسجل في مرمى الدراما العربية، لأنه ناقش إنجاب الرجل الخليجي من الخادمات الفيليبينيات رغم تحريم العرف والتقاليد لأي علاقة معهن. ويبقى الإفلاس سيد الموقف عندنا و"الصراخ" عنوانا كبيرا لأعمال كثيرة لا تصلح شكلا ولا مضمونا.