.. استوقفوني على الطريق المحاذية لغابة "إعكوران"، كانت عقارب الساعة تشير إلى الخامسة والنصف مساء يوم السبت، كانوا ثلاثة أشخاص، أحدهم استوقفني على متن سيارة من نوع "كليو كمبوس" سوداء اللون.. بعد أن أشار لي بيده طالبا مني مكالمة هاتفية، لأن سيارته تعطلت ولا يملك رصيدا كافيا.. توقفت وسلمته هاتفي.. لحظات لا أكثر، شخصان يقطعان الطريق "هات ما عندك وإلا فقدت حياتك.. " إنها يوميات الناجين من "قبضة قطاع طرق إعكوران". * * إرهابيون يجندون أصحاب السوابق العدلية للسرقة وتضليل رجال الأمن * * كثيرون هم أولئك المواطنين سواء من منطقة بجاية أو تيزي وزو الناجون من لصوص "محور إعكوران- أدكار" بين منطقتي تيزي وزو وبجاية، الخط الذي تحول إلى نقطة ابتزاز للعابرين منه، كما تحولت غابة "إعكوران" المحاذية للطريق إلى ملاذ آمن لعشرات اللصوص ممن احترفوا "حرفة السرقة والإبتزاز بالنيابة عن أتباع درودكال"، ينقل الكثير من الناجين من قبضة اللصوص أو ممن سلموا لهؤلاء مبالغ مالية مقابل حياتهم، أنهم عادة ما يستغلون أوقاتا متأخرة من مساء أيام الأسواق الأسبوعية على غرار سوق تيجلابين للسيارات، حيث يترصدون ضحاياهم بخطط لا تختلف عن مقالب الإرهابيين سوى في رائحة الدم. * "محند" واحد من الناجين من الموت بأعجوبة يتحدث قائلا للشروق اليومي: "عندما عدت ذات يوم مساء من سوق "تجلابين" على متن سيارتي لمحت في طريقي سيارة متوقفة بالقرب من الطريق المحاذية للغابة، من نوع "تويوتا هلكس" بيضاء اللون، كان على متنها شخصان، أشار لي صاحبها بالغمازة للتوقف فتوقفت للحظات.. أخبرني الشخص الذي كان يقودها انه لا يعرف الطريق وسألني فيما إذا كان يوجد "محل للفاست فود"، وأثناء نزولي من السيارة اغتنم صديقه الفرصة وأمسكني من الخلف، بينما راح صاحب السيارة بهدوء قائلا "هات ما تملك مقابل حياتك"، حاولت الكذب وأخبرته بأني لا أملك شيئا قبل أن يفتش السيارة ويأخذ منها ما قيمته 30 مليونا، كان صاحبه يهددني بخنجر كبير، قام بتكبيل يداي وطلب هاتفي النقال ومفاتيح السيارة وعندما ركبا سيارتهما حاولت أن أسجل رقمها، لكنه كان مغطى بشريط لاصق أبيض من الأمام والخلف.. ولحظة فرارهما بالسيارة، أخبراني أن مفتاح سيارته سيرميانه على بعد 30 مترا.. في هذه اللحظات قررت المسير إلى الأمام بحثا عن النجدة لأعثر على مفاتيح سيارتي ...". * * "باندية" في خدمة الارهابيين.. توفير الأمن مقابل الجزية * * كثرت موجة الإبتزازات وحتى الإعتداءات بعد رفض بعض المواطنين مطالب اللصوص على غرار "الحاجة حليمة" صانعة أواني فخار، تملك بالقرب من المنطقة بيتا مصغرا به آلات صناعة الفخار، مداهمة منزلها في ساعة متأخرة من الليل، وطلب منها مبلغا معينا من المال مقابل حياتها وحياة ابنها، واخبروها أنها "جزية للإخوة في الجبل"، سلمت المرأة المبلغ للجماعة المتكونة من أربعة أفراد، لتقرر في اليوم الثاني التبليغ عن الحادثة، وبعد أسبوع تمكنوا من إلقاء القبض عليهم ووجهت إليهم تهمة "تكوين جماعة أشرار تحت غطاء جماعة إرهابية". * ويذكر بعض مواطني المنطقة، أن هؤلاء اللصوص عادة ما يكونون مجندين من قبل جماعات إرهابية للتمويه على مصالح الأمن، وابتزاز المواطنين مقابل تقاسم الغنيمة فيما بعد. وهو ما يفسر عدم تعرض هؤلاء اللصوص إلى ضربات الإرهابيين، فالإرهابيون يؤمنون لهم المسلك مقابل دفع جزء لهم من الغنائم. * المنطقة أيضا وعلى طول طريق أدكار تنتشر بها حرفة بيع الأواني الفخارية في منطقة ذات طبيعة خلابة، طالب محترف الصنعة، بضرورة توفير خطوط الكهرباء ونشر قوات الأمن على طول الطريق، وذكر هؤلاء أن طول الطريق على أزيد من 40 كلم، لا يتوفر على مد خطوط الكهرباء، بالرغم من أنه خط مهم يربط بين ولايتين كبيرتين. * * الطريق الى إعكوران أو الى الرعب * * عرفت غابة "إعكوران" الواقعة بين منطقتي بجاية وتيزي تموقع بعض الجماعات الإرهابية، واتخاذها نقطة إستراتيجية بسبب موقعها الجغرافي المتشعب الرابط بين ولايات حيوية يسهل التنقل بين تضاريسها الوعرة، على غرار قربها من العاصمة، وبومرداس والبويرة، وامتدادها على جزء من ولاية تيزي وزو، ليقرر بعد أحداث القصف لبعض الإرهابيين في الغابة عملية تمشيط واسعة نهاية شهر جويلية من عام 2007 من قبل قوات الجيش أدت إلى القضاء على الكثير من الدمويين، استمرت لأكثر من 12 يوميا دون انقطاع، تمكنوا فيها من القضاء على جماعية إرهابية مجهولة العدد ومحاصرة عدد منهم، لأسابيع أخرى، واستمر الحصار إلى ما بعد حادثة الهجوم على أعوان شرطة المرور ببلدية "معاتقة" بولاية تيزي وزو، يتحدث أحد ساكني المنطقة ممن يتردد على الطريق لبيع بعض أواني الفخار بالقرب بأدكار، أن الحادثة أدت إلى تضييق الخناق وقتها على المنطقة، كما عززت تواجد الأمن في الطرق المؤدية نحو بلدية معاتقة من كل الاتجاهات، ويضيف محند أحد الناجين من الموت، أنه بعد عودة الإستقرار إلى منطقة تيزي وزو، ظهر نوع آخر من الإرهابيين الذين يكتفون بسلب أموال المواطنين دون حياتهم تحت غطاء أتباع "درودكال"، حيث انتشر عدد من اللصوص وقطاع الطرق، عادة ما يستغلون الظروف الأمنية لترهيب المواطنين وسلب أموالهم. * ..تركنا المنطقة قبل عيد الأضحى المبارك وفي ذاكرتنا شيء لا يمكن أن ينسى، صورة الكثيرات من نساء المنطقة فضلن الإستمرار في البحث عن لقمة العيش وصناعة الفخار تحديا كبيرا للارهابيين وحتى لمنتحلي الإنتساب إليهم.