عائلة تتلقى قرار الطرد بالدموع/تصوير:علاء.ب يستميت العديد من الأشخاص في الدفاع عن السقف الذي يأويهم بعد أن وجدوا أنفسهم ملزمين بإخلاء السكن وتطبيق قرارات الطرد التي صدرت بشأنهم أمام انعدام البدائل لإيوائهم وتنصل السلطات المحلية على اختلاف درجاتها من المسؤولية التي تحتم عليها التكفل بهكذا حالات، فلا يجدون من بدّ سوى التهديد بالانتحار وتفجير البيت بمن فيه استنكارا بما سيلحق بهم من تشرد وانحراف واستباحة لأعراضهم في "جزائر العزة والكرامة". * تضطر في كثير من الأحيان القوة العمومية المسخرة لتنفيذ أحكام قرارات الطرد إلى العدول عن التطبيق بعد أن يتعسر عليها الأمر لما تواجهه من تصدٍ من قبل الجهة التي يقع عليها الحكم وتضامن المواطنين معها، فتعود أدراجها دون بلوغ غايتها، ضاربة موعدا جديدا بعد استكمال المهلة التي تمنح لها لضبط أمورها... يكاد يتكرر هذا المشهد مع أغلب أعوان الأمن والمحضرين القضائيين الذين تغرقهم العائلات والمواطنون بالتوسلات والاستعطاف، وبعد أن يتيقنوا من عدم جدوى ذلك تنعكس الأمور ويقذفون بوابل من السبّ والشتم والأوصاف القبيحة. * الصراخ والعويل والإغماءات والتهديد بالانتحار أو تفجير البناية.. هي أول ما يستقبل به المحكوم عليهم بالطرد المحضر القضائي والقوة العمومية تصديا للتنفيذ. * عائلة "ح. ح" واجهت منذ مدّة تنفيذ حكم بالطرد من مسكنها الكائن بالحمامات، الذي تأجّل لصعوبة تنفيذه وتمسك العائلة بعدم مبارحة مسكنها الذي "سلب" منها نتيجة خطأ إدراي، كما أكده رب العائلة، بالإضافة إلى التضامن الواسع من قبل الجيران ومواطني الحي. * عايشنا اللحظات الأولى قبل تنفيذ الحكم حيث كان الهدوء الذي يسبق العاصفة يخيّم على المكان، ساعات قليلة بعدها لمحت العائلة المحضر القضائي رفقة القوة العمومية يتقدّمون باتجاه منزلهم، وفجأة تعالت الأصوات والعويل وتراصّ الجيران أمام باب العمارة مانعين تقدم أي شخص، من جهتهم أعوان الأمن دخلوا في مفاوضات مع السكان لفسح الطريق تجنبا لاستخدام القوة أو اعتقالهم، غير أن كل ذلك لم يجد نفعا، ومع أول محاولة جادة للتقدم والاستعانة بإمدادات جديدة همّت إحدى البنات بإلقاء نفسها من الشرفة، في حين لوّح شخص آخر بالسكين مهددا بقتل من يتعرض له، مشاهد الإقبال والإدبار تكررت كثيرا واشتدت في أوقات أخرى، ما تطلب الاستنجاد بمصالح الحماية المدنية درءا لأي خطر قد يسجل سيما بعد التهديد بتفجير قارورة غاز، وأمام هذا الإصرار اضطر الفريق المجنّد للتنفيذ إلى تأجيل العملية. * وفي السياق ذاته قامت مجموعة من النسوة بضرب أنفسهنّ أثناء محاولة إخراجهن من المساكن التي كانت تأويهن رفقة عائلاتهن بأحد الأحياء الشعبية بالعاصمة، كما قمن برشق عناصر الأمن بالأثاث والحجارة، وتبعا لذلك تم الاستعانة بقوات إضافية طوّقت المكان، وسرعان ما تم التحكم في الوضع، بينما نقل الأثاث للمحشر إلى أن تعثر على مكان تستقر فيه. * حادثة طرد أخرى سجّلت خلالها نقل العديد من الأشخاص إلى المستشفى بسبب ما تعرّضوا له من إغماءات وارتفاع في ضغط الدم بالإضافة إلى حالات صرع وأزمات صحّية. * من جهته، أكد المحامي بهلولي إبراهيم أن الأصل في القانون هو تطبيق قرار الطرد، غير أن الجوانب الاجتماعية التي يشير القانون الجزائري إلى ضرورة مراعاتها أثناء التنفيذ غالبا ما يتم تجاهلها، سيما عندما يتعلق الأمر بأصحاب النفوذ، ومن بين الفترات التي يحبّذ تجنبها نذكر الدخول المدرسي وشهر رمضان وأيام البرد والشتاء وغيرها من الأعياد الوطنية والدينية... المطبق في الوقت الراهن -حسبه- هو عدم التنفيذ خلال شهر رمضان ويوم العيد سواء الوطني أو الديني، وهي أيام عطل مدفوعة الأجر أصلا لا يعمل خلالها المحضرون ووكلاء الجمهورية، والقصد الحقيقي هو فترات العيد، أي الأيام القبلية والبعدية، واستشهد الأستاذ بهلولي بالمادة 343 من قانون الإجراءات المدنية حيث تنص على عدم جواز التنفيذ في الليل أو أيام العطل إلا في حالات الضرورة، ما يحصل حاليا هو إدراج هذه الجوانب الاجتماعية ضمن مهلة 3 أشهر التي يقدمها الوالي. * ويضيف المتحدث أن كل شهر هناك برنامج للطرد تستثنى منه بعض الحالات التي يرد فيها قرار الوالي المتعلق بمهلة 3 أشهر، وإذا صدر الحكم واستنفذ جميع الطرق العادية وغير العادية فإنه لا مفر من التنفيذ، وبالموازاة مع هذا سبق لوزير العدل الطيب بلعيز أن دعا القائمين على تنفيذ قرارات الطرد إلى أن يكونوا أكثر رحمة ورأفة وإنسانية في تعاملهم مع العائلات التي تواجه الطرد من مساكنها. * أما عن العوائق التي يصطدم بها المحضر القضائي وتحول دون التنفيذ فذكر الأستاذ بهلولي حالات الخطأ في العنوان أو الاسم، وبصفة عامة هي حالات لا تنطبق فيها بيانات الحكم مع الواقع، وهنا تعرض القضية من جديد أمام رئيس المحكمة ليفصل فيها ضمن قضايا إشكالات التنفيذ إمّا بالمواصلة أو الوقف. * واعتبر الأستاذ بهلولي "الاعتراض على تنفيذ الأحكام الذي يعد في نظر القانون عصيانا وجنحة يعاقب عليها المشرع الجزائري، والتهديد بارتكاب جرائم إذا ما تم التنفيذ يعتبر جريمة أخرى تضاف إلى سابقتها...". * وبالعودة إلى لغة القانون فإن المادة 328 من قانون الإجراءات المدنية تخوّل للمحضر القضائي تحرير محضر التعدي وتقديمه إلى وكيل الجمهورية، في حين تنص المادة 187 من قانون العقوبات على أن "كل من يعترض بطريقة الاعتداء على تنفيذ أعمال أمرت بها السلطة العمومية يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنة وبغرامة لا تتجاوز ربع التعويضات المدنية ولا تقل عن ألف دج، وتضاعف العقوبات بالنسبة للأشخاص الذين يقومون بالتجمهر والتهديد بالعنف من 3 أشهر إلى سنتين".