صورة من الارشيف يشرع بداية من اليوم، في العمل بأحكام قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد، بعد أزيد من سنة ونصف السنة من صدور القانون في الجريدة الرسمية، وهي المدة التي قضاها المحامون وقضاة الحكم والنيابة وكل المشتغلين في قطاع العدالة، في بحث واستيعاب نصوص هذا القانون، الذي يعتبر الأضخم من نوعه في تاريخ الجزائر المستقلة. * ويعتبر قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد، استثناء من بين مشاريع القوانين التي صدرت في الجريدة الرسمية من دون أن يبدأ العمل بها، بحيث تم إرجاء العمل بنصوص هذا القانون لفترة زمنية محددة، كما جاء على لسان وزير العدل حافظ الأختام، الطيب بلعيز، الذي برر هذه الإجراء الاستثنائي، بإعطاء الوقت الكافي للعاملين في قطاع العدالة، من استيعاب أحكامه الجديدة، وقد نظمت لذات الغرض ندوات وملتقيات جهوية ووطنية، أشرفت عليها الوزارة الوصية. * ويعتبر قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد، الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه مطلع 2008، بمثابة ثورة في المنظومة القانونية الجزائرية، بالنظر إلى عدد المواد التي يتوفر عليها هذا القانون، والتي تبلغ ألف و63 مادة، مقارنة بالقانون المعدل، الذي لم تكن مواده تتجاوز 500 مادة فقط، وكذا الجوانب الجديدة التي عالجها، والتي روعيت فيها التطورات التي عاشتها البلاد. * ومن أهم ما تضمنه القانون الجديد، هو أنه تبنى مبدأ الصلح في النزاعات القضائية، ما من شأنه أن يقلل من عمليات اللجوء إلى التقاضي، ومن ثم تخفيف العبء على مؤسسات العدالة من محاكم ومجالس وكذا المحكمة العليا، وذلك من خلال تكليف وسيط حيادي معروف باتزان سلوكه وأخلاقه، بالقيام بوساطة تحت إشراف قاض، وهي العملية التي تسهل الوصول إلى حل قريب بين الطرفين المتخاصمين مع المحافظة على علاقاتهما. * وأعطى قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد أهمية خاصة للجوانب المتعلقة بتنفيذ القرارات القضائية، بحيث أصبح بإمكان المتقاضي الذي ربح قضية ضد مؤسسة من مؤسسات الدولة، الحصول على مستحقاته براحة أكبر وفي أقصر وقت ممكن، وذلك بتخويل القاضي الإداري فرض غرامات تهديدية على الطرف الخاسر في القضية، وهو إجراء يسمح للجهة المكلفة بتنفيذ القرار، بترصد المورد المالي المرصود للمحكوم عليه على مستوى خزينة الولاية التابعة، وتجميده ثم تحويله للضحية قبل أن يصل إلى صاحبه، ما من شأنه أن يرفع المظالم الواقعة على كاهل كثير من الجزائريين. * وجاء تبني القانون الجديد في سياق تكييف الجزائر لمنظومتها القانونية والتشريعية مع توجهاتها الجديدة، لاسيما الاقتصادية منها، بعد المخاوف التي عبر عنها كثير من المتعاملين الأجانب، الذين وصفوا جهاز العدالة في الجزائر ب "الثقيل" في فض النزاعات التجارية، فضلا عن عدم حزمه في تنفيذ القرارات القضائية، ما عبر عنه خبراء قانونيون مؤخرا في ملتقى بالجزائر، نظمته وزارة العدل في سياق حملتها لشرح نصوص القانون المذكور.