الخبير جون بريكمون " إنني أخشى أن يُؤدي الحماس، المبرر في بعض أجزائه بسبب انتخاب رئيس أسود، إلى إسكات النقد الموجه إلى السياسة الأمريكية، أو أخطر من ذلك، أن تُتهم الأصوات المنتقدة بكونها عنصرية. إن المشكلة الآن تكمن في أن أوباما سيحظى ب"شرعية" أكثر من سابقه بوش" * * - إسرائيل انهزمت في حربها على غزة هزيمة كبيرة * * - هل تعتقد أن باراك أوباما سيحدث تغييرا في السياسة الأمريكية، أم أنه سيسير على خطى جورج بوش؟ * لا أحب إعطاء الأحكام المسبقة، ولكن كل المؤشرات التي أظهرها باراك أوباما خلال حملته الانتخابية تظهر أنه يدعم بقوة إسرائيل .وحتى إذا افترضنا أن ذلك كان مجرد خطة تكتيكية "باعتبار أنه كان يعلم جيدا استحالة انتخابه لو عارض الأوساط اليهودية"، يجب أن لا ننسى أن الرئيس ليس ديكتاتورا وعليه أن يأخذ بعين الاعتبار علاقات القوة التي كان خاضعا لها أثناء حملته الانتخابية. زيادة على ذلك فإن الكونغرس ومجلس الشيوخ قد صوتا على قرار داعم لإسرائيل خلال الصراع الدائر في المنطقة. وإذا كان في نية أوباما تغيير شيء ما فإن الغرفتين سيقفان عائقا. * كيف ترى مستقبل العلاقات الدولية في ظل إدارة باراك أوباما؟ * ستكون هناك بدون شك المزيد من "الدبلوماسية"، ولكن كما يقول تشومسكي فإن كوندوليزا رايس كانت تتحدث هي الأخرى عن الدبلوماسية. وإذا كانت إدارة جورج بوش هي الأولى التي ذهبت إلى الحرب لوحدها وواجهت العالم بأسره من أجل ذلك. فقد تغير الخطاب بعد ذلك وسيتغير أيضا مع أوباما، ولكن إلى أي حد يمكن له أن يتغير في واقع الأمر؟ إنني أخشى أن يُؤدي الحماس، المبرر في بعض أجزائه بسبب انتخاب رئيس أسود، إلى إسكات النقد الموجه إلى السياسة الأمريكية، أو أخطر من ذلك، أن تُتهم الأصوات المنتقدة بكونها عنصرية. إن المشكلة الآن تكمن في أن أوباما سيحظى ب"شرعية" أكثر من سابقه بوش، لكن ما يحد ضرر الولاياتالمتحدةالأمريكية ليس بالأساس نوايا مسيريها ولكن المعارضة الشعبية لهذه السياسة التي ستكون مع أوباما أصعب مما كانت عليه مع بوش. * وفيما يخص الشعب الفلسطيني، فإن أملهم الوحيد هو أن تؤدي الأزمة الاقتصادية العالمية إلى استفاقة الأمريكيين وإدراكهم بأن أشياء كثيرة لا تخدم سياستهم، ومن أكبر هذه الأخطاء هو الدعم الأعمى لإسرائيل. * - وما هو رأيكم في الوضع الحالي في قطاع غزة؟ * أظن أنه من الهام بمكان أن نستنتج أنه زيادة عن الفظائع المرتكبة والآلام، فإن إسرائيل تلقت هزيمة كبرى. لا يمكن لنا أن نقدر من هو الفائز أو الخاسر إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار موازين القوى على أرض الواقع. فالهزيمة التي مني بها الألمان مثلا في الحرب العالمية الثانية بدأت منذ صمود موسكو ولينينغراد وقبل معركة ستالينغراد. وفيما يخص موضوعنا، فإن موازين القوى في غزة أكثر منها اختلالا في لبنان عام 2006، ومع ذلك لم تنجح إسرائيل في كسب المعركة، وهو ما يعني أن خسارتها كانت كبيرة. * علينا أن نعرف ماذا يعني النصر بالنسبة لهم وهو ما حدث على الأقل في حرب 1967 فهناك حينها استسلام جنود أو فرارهم، ولكن هذا لم يحدث في غزة، بل أكثر من ذلك علينا أن نأخذ بعين الاعتبار العامل الأيديولوجي المرتبط بوحشية الجرائم المرتكبة من طرف إسرائيل، وكذا الاشمئزاز الذي خلقوه تجاههم، ليس في العالم العربي فقط وإنما في كل دول العالم الثالث وبعضا من أوروبا. * في هذا السياق، علينا أن نحيي قنوات فضائية مثل الجزيرة وبعض المواقع الإلكترونية التي مكنت العالم من معرفة ما يجري على الأرض. * * - وهل تعتقدون أن العدوان الإسرائيلي على غزة جاء كرد فعل على الصواريخ التي أطلقتها حماس، أم أن هناك أهدافا أخرى من وراء هذا العدوان؟ * أنا لست مطلعا على المخططات السرية الإسرائيلية، وبحكم كوني رجل علم فإنني لا أريد أن أتكلم بمجرد تخمينات. وهذا يعني أنني لا أعرف شيئا حول هذا الموضوع. ربما هناك حسابات انتخابية، لكن المؤكد هو أن إطلاق حماس للصواريخ إذا وضع في السياق العام لا يبرر هذا العدوان، فلقد كان ينبغي أن يُرفع الحصار عن غزة ويُتفاوض مع حماس. وما هو مؤكد أيضا ومقلق في نفس الوقت، هو أننا لا نعرف ما هي الأهداف التي تريد إسرائيل تحقيقها، وكل ملاحظ موضوعي يدرك أن هذه الهجمات لا يمكن لها إلا أن تقوي حماس والنظرة العدائية تجاه إسرائيل. هناك شيء لا عقلاني في هذا العدوان، وهو ما يقلق أكثر. * * - ولكن كيف يمكن التصدي لإسرائيل إذا كانت تتحدى بوحشيتها العالم وهيئة الأممالمتحدة، ولا أحد مع ذلك يوقف عدوانها؟ * أولا، علينا أن نفهم أن عجز الأممالمتحدة ناتج بالأساس عن أمريكا التي تحول دون استصدار قرارات ضد إسرائيل. وكان يمكن للجمعية العامة وحتى مجلس الأمن أن يكون لهما موقف جيد لولا الفيتو. وبالنظر إلى القوة العسكرية الإسرائيلية، فإن خيار المواجهة العسكرية معها مستبعد، ولكن يمكن لنا أن نستعمل سلاحا آخر يتمثل في المقاطعة ووقف الاستثمارات وفرض العقوبات عليها، وإن كانت العقوبات بالأساس مرتبطة بالدول ومن غير المحتمل أن تلجأ الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا إليها، وبالمقابل فإننا نحي موقف كل من بوليفيا وفنزويلا اللتين قررتا مقاطعة إسرائيل دبلوماسيا وتبنتا مواقف مشرفة رغم بعدهما عن منطقة الصراع، وكنا نأمل أن تستلهم الدول التي تقرب من فلسطين جغرافيا وثقافيا. * أما المقاطعة فإنها سلاح شعبي وهو يتطور بشدة في بريطانيا واستعملت بنجاح ضد إفريقيا الجنوبية، ولا أرى ما الذي يمنع من كونها فعالة ضد إسرائيل. * * - وأين أوروبا مما يحدث في غزة؟ * عن أي أوروبا نتحدث؟ إنك تعرفين مثلي تماما أن أوروبا ليست موحدة مثل جامعة الدول العربية، وأن الحكومات لا تعكس الرأي العام لشعوبها. وعلينا أيضا أن نعرف أن المشكلة المركزية تكمن في أمريكا، خاصة في الكونغرس ومجلس الشيوخ، وأوروبا لا يمكنها أن تأخذ موقفا مستقلا عن الموقف الأمريكي وإذا فعلت فلن يغير ذلك شيئا ما دامت أمريكا تساند إسرائيل مساندة عمياء، وهذا لا يعني أن أوروبا معفية، لأنها إن استقلت عن الرؤية الأمريكية فإن هذا سيعزز القناعة الأمريكية الداخلية التي تقول إن دعم إسرائيل يكلف أكثر مما يُفيد وينفع. *