إن مؤشر درجة الحرارة لبعض الأحزاب السياسية مرتفع ليس نتيجة فشلها في إبراز برامجها السياسية، بقدر ما هو فشلها في استيعاب أفرادها.. فقد تجاوزنا التصحيحات، وبدأنا نتكلم عن الانشقاقات، بعيدا عن السمت والتماسك المتعارف عليه لتلك الأحزاب، وذلك يوحي عن فقدان الهوية، والمنطلقات، والبعد الإيديولوجي لها فالصراع قائم على خلفيات المغانم والأرباح بقدر ما يكون عن الخط الفكري أو السياسي ولذلك فالحياة الحزبية في الجزائر فاشلة وغير قائمة أصلا، فالمهدي المنتظر قد يكون من خلال النخب؛ النخب التي تعيش هموم الأفراد وآماله وتطلعاته؛ بنزاهتها وموضوعيتها.. * وإنني لن أتكلم عن بعض النخب التي تجردت من قناعتها وأصبحت تطهر وتختفي حسب الطلب والحاجة... وما أكثرها!! فأزمة النخب في الجزائر قد تكون إفرازا للعديد من الأنظمة القائمة المعبطة بداية بالبيئة التي قد تشجع الرداءة.. على حساب النوعية مما خلق نخبا تابعة ومتزلفة، فالمثقف أصبح لا دور له، والدور الوحيد الموكل له تزيين الجلسات والنشاطات بالعديد من الشطحات غير الفكرية، وأحيانا بترويج أفكار و لو على حساب قناعته ومعتقداته!؟ * فسياسة التلميع والتهويل قد تصيب البعض من النخب دون الأكثرية لاعتبارات ذاتية ووجودية للنظام السياسي القائم!؟ فخلال عشرية -مثلا- شهدت الجزائر العديد من التحولات الهيكلية والسياسية والاجتماعية والقانونية دون أدنى صوت يذكر ملفت أو جدير بالاهتمام لناخبنا... فالصوت الوحيد الذي يعلو هو الصوت النخبوي الرسمي؟!! فلم يكون الصوت باعثاً لخلق مناقشات حقيقية للعديد من الملفات المصيرية... وما أكثرها. وإنني قد لا ألوم بعض النخب المستحقرة بقدر ما ألوم بعض النخب التي كانت مثلا سيئا بتغيير لونها ولسانها في العديد من المناسبات دون أدنى اعتبار للجمهور المخاطب، ومن إفرازها أن العديد من النخب منهمك في دوامة دورة الحياة المعيشية فأصبح يفكر في الخبز والحليب والبطاطا... أكثر من تفكيره في إيجاد الحلول، وابتكار الوسائل الكفيلة لإخراج الأمة من سباتها العميق. * ومما دفعني للتكلم عن الموضوع "يوم العلم" فالاحتفالية أصبحت ذكرى مناسبتية تذكرنا بالرداءة التي أصابت مؤسساتنا التعليمية والعلمية والأكاديمية مقارنتة بالإرث الذي كان موجدا سابقا... فحتى النمط التعاملي للأفراد تغير، فبدلا في الجامعة -مثلا- ما يعرف ذلك الأستاذ بمؤلفاته ونظريته أصبح يعرف بهندامه وسيارته أو لباسه... فالمادية المتوحشة اكتسحت البعد القيمي والاخلاقي للعديد من الأنماط السلوكية، وهذه العملية التراكمية والمعادلة دفعت بالعديد من النخب للجوء إلى البزنسة الفكرية.. فأصبحت الشجاعة الأدبية والنزاهة الفكرية من العملات النادرة، فالتضخم المعرفي سائد يخضع للمساومات بعقلية الكرسي والمغانم والمنصب... * فسياسة تقديم العرجون... بعد اشتياقه لحبة الثمر أثناء حياته أصابت العديد من "القمم" النخبوية.. وبعد فوات الأوان تبدءا بآلة البكاء على التماسيح.. أو لاكتشاف من جديد للعبة.. وما أكثر النخب التي طبقت عليهم هذه النظرية، وأحيانا قد أندهش للتهكمات والهجمات التي توجهها بعض النخب غير المسايرة، فتذكرني بالثورة الثقافية أثناء الحقبة الماوية ولكن بابتكار أساليب أكثر ذكاء... * أمام هذه السلبيات من بيئة مناوبة وتقزيم للعديد من النخب وشح في النزاهة يدفعنا ذلك للتسأل بصفة مشروعة من يتذكر النخب...؟! * الإجابة ببساطة قد نتذكر -فعلا- بعض النخب التي ساهمت في العديد من المسارات محليا ودوليا، أو أننى قد لا أعددها حتى لا أنسى أي واحدة منها سهوا... وفي المقابل توجد نخب شوهت البنيان البياني الكلي بهرولتها الفكرية وبزنزتها السياسية وانغماسها الكلي في منطق "إما اليوم أو لا شيء بعد الغد" ولو على حساب قيمها!؟ أمام هذا الانسداد هل من آفاق واعدة..؟! طبعا الانسداد -ليس كليا- بحكم الضمائر الحية للعديد من النخب، فالاهتمام الجدي بهم ملزم، فالأمم والدول والحضارات تبنى -بالقدر الكبير- عليهم بالاهتمام الفعلي وليس النظري بعيدا عن كل فلكلورية أو استعراضية كما كان حاصلا مع أحد وزرائنا في تعامله مع النخب المتواجدة خارج الوطن بالترغيب أحياناً وإعطاء الوعود التي لا نهاية لها أحيانا أخرى..!؟ ففخ السلطة وبريقها أصاب بعض نخبنا، مما نتج عنه أحيانا فقدان للأمل للعديد من الأفراد التي علقت العديد من الآمال عليهم.. * وأخيرا أعتقد أن العديد من مؤسسات الرأي والفكر على وشك الانهيار أو انهارت فعلا... وجاء الدور للنخب لكي تملي برزانتها وقناعتها وعدم انحرافها، وذلك قد تكون جرعة مقوية ومنشطة للعديد من الكبوات التي أصابت المساحات السياسية والفكرية والثقافية، فالمنعرج التاريخي إن لم يستغل من طرف النخب بحيويتها وحيادها وموضوعيتها قد لا ننتظر بزوغ الفجر عن قريب، فالفجر الكاذب سيظل على العديد من مؤسساتنا النخبوية الحزبية منها والفكرية أو الثقافية والدينية وعليه من يتذكر... النخب؟! يجب عن كل واحد منهم أن يتساءل ويجيب على التسأول بأفعاله والممارسات التي تخدم المجتمع... فإما أن يكون جزءا من التاريخ وصناعته أو عالة على التاريخ بانتهازياتة وشطحاته، فكم أعجبني أحدهم لما سئل عن عدم كتابة مذكراته التاريخية فأجابهم ببسطه أنه لا يكتب تاريخا بحكم أنه يصنع التاريخ... فهل ترتقي نخبنا لمستوى صنع التاريخ؟!