ما وقع من تشكيك غريب في الماضي الثوري للبطلة المجاهدة، والشهيدة الحيّة جميلة بوحيرد، يعتبر شذوذا تاريخيا غير مقبول، بل انه مجهول الأسباب والحيثيات، فالتشكيك في واقعية تعرّض جميلة بوحيرد للتعذيب، شبيه تماما كقولنا مثلا لمصور الجزيرة ورئيس مركزها لحقوق الإنسان حاليا سامي الحاج أنه لم يُعذب في غوانتنامو، أو ادعائنا أن الجزيرة الكوبية الأمريكية لم تكن معتقلا سياسيا في الأصل وإنما منتزه سياحي فاخر؟! * هل يعني فتح النقاش، والابتعاد عن الجوانب والمناحي العاطفية والحماسية الزائدة في تناول موضوع الثورة وأحداثها، أن نُشوّه صورة من صنعوها في عيون الجيل الجديد من الجزائريين المخدوعين أصلا في تحقق الاستقلال؟! أيُّ فائدة علمية ترتجى من وراء تشويه جميلة بوحيرد أو عبان رمضان، أو حتى الأمير عبد القادر؟! صحيح أن هؤلاء بشر، يخطئون ويصيبون، يصدقون ويكذبون، ينتصرون وينكسرون، لكن، ولأننا نراهم مجرد بشر، وليسوا تماثيل من الشمع، حافظنا عليهم في تاريخنا المسكوت عنه، وجعلنا لهم مُتّسعا في ذاكرتنا لا يتزحزح، حتى وان أرادوا هم تشويهه والانسلاخ من أحضانه؟! * الجميع يعرف أن أحاديث الثورة، ونقاشاتها، أو الحكم عليها في كثير من الأحيان، سواء في المحاضرات، أو الندوات، أو حتى في الكتب والمذكرات، لم يخرج في السنوات الأخيرة عن دائرة النقاش السياسي المؤدلج، الذي يتغذى من خلافات دفينة ويرمي بالأساس لتصفية حسابات مؤجلة من زمن الثورة أو ما بعد الاستقلال؟! * كفى استخفافا بعقول الجيل الجديد من أبناء الاستقلال، هؤلاء الباحثون عن وميض واحد يدعوهم للتمسك برائحة التراب، المفتقدون لرموز وطنية حقيقية لم يطلها التزوير ولا الاغتراب، المحتضنون للاستقلال الناقص بعد احتضان الشعب لثورة التحرير المجيدة؟! * أحيانا تتحول كتابة التاريخ إلى حجة لتلويثه، ويصبح مفروضا علينا الاختيار بين تحنيط الثورة وتقديس صُناعها مثلما تفعل السلطات الرسمية بحثا عن شرعية ثورية لا تريد التخلي عنها، أو الانسياق وراء تشويه مقصود يتستر بالدوافع والحجج العلمية التي تفتقد إلى الحيادية والموضوعية، وهنا، لابد من البحث عن طريق ثالث بين الطريقين، يكون متحررا من النفاق الرسمي، خاليا من التضليل العلمي، ومحافظا على شرف الثورة ورموزها؟!