مع أن أنفلونزا الخنازير لم تقتل مثل بقية كل الأمراض في الجزائر، ومع أن الرقم الأربعيني لوفيات هذا الوباء الذي أعلنته السلطات لحد الآن يتم تسجيله عبر طرقاتنا في اليوم الواحد، إلا أن الإهتمام الرسمي والشعبي والإعلامي يبدو فيه الكثير من المبالغة أو على الأقل في ذات الوزن مع بقية المآسي التي يعاني منها المجتمع ومنها على سبيل المثال أنفلونزا الطرقات التي تبتلع الأبرياء والمتهمين يوميا عبر مشاهد مأساوية، لم نر لها مثيلا في العالم.. * ونشعر أحيانا أن التعاطي مع بعض الظواهر الإجتماعية وخاصة الصحية عندنا هو محاكاة أو تقليد لما يحدث في الخارج فلا أحد يفهم لماذا نجعل مثل الغرب يوما للتحسيس ضد مرض نقص المناعة المكتسبة ونشغل بال الناس بأنفلونزا الخنازير ولا نشغلهم بأمراض تقتل الآلاف وليس أربعين شخصا، لأن الإحصاءات المتوفرة لدينا ولدى جميع الناس أن انفلونزا الخنازير قتلت لحد الآن شخصا في كل تسع مئة ألف نسمة، أي حوالي شخص واحد لكل مليون جزائري، بينما تقتل حوادث المرور شخصا واحدا من كل عشرة آلاف جزائري دون أن نبحث عن "التلقيح" الضروري لهذه المأساة التي صارت ظاهرة وعلامة جزائرية للأسف الشديد. * * لا جدال في أن الإهتمام بالأوبئة الجديدة والوقاية منها أحسن من التورط في مآسيها، لكن أن تثير أنفلونزا الخنازير ولقاحها كل هذا الجدل الكبير ويشغلون الناس عن الأوبئة الأخرى فذاك هو الذي يبعدنا عن موضع الجرح، نتمنى أن يقوم المسؤولون بذات الحملة التحسيسية والوقائية التي صرفت عليها الدولة بالعملة الصعبة من أجل وأد أنفلونزا الخنازير في مهدها مع بقية الأوبئة ومنها الإجتماعية مثل الهجرة السرية والإنتحار وتعاطي المخدرات وتجارة الرق، فإذا كان لأنفلونزا الخنازير تطعيم قد يقي اللاجئ إليه من هذا الوباء برغم ما يثار ضده بعد الذي حصل في اليومين الأخيرين فإن التلقيح ضد مآسينا الإجتماعية غير متوفر في الوقت الحالي وقد لا يتوفر إطلاقا.. ويكفي القول إن طرقات الجزائر سجلت في يومين فقط تزامنا مع نهاية السنة الميلادية أربعين قتيلا، وهو ذات الرقم الذي سجله وباء أنفلونزا الخنازير في تاريخ الجزائر ومع ذلك لا نجد تعبئة لإنقاذ الجزائريين من أنفلونزا الطرقات التي ترسل في كل عام حوالي ستين ألفا لعالم الإعاقة!