مريم مهدي تحتضر ببطء أرقام فظيعة تشير إلى طرد أزيد من 1500 عامل جزائري من الشركات الأجنبية دون حقوق وتعويضات بالكاد تكاد تتكلم، بل إنها بالكاد تكاد تتنفس، حول فمها بثور وبقع رمادية اللون، أحاط بعينيها سواد قاتم، عبثا حاولت أن تتشبث بالغطاء من حولها، لأن الحمى كانت تأكل جسدها من الداخل، وهي ترتجف حاولت أن تعدل خمارها.. * قالت لنا بأن قضيتها ليست لها علاقة بلقمة عيش داخل أسوار شركة أجنبية، فهي تملك من الشهادات والخبرة ما يكفي لأن توظف في أي شركة تريد.. فهل لحجابها دخل في القضية؟ * مريم مهدي، مواطنة جزائرية، تنحدر من ولاية تيزي وزو، متزوجة، ودون أطفال توفي زوجها منذ حوالي السنة، عمرها 41 سنة، 20 عاما قضتها بين العلم والعمل في كبريات الشركات الوطنية والأجنبية، كانت في كل مرة تطلب الشركات الأجنبية خبراتها براتب مغري، ليستقر بها الأمر في الشركة البريطانية "بريتيش غاز"، حيث أمضت عقد عمل غير محدود، أي عملا دائما وبراتب محترم، وينص هذا العقد على أن تستلم مهام مديرية قسم الموارد البشرية والعمليات والتوظيف، لتمسك بزمام الوظيفة واستطاعت عبر الشهادات التي اطلعت عليها "الشروق" أن تنال احترام إدارة الشركة التي سلمتها في أكثر من مرة شهادات تقديرية عليا على تفانيها في العمل والصرامة. * بعد فترة ليست بالطويلة، قررت مريم ارتداء الحجاب، هنا توقفت للحظات عندما كنت أطرح عليها الأسئلة، قلت لها (هل كان لحجابك أثر في طردك من العمل؟)، تصمت طويلا فتهز رأسها بالإيجاب، تمر أيام لتقرر الشركة البريطانية دون وجه حق وبعيدا عن القوانين التي تضبط سوق العمل طرد عدد من العمال الجزائريين في السادس من شهر ديسمبر عام 2009، لتكون من بينهم مريم مهدي، فهل يعقل أن تطرد شركة بحجم "بريتيش غاز" إطارا سبق وأن كرمته بشهادات عليا جزاء تفانيه في العمل؟ * * مريم مهدي .. العد التنازلي لشهر من الإضراب * دخلت مريم الأسبوع الأخير لشهر من الإضراب بعد ما أعلنت في العاشر من شهر ديسمبر من عام 2009 إضرابها عن الطعام، قرار كان نتيجة حتمية لما أسمته بقضية "النيف"، فكيف يطرد أزيد من 2000 عامل جزائري ولا تتحرك السلطات الجزائرية تقول مريم أن ما تملكه من الشهادات ومن خبرتها الطويلة في الشركات الأجنبية يكفي لأن توظف في أي شركة. * فهي لا تريد لا حقا ولا تعويضا بقدر ما تريد أن تحرك قضيتها الرأي العام حول وضعية المئات من العمال الجزائريين استنزفتهم الشركات الأجنبية من شركة سوناطراك ومن شركات عمومية أخرى بعقود عمل دائمة لتسرحهم فيما بعد متى شاءت، فقط، لأن سوق العمال والعمالة في الجزائر تظل قوانينها حبرا على ورق. * * 1500 عامل طردوا شهري نوفمبر وديسمبر من ثلاث شركات أجنبية * ياسين. ز، رئيس الفرع النقابي للعمال الجزائريين في شركة "كومباس غروب" في تصريح "للشروق" التقينا به في دار النقابات بالعاصمة، قال أن الشركات الأجنبية العاملة في فرع التنقيب والبترول والغاز في الجنوب الجزائري قامت في الفترة الأخيرة بطرد أزيد من 1500 عامل جزائري من بينهم 700 عامل طردوا تعسفا وبلا تعويض بالرغم من أن عقود عملهم دائمة من الشركة الأجنبية (واسترن جيكو) بالإضافة إلى طرد 500 عامل جزائري من الشركة الأمريكية العاملة في حقل التنقيب (بيشتر)، كما طردت الشركة الأجنبية كومباس غروب 200 عامل جزائري من بينهم عمالا بعقود دائمة، كما طردت الشركة البريطانية (بريتيش غاز) التي تعمل بها مريم مهدي كإطار أزيد من 200 عامل آخر. * في ظل تعقد الوضعية الصحية التي تحيط بمريم مهدي ودخولها إلى غرفة الإنعاش لمرتين، إحداها في مستشفى زميرلي بالحراش والأخرى بمستشفى مصطفى باشا، أعلمت مختلف الفروع النقابية شركة برتيش غاز البريطانية بوضعية مريم مهدي، هذه الأخيرة التي أحالت القضية على العدالة كغيرها من آلاف القضايا التي تعج بهم محكمة حاسي مسعود بورقلة، وتؤكد النقابية غزلان كما يؤكد ياسين زايد رئيس فرع النقابة بالشركة أن بريتيش غاز تلتزم الصمت في قضية مريم وهو الصمت الذي تستمده من عدم وجود قوانين ردعية تكبح تعسف الشركات الأجنبية تجاه العمالة الجزائرية.