رغم خرجة الرئيس المتأخرة دفاعا عن المؤسسة العسكرية بعد صمت طويل والتي جاءت في سياق برقية التعازي التي بعثها لقائد الأركان وليس للشعب ولعائلات الضحايا إثر سقوط الطائرة العسكرية!! ورغم محاولات البعض إعطاء قراءات ايجابية لتلك الخرجة فإن الغموض والترقب والخوف لايزال يكتنف الوضع في الجزائر من مستقبل ينبئ بمخاطر تهدد كيان المجتمع ومقوماته ومستقبل أبنائه الذين لازالوا يأملون في غد أفضل.. برقية التعزية حملت بضعة جمل وكلمات لا تفي المأساة حقها، وحملت تحذيرا في غير سياقه للأطراف التي تحاول المساس بالمؤسسة العسكرية في خلط غريب من حيث الصياغة والمضمون من دون وجود أية علاقة بين تحطم الطائرة ووفاة ركابها، وبين الإساءة إلى المؤسسة العسكرية ومؤسسات الدولة من طرف جهلة ومتخلفين ومغامرين لا يهمهم سوى البقاء في السلطة أو الاستحواذ عليها. الرسالة اعتبرها البعض استغلالا لمأساة الشعب وعائلات ضحايا تحطم الطائرة العسكرية واحتقارا لمشاعرهم التي كان يجب احترامها وعدم ربطها بمستوى النقاش السياسي والاجتماعي والاعلامي الرديء السائد لدى بعض الأوساط التي تسعى للتخلاط من أجل عهدة رابعة لا ندري إن كان صاحبها يريدها ويقدر عليها، أم لا!! ولا ندري إن كان دعاتها يسعون إلى استقرار الوطن، أم إلى استقرارهم في مواقعهم واستقرار الفساد والنهب والظلم.. جزائر اليوم لا تتوقف على عهدة رابعة من عدمها، ولا على تغيير رؤوس برؤوس أخرى، ولم تعد بحاجة إلى تنديد وشجب واستنكار لتصريحات أو تصرفات، ولم تعد تتحمل الصمت والاستهتار والتسيب الحاصل على كل المستويات، بل هي في حاجة ملحة إلى إيقاف النزيف والمهازل والانتقال إلى مرحلة أخرى من التفكير والتدبير والتسيير، والسعي إلى مصالحة حقيقية للشعب مع ذاته ومع مسؤوليه، ومصالحة مع القيم والمبادئ والجهد والعمل، وتجاوز كل الأحقاد والاحتقان والإقصاء وعدم اختزال الوطن في شخص رجل واحد تمرض الدولة لمرضه، وتنتعش مؤقتا لمجرد أن يبعث برسالة سيئة الصياغة وضعيفة المضمون!! جزائر اليوم بحاجة إلى اعتماد وتشجيع نقاش سياسي واجتماعي وخطاب اعلامي من نوع آخر بعيدا عن الشيتة والتطبيل أو التهويل والتخويف، وهي بحاجة إلى مشروع مجتمع آخر يقودنا إلى الجمهورية الثانية التي نحلم بها ونسعى فيها إلى نشر ثقافة الدولة، والتأسيس لدولة المؤسسات التي لا تمرض لمرض الرئيس، ولا تخضع لشخص أو جماعة مهما كانت، بل تخضع للقانون والضمير والمصلحة الوطنية.. جزائر اليوم بحاجة للارتقاء بالممارسة السياسية إلى مستوى آخر بوجوه جديدة ونظيفة غير مستفزة للشعب تتميز بالطهارة والنقاء والأخلاق العالية في التعاطي مع شؤون الوطن بعيدا عن التجريح والإساءة إلى رموز الدولة وخصوصياتهم، وبعيدا عن الإساءة للمؤسسات ولتاريخ الوطن. أما استمرار التطبيل والشيتة والخوف والإقصاء والاحتقار واستمرار صمت الرئيس وغيابه أو تغييبه عن تسيير شؤون شعبه وبلده، وإمكانية ترشحه لعهدة رابعة في ظل ظروفه الصحية فهي أكبر الكبائر التي نرتكبها في حق الوطن، ومع ذلك نقول للذين يتصارعون من أجل السلطة: "اتفقوا فيما بينكم ولو على حسابنا"، ولا تختلفوا ولا تتنازعوا، لأن اختلافكم ونزاعكم يحمل رائحة كريهة ستؤدي إلى الاستدمار وليس إلى الاستقرار كما يدعي أصحاب العهدة الرابعة في مجتمع لايزال هشا وبحاجة إلى توازنات وتوافق، ونقول للذين يستغلون طيبة الشعب وصبره للاستمرار في الإساءة إليه بأن الوفاء يكون للوطن قبل الرجال، والعمل والتعامل يكون مع الرجال وليس من أجل الرجال.