يصر الكثير من الجزائريين، على أن اللعبة السياسية خلال الانتخابات الرئاسية القادمة محسومة النتيجة، بالرغم من الشكل الانتخابي الحالي بوجوه كثيرة، منها من هو متيقن من قلب كل التوقعات، فالجزائر ستخوض خامس انتخاب رئاسي تعددي ولم يحدث أبدا وأن تغلب مترشح ثانوي من خارج المترشح الأساسي للنظام، بل إنه لم يحدث وأن بلغ الانتخاب درجة الدور الثاني، وكان الفوز دائما بفارق كبير جدا، كما حدث في الانتخاب الرئاسي الأخير عندما كانت صاحبة المركز الثاني السيدة لويزة حنون قد حصلت على 4 بالمئة من أصوات الناخبين، بينما بلغت نسبة نجاح الرئيس بوتفليقة أكثر من 90 بالمئة، وهذه النتائج هي التي ساهمت في زرع اليأس من التغيير، وأيضا اعتبار كل من يشارك في السباق مجرد أرنب يساهم في تتويج العريس المعروف، ورأى كثيرون أن الأموال والوقت المبذول في هذه الحملات الانتخابية أقرب إلى التبذير. 1995 خالد نزار أقنع الأرانب بال"كوكتيل" الوضع المعقد الذي عاشته الجزائر منذ استقالة الشاذلي بن جديد، ودخولها في نفق أمني خطير، جعل النظام يبحث عن الشرعية بطريقة مختلفة عن سيناريوهات الأحادية، ومن دون ترك السلطة، فكان الاختيار على السيد اليمين زروال في بداية أكتوبر 1994، وبقي اليمين زروال رئيسا، من دون انتخابات إلى أن اهتدى النظام إلى حل يدخله الشرعية، فاختار للرئيس زروال أرانب على المقاس أحدهما إسلامي وهو الشيخ نحناح وآخر من منطقة القبائل هو السعيد سعدي، وثالث على أساس التيار الديموقراطي وهو السيد نور الدين بوكروح. وبذل الجنرال خالد نزار جهدا من أجل إقناع المرحوم محفوظ نحناح رئيس حركة مجتمع السلم، وأفهمه بأن الأمر غير محسوم، لأجل المشاركة في السباق الذي حُدّد بتاريخ 16 نوفمبر 1995 أي بعد 13 شهرا، ورفض كل الذين شاركوا في لقاء سانتيجيديو قبل ذلك، المشاركة في اللعبة، ومنهم الأفلان الذي مثله حينها الراحل عبد الحميد مهري، رغم أن الحزب العتيد كان مع النظام كما جرت العادة، والشيخ عبد الله جاب الله وخاصة السيد آيت أحمد وكلهم قاطعوا العملية، ولكن بقليل من الانتقاد، ولم يجد النظام صعوبة في استدراج الدكتور سعيد سعدي رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، والسيد نورالدين بوكروح رئيس حزب التجديد، وهذا الأخير، فاز نظير قبوله دور الأرنب، بحقيبة وزارية بعد ذلك، وسجلت تلك الانتخابات نجاحا نسبيا، رغم أن الجميع كان مقتنعا بأن النظام لا يمكنه أن يُسقط مرشحه، حيث بلغت نسبة المشاركة 73 بالمئة، وحسمت في الدور الأول لصالح اليمين زروال بنسبة 61 بالمئة، تاركا المرتبة الثانية لمحفوظ نحناح ب25 بالمئة، الذي طمع في بلوغ الدور الثاني، وسجل سعيد سعدي 9 بالمئة، وحصل بوكروح على نسبة 3.78 بالمئة، وتحدث الراحل محفوظ نحناح عن التزوير، ورفض في النسخة القادمة من الرئاسيات دخول اللعبة مرة أخرى إلى أن توفاه الله عام 2003، بينما عاد السعيد سعدي مرة أخرى وارتضى، نور الدين بوكروح بالحقيبة الوزارية، وصار ومازال قطعة من النظام بالرغم من أنه بدأ مساره السياسي، بالحديث عن تأثره بمالك بن نبي وحديث عن كونه تلميذه، وهو الآن يكتب باللغة الفرنسية، عن معارضة لم ينطق بها عندما كان في الحكم، والجميل الوحيد في انتخابات 1995، أن جميع المترشحين كانوا دون سن الستين، حيث بلغ سن مرشح النظام اليمين زروال 57 سنة. وكان المرحوم محفوظ نحناح قد بلغ سن الثالثة والخمسين، ولم يتجاوز سن الدكتور سعيد سعدي الثامنة والأربعين، وكان أصغرهم السيد نور الدين بوكروح الذي بلغ سن الخامسة والأربعين، أي أن اثنين من المترشحين لأول انتخابات رئاسية متعددة كانوا أقل سنا من أصغر المترشحين في الرئاسيات الحالية السيد عبد العزيز بلعيد البالغ من العمر 51 سنة.
1999 .. ستة كبار رفضوا أن يكونوا أرانب لم يحدث أبدا وأن عاشت الجزائر وهجا سياسيا همّ كل فئات المجتمع، كما حدث عندما ظهر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الساحة كمرشح للنظام بعد عشرين عاما من الاختفاء بعد تعيين الشاذلي بن جديد على رأس الجزائر خلفا للراحل هواري بومدين، وكان غالبية المتتبعين والشعب أيضا ينتظرون عبد العزيز بوتفليقة رئيسا سابعا للجزائر، خاصة أن المنافسين كانوا من العيار الثقيل جدا وجميعهم حقق المطلوب من التوقيعات بسهولة، بسبب القاعدة الشعبية التي يتمتع بها كل واحد منهم، وهم أحمد طالب الإبراهيمي وعبد الله جاب الله وحسين آيت أحمد ومولود حمروش ومقداد سيفي والدكتور يوسف الخطيب، وتميّز السباق في أيامه الأولى بمتابعة شعبية وحركة غير عادية للمترشحين حتى أصيب السيد حسين آيت أحمد بوعكة صحية، ولم تكن القاعات والملاعب تكفي لاحتواء الآلاف من المناصرين لهذا المترشح أو ذاك، ولكن السداسي الكبير، فجر مفاجأة كبرى عندما انسحب، بحجة ميلان الإدارة مع عبد العزيز بوتفليقة وشمّهم لرائحة التزوير حسب تبريراتهم، وتركوا بوتفليقة وحيدا في السباق، وواصلت الحملة الانتخابية ولكن بمتنافس واحد، وأجريت الانتخابات في وقتها المحدد، فبلغت نسبة المشاركة 60.25 بالمئة، وحصل عبد العزيز بوتفليقة على نسبة 73.79 بالمئة، وأبت السلطة إلا أن تكشف أرقام بقية المترشحين، المنسحبين، حيث أن القسيمات بقيت تحمل أسماء المنسحبين فحصل الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي على 12.5 بالمئة، وهي نسبة أحسن من النسب التي حصل عليها الأرانب في الرئاسية التي تلت رئاسيات 1999، بالرغم من أن الدكتور كان منسحبا، أي أن أنصاره اختاروه، وهو مُنسحب من السباق، وتراوحت نسب بقية المرشحين الخمسة، بين 3.7 إلى 1.22 بالمئة، وكان أفضلهم الشيخ عبد الله جاب الله وحسين آيت أحمد وأضعفهم على الإطلاق الدكتور يوسف الخطيب، وكان بالإمكان أن تكون هذه الانتخابات لو اكتملت نموذجا للتعددية الحقيقية، لأنها جمعت كبار الجزائر الحقيقيين والمعارضين الحقيقيين، إذ مثل الإسلاميين الشيخ عبد الله جاب الله وكان في سن الثالثة والأربعين، وهو أصغر مشارك في الانتخابات الرئاسية منذ بدايتها، كما مثل منطقة القبائل المعارض الأول للنظام منذ الاستقلال آيت أحمد الذي بلغ حينها 73 سنة. ولم يكن عمر الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي قد زاد عن 67 سنة، ولم يزد سن السيد مولود حمروش عن 56 عاما، وكان مرشح النظام عبد العزيز بوتفليقة في أوج صحته وقدرته على قيادة البلاد بكل قوة في الثانية والستين من العمر، وأضاعت الجزائر في هذا الموعد، لو لم ينسحب المترشحون الكبار الذين رفضوا أن يكونوا أرانب، واحدة من أهم الفرص لأجل أن تقدم للشعب الجزائري رجالا من المشهود لهم بالحنكة يختارون منهم ما شاؤوا، وفي كل الأحوال فأي فائز منهم جدير بقيادة الجزائر.
2004 .. النظام ينجح مرة أخرى في استدراج "الأرانب" في التاسع من أفريل من عام 2004 عندما ظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية وسيطر عليها بالطول وبالعرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، عقد الأستاذ علي بن فليس الذي تواجد في المركز الثاني، ندوة صحفية بمقر جبهة التحرير الوطني بالعاصمة، ورفض النتائج ودعا الشعب لتحمل مسؤوليته، وندد الشيخ جاب الله الذي تواجد في المركز الثالث النتائج واعترف بأنه لا يمكنه الإتيان بأدلة للتزوير، وعاد الأول في الانتخابات الحالية ورفض الثاني العودة، والغريب أن أول المرحبين بالنتائج والمهللين لها ووصف فوز بوتفليقة بالمفيد للجزائر، هو السيد عبد الرزاق مقري الذي يطالب حاليا بالمقاطعة، وكان حينها نائبا لرئيس حركة مجتمع السلم أبو جرة سلطاني. وشهدت انتخابات 2004 مشاركة خمسة منافسين للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وتميّز السباق نحو قصر المرادية بظهور السيد فوزي رباعين، ومشاركة السيدة لويزة حنون لأول مرة في الرئاسيات، وكانت بذلك أول امرأة في تاريخ الوطن العربي التي تترشح لمنصب رئيس، رغم أنها جاءت في المركز الخامس، وإذا كان الرئيس بوتفليقة قد خشي على تضييع حلمه في ترؤس الجزائر في انتخابات 1999، فإنه دخل انتخابات 2004 ضامنا لفوزه، حيث تردد الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي ثم فضل عدم المشاركة. وقرر السيد مولود حمروش عدم خوض التجربة، وكفر بها آيت أحمد في تصريح ناري، طالب من خلاله مقاطعة ما سماه بالمهزلة السياسية، بينما ارتمت حركة مجتمع السلم في أحضان السلطة منذ وفاة الشيخ محفوظ نحناح، وتقلد الشيخ أبو جرة سلطاني رئاسة هذه الحركة التي تحوّلت بعد ذلك إلى داعم للرئيس لا تختلف عن الأفلان والأرندي، وأحيانا تسبقه في تقديم الولاء الكامل، والغريب أن التجمع الوطني الديمقراطي الذي وُلد كبيرا لم يحدث وأن قدم مرشحا للرئاسيات، وكان همه منافسة الأفلان لأجل التقرب من السلطة فقط وهو حاليا جزء منها، سواء بالسيد أحمد أويحيى أو السيد بن صالح اللذين يشاركان كل بطريقتهما في الحملة الانتخابية لصالح عبد العزيز بوتفليقة.. تحقق أيضا في انتخابات 2004 "الكوكتيل" التي بحثت عنه السلطة، عندما شارك سعيد سعدي عن التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية والشيخ عبد الله جاب الله ومترشح من الوزن الثقيل هو السيد علي بن فليس، الذي كان رئيسا للحكومة ودخل تحت قبعة حزب جبهة التحرير الوطني، قبل أن يُسحب البساط من تحت قدميه، وجاءت النتيجة ساحقة للرئيس بوتفليقة الذي حصل على ثمانية ملايين ونصف مليون صوت بنسبة بلغت 83.49 بالمئة، وراهن السيد علي بن فليس على الدور الثاني لحسم السباق، ولكنه اكتفى بنسبة 7.93 بالمئة، ولم يتمكن الشيخ عبد الله جاب الله من الاستفادة من أصوات أنصار الفيس المُحل أو حركة مجتمع السلم، وصُدم بنسبة 4.84 بالمئة، وهو ما أدى بالشيخ لمقاطعة ما تلا هذا الموعد الانتخابي، واكتفى بالمشاركة في البرلمانيات والمحليات فقط، وتاب عن الانتخاب منذ 2004 أيضا. الدكتور سعيد سعدي، الذي قرّر الاستقالة من الحزب الذي شارك في تأسيسه، بعد أن حصل على نسبة 1.93 بالمئة، وانتهى دور الأرنب بالنسبة للدكتور، الذي قال في التشريعيات الملغاة لعام 1991 للشيخ عباسي المدني، بأنه لن يسمح له ببلوغ السلطة من دون أن يصل هو أيضا للسلطة بعد محاولتين اثنتين إحداهما مع اليمين زروال والثانية مع عبد العزيز بوتفليقة، وجاءت السيدة لويزة حنون في مركز خامس بنسبة 1.16 بالمئة. ومع ذلك قررت المواصلة فشاركت في الانتخابين اللذين جاءا بعد أول مشاركة لها لتكون أول امرأة في العالم العربي التي تشارك قي ثلاثة سباقات رئاسية، ولكنها جميعا في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، واحتل المركز السادس والأخير، السيد علي فوزي رباعين بنسبة 0.64 بالمئة، وهي المشاركة التي فتحت شهية رباعين الذي يعتبر رفقة السيدة لويزة حنون في مقدمة الأرانب المشاركة في سباق الرئاسيات بثلاث مشاركات في عهد عبد العزيز بوتفليقة فقط.
2009 الأرانب حطموا رقما قياسيا بالجري السلحفاتي تعتبر رئاسيات 2009 من أبرد السباقات، التي فقدت قبل الانطلاقة بريقها، وكان النظام يراهن على قوة المشاركة فقط ولم يكن مطروحا فوز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، حيث فضل عبد الله جاب الله وسعيد سعدي عدم المشاركة، والتنظير لمقاطعتها، وانتقد كبار المعارضين تعديل الدستور من أجل تمكين الرئيس بوتفليقة من عهدة ثالثة وهو ما تحقق، وكان الانتخاب شكليا فقط بكل ما تعنيه كلمة الشكلية، تمكنت فيه السلطة من تحقيق أعلى مشاركة منذ انطلاق الرئاسيات المتعددة بنسبة 75 بالمئة، وهو ما نقل الحديث عن التزوير من فوز المترشحين إلى تزوير نسبة المشاركة. أما النتائج فكانت على وزن المشاركين الأربعة، إلى جانب السيد عبد العزيز بوتفليقة، فكانت لويزة حنون أسعد المترشحين لأنها ضمنت المركز الثاني، حتى ولو كان ذلك بفارق كبير جدا، عن الرئيس الذي حصل على رقم لا يختلف عن أرقام الرئيس الواحد في الحزب الواحد بانتزاعه نسبة 90.20 بالمئة، وهي نسبة لم يحققها الشاذلي بن جديد في آخر رئاسيات عام 1989 رغم أنه كان وحيدا في السباق، وفرحت لويزة حنون بنسبة 4.22 بالمئة، ولم تقدم أي انتقاد للسلطة بعد هذه النتيجة، فشكرت من منحوها أصواتهم وهنأت الرئيس الفائز عبد العزيز بوتفليقة، ولم ينتقد مسار الانتخابات وأجواءها التي كانت كلها في سلة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة السيد موسى تواتي الذي جاء في المركز الثالث ب 2.31 بالمئة، ورفع السيد علي فوزي رباعين من نسبته من دون أن يغادر الصفر بنسبة 0.92 بالمئة، وكان الوجه الجديد على الانتخابات هو السيد محمد السعيد رئيس حزب العدالة والتنمية الذي دعمته السلطة كممثل ولو بطريقة غير مباشرة للتيار الإسلامي الذي غاب عن المشهد الانتخابي، وتواجد السيد محمد السعيد في المركز الخامس والأخير بنسبة لم تتعدى 0.92 بالمئة، وهو ما جعله يتوب عن محاولة الترشح مرة أخرى لأهم انتخابات في الجزائر، فغاب عن الرئاسيات الحالية، وكرّر التجربة الثلاثي لويزة حنون وتواتي وفوزي رباعين. ويتواصل السباق في أفريل 2014 والمترشح الرئيس الذي جاوز عتبة 90 بالمئة يطمح في أن لا ينزل عن تلك النسبة الخرافية وهو هدف صعب المنال ليس على أرض الواقع فقط، وإنما تحقيقه سيكون ضربة للنظام أيضا، وتشويها لصورة الجزائر في الخارج نظاما وشعبا، وعلي بن فليس الذي عاد للسباق بعد عشر سنوات عجاف من السياسة، اختفى خلالها وسار على نهج الصامتين، يريد تجاوز صدمة الأربعة بالمئة التي حصل عليها. وكل المؤشرات تؤكد بأن السيد علي بن فليس، سيحافظ على مركزه الثاني كأسوأ تقدير، وستكون نسبته متقدمة وقد يتجاوز أحسن نسبة لمنافس مرشح الرئيس التي حققها محفوظ نحناح عام 1995 بقرابة 25 بالمئة، وتبحث لويزة حنون عن مركز ثاني خلف المترشح الرئيس حتى لا تتدهور مرتبتها إلى ما دون ذلك في ثالث مشاركة لها وقد لا تكون الأخيرة، بينما يأمل موسى تواتي في تجاوز حاجز 2 بالمئة الذي سُجن فيها في الرئاسيات السابقة، وسيكون علي فوزي رباعين سعيد بالاستقلال من قيود الصفر بالمئة، الذي حصل عليه في المناسبتين السابقتين في عامي 2004 و2009، ويبقى المنتصر الوحيد هو عبد العزيز بلعيد الذي دخل المغامرة .. وقد نجده مع أرانب أخرى في رئاسيات 2019.