يبدو أن الدستور الذي سمي "بالتوافقي" سيكون كمسمار جحا لتحريك الطبقة السياسية في الاتجاه المبرمج له، أو هو منشط على شاكلة "الفياغرة" للحياة السياسية، والكل يتحرك على شاكلة أصحاب الكهف تحسبهم أيقاظ وهم رقود. كما أن بعض التسريبات من تحديد العهد الرئاسية هو دليل "آخر" على أن الكل يعترف بارتكابه خطيئة بفتح العهد الرئاسية، والإشكالية أن الذين قادوا الجوقة والسيمفونية يفتحها، اكتشفوا أفضال إغلاقها، و انتقلوا بذلك من النقيض إلى النقيض، من تطرف الانفتاح إلى تطرف الغلق.. و الملفت في الثراء الدستوري، أو الفقه الدستوري الجزائري- مقارنة ببعض الأنظمة، من تعديلات، وتحسينات جديدة للدستور 1988، فهو مؤشر على عدم استقرار المؤسسات وعادة هي ردة فعل للترددات التي تحصل في أعلى الهرم بالسلطة، ويخلق لتوازنات جديدة، بقدر ما يخلق لقواعد دستورية مستقرة تشرعن لنظام سياسي، ومشروع مجتمع أو دولة ... كما أن " الدساتير الجزائرية " والتي حاولت أن تحسن لدستور القطعية، هي تراجعات في المجال الديمقراطي بقدر ما هي مكاسب للديمقراطية الناشئة بعد أوكتوبر 1988. فالضمانات الدستورية تتآكل مع كل "تحسين" على حساب مجال من الهيمنة للمؤسسة التنفيذية، فأصبحت هي المهيمن فعلياً، وباقي المؤسسات شكلية ولا أثر لها على أرض الواقع ...!! فاليوم نتكلم عن الدستور مرة أخرى، ليس بمناسبة حدث وطني، وما أكثرها..!! ولكن بمناسبة حدث إفريقي للتسويق والترويج، وكأننا نعيش فعلاً ديمقراطية "حقة". و تداولاً صريحاً للسلطة بقدر ما الكل يملؤ فقط فراغات لرسومات بينية أعدت سلفاً، أو في انتظار كرسي لتسخينه، فالدساتير الجزائرية، بمختلف أحقابها هي دساتير أزمة، دساتير لم ترسي فعلاً أسس لدولة قانون وسيادة الحق، وإلا كيف يعقل تعليمة تلغي قاعدة دستورية، ونسير أو نسيّر ونبض روح الدستور.. فالدستور الذي يراد به إخراجه، أقل ما يقال عنه أنه غير توافقي وذا توجه واحد ووحيد، وغير قابل للحياة، بل لا يمتلك المناعة لصمود ولو عشرية لهشاشة الضمانات المرتقبة في مجال الحقوق والحريات، ولافتقاره لمقومات الدستور أمة ...!!! و أخيراً، فالدساتير التوافقية لا تبنى بالحوارات الطرشاء أو الصماء، أو بفرض إرادة على حساب إرادة، أو بالتخوين، والتخويف، أو الإقصاء أو التهميش، لكل من لم يبرمج نفسه حسب النغمة السائدة، فعصر الديموغوجية والاسطوانات المشروخة ولغة الخشب اندثر، ولا مكان له، إلا أن البعض أصبح يعيش العصور الوسطى بدلاً من العصور الحالية.. وتلك طامّة أخرى ..!!
وما نريد إلا الإصلاح مااستطعنا، وما توفيقي إلا بالله ..!!