الجزائر تشارك في الطبعة ال36 من فعالية "سفينة شباب العالم" باليابان    تفعيل 3 مشاريع جزائرية مبتكرة في الصحة الالكترونية    قرار وزاري لتحديد شروط وكيفيات معالجة طلبات شراء سكنات البيع بالإيجار    بن جامع: "تحديات أطفال غزة صارت كبيرة"    وهران: مسرحية "الصمود" تستحضر محطات خالدة من الثورة التحريرية المظفرة    الجزائر تشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب بأزيد من 400 عنوان    جثمان المجاهد بلقاسم بزة يوارى الثرى بمقبرة خنشلة    الصين تثمن الدور الهام للجزائر في تعزيز السلام بالمنطقة والعالم    الجزائر العاصمة: انهيار بناية قديمة ببلدية القصبة دون تسجيل أي خسائر    خنشلة.. معركة " أغروط أغقالت "… محطة فارقة في الولاية التاريخية الأولى    معرض جماعي لأعمال جزائرية تشكيلية حول طبيعة وثقافة الصين    كرة القدم: "الفاف" تعلن انطلاق محاضرات المتربصين لنيل شهادة "كاف أ"    صدور القانون الأساسي الخاص بالموظفين المنتمين للأسلاك الخاصة بالتربية الوطنية    "الأونروا": 660 ألف طفل فلسطيني في غزة بلا تعليم و88% من مدارس القطاع مدمرة    أبو الغيط يشيد بمبادرة الجزائر لعقد جلسة "هامة" من أجل تدعيم العلاقة بين الجامعة العربية ومجلس الأمن    كرة القدم المدرسية: تأهل المنتخب الجزائري للذكور إلى البطولة الإفريقية    هلاك شخص وإصابة آخرين في حادث مرور بولاية الوادي    سعيود يشيد بالدور الفعال للمؤسسات الناشئة في الرقي بقطاع النقل    بلمهدي: الجزائر حريصة على ضمان تكفل أفضل بالحجاج خلال موسم الحج    بوغالي يترأس اجتماعا تحضيريا للملتقى البرلماني حول التفجيرات النووية الفرنسية في الجزائر ابان الاستعمار    الهلال الأحمر الفلسطيني: استبدالنا بوكالة الأونروا شائعات صهيونية    البطولة الوطنية لفوفينام فيات فوداو:انطلاق المنافسات بمشاركة 517 رياضيا يمثلون 87 ناديا    فلسطين:أطفال غزة يقتلون ويجوعون ويتجمدون حتى الموت    الصحافة الدولية تتناول بشكل واسع تحرير الجزائر لرعية اسباني    الابتكار في الصحة الالكترونية: الجزائر تحتضن الطبعة الإفريقية الأولى من "سلاش'س دي"    المغرب: فشل الحكومة في الحفاظ على صحة المواطنين يحول داء الحصبة إلى وباء    طاقة ومناجم: السيد عرقاب يبحث مع سفير جنوب إفريقيا سبل تعزيز التعاون الثنائي    السيد بللو يشرف على افتتاح يوم دراسي جزائري-إيطالي حول تثمين التراث الثقافي    هكذا يقضي سكان غزّة أيام الهدنة..    ممثلا الجزائر يستهدفان كأس الكاف    الرعية الإسباني المحرّر يشكر تبّون والجزائر    سياحة: 90 مشروعا سياحيا سيدخل قيد الاستغلال هذه السنة    صدى عالمي لجائزة الجزائر للقرآن الكريم    شطر من منفذ الطريق السيار جن جن العلمة يوضع حيز الخدمة    مُتسوّلون برتبة أثرياء!    منظومة الضمان الاجتماعي في الجزائر قائمة على مبدأ التضامن بين الأجيال    وزير الداخلية"إبراهيم مراد" مخطط شامل للنهوض بولاية بشار وتحقيق التنمية المتوازنة    متحف "أحمد زبانة" لوهران: جولة افتراضية في الفن التشكيلي الجزائري    مجلس الأمة: المصادقة على نص القانون المتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها وإزالتها    بللو: نحو تعاون أوسع في مجال الفنون بين الجزائر وإيطاليا    رسالة من الرئيس تبون: وزير الاتصال يلتقي رئيس ناميبيا لتعزيز التعاون    وهران : ترحيل 27 عائلة إلى سكنات جديدة ببئر الجير    اللحوم الحمراء الطازجة في رمضان ستبلغ أقصى مبلغ 1900 دج    الكوكي مدرباً للوفاق    الصحافة الفرنسية تسج قصة جديدة ضمن سلسة تحاملها ضد الجزائر    الثورة الجزائرية الوحيدة التي نقلت المعركة إلى عقر دار العدو    متابعة أشغال مشروع قصر المعارض الجديد    ديون الجزائر لدى المستشفيات الفرنسية.. حملة اعلامية جديدة تسوق البهتان    تطبيقة إلكترونية للتبليغ عن مواقع انتشار النفايات    حاج موسى: أحلم باللعب في الدوري الإنجليزي الممتاز    لباح أو بصول لخلافة بن سنوسي    استفزازات متبادلة وفينيسيوس يدخل على الخط    القلوب تشتاق إلى مكة.. فكيف يكون الوصول إليها؟    تاريخ العلوم مسارٌ من التفكير وطرح الأسئلة    وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صحراؤنا ليست فرنسية
نشر في الشروق اليومي يوم 14 - 02 - 2015

عندما تعترف الشركة الفرنسية "توتال" بأنها لا تقوم بالاستكشاف فقط (وهو أخطر من الإنتاج من حيث الأخطار البيئية والتكلفة المالية والتكنولوجيا المعقّدة والمعدّات المستوردة والمحتكرة أمريكياً) وتؤكد على التطوير والإنتاج لغازات غير تقليدية في"تيميمون" بأدرار بحفر 37 بئرا بطاقة 0 .5 مليون متر مكعب يوميا، وكانت بداية الإنتاج سنة 2014م، وأنّ فرنسا احتلت (عبر شركتها طبعا) الجزائر في"أحنات" بعين صالح لوحدها على مساحة قدرها 17358 كم2، وهي أكثر من مساحة دولتي البحرين وقطر مجتمعتين.
عندما نعلم بأن العملية بدأت منذ 2012م، والعقود أُبرمت مع زيارة "هولاند" للجزائر حينها، قبل مصادقة البرلمان على تعديل قانون المحروقات في جانفي 2013م، هذا يعني أن العملية برمّتها قرصنة وغير قانونية، وهو عبثٌ بمؤسسات الدولة وسيادة قوانين الجمهورية... وعندما نتذكر التجارب النووية الفرنسية في صحراء الجزائر يوم 13 فيفري 1960م (ونحن على أبواب الذكرى ال55 لها) وضحاياها ال24 ألف، وآثارها المدمّرة التي لا تزال تؤرقنا إلى الآن، وهي الجرائم التي تتجاوز حجم الجرائم ضد الإنسانية والتي لا تزال فرنسا لا تعترف بها، ثم يرفض البرلمان الفرنسي سنة 2011م السماح بالاستكشاف والتنقيب والاستغلال للغاز الصخري على كامل التراب الفرنسي، ويقول "هولاند" نفسه "لا يمكن لأيّ أحدٍ أن يقنعني بأن الغاز الصخري لا يشكّل خطرا على الصحة والبيئة"، ثم تأتي الشركات الفرنسية - ويأخذها الحنين التاريخي دائما إلى صحرائنا- لتجعلنا فئرانا للتجارب مرّة أخرى بمباركة "القوة الإقليمية"..عندها ندرك حجم التبعية لفرنسا، وتتعمّق فينا حركة الحزن في عمق الضمير الجزائري الأصيل، الذي دفع ضريبة سنتين من الحقد الفرنسي الأسود من سنة 1960 إلى 1962 لنيل الاستقلال من أجل وحدة التراب الوطني والحفاظ على الصحراء جزائرية، وتأتي هذه السلطة لتسلّمها مرة أخرى لفرنسا رغم أنفنا. وعندما نعلم بأن حوالي 6700 شركة فرنسية مصدّرة ل"خرداتها" للجزائر، تجعلنا سوقا مربحة لها على حساب الإنتاج الوطني وتنويع الصادرات خارج المحروقات، فالجزائر تابعة لفرنسا بنسبة 95 % تجارياً، وتصرّ على تبعيتنا للمحروقات بنسبة 98 % التي تعبث بها الشركات الفرنسية، وهذا يعني أننا نخدم الاقتصاد الفرنسي وليس الجزائري؟.
أليست إهانةً مدوّية عندما لا يجد الرئيس مكانا للعلاج إلا في فرنسا، وفي مستشفى عسكريّ (فال دوغراس) ..ثم يهيننا الفرنسيون عندما يتحدثون عن ديونهم علينا في علاج المسؤولين السامين للدولة عندهم، ويطالبون بكشف قيمة علاج بوتفليقة ويتساءلون: مَن يدفعها؟ هل فشلت السلطة بكلّ إمكاناتها أن تبني مستشفى يحفظ أسرار الملف الصحي للرئيس من المخابرات الفرنسية؟ والنشرة الصحيّة اليومية من الإليزي؟. وعندما تسمع زعيم حزب يدّعي أنه سليل "جبهة التحرير الوطني" يقول إن هذه الاحتجاجات تحرّكها "أيادي فرنسية"، ويعلم هو والجميع أن هذه السلطة هي مَن رخّص لهذه الشركات الفرنسية بالعبث بأموالنا وبصحرائنا وعلى حساب صحّتنا وبيئتنا تدرك حجم المأساة السياسية التي نمرّ بها في ظلّ هذا الحكم الفاشل والفاسد. أليست سلطتنا هي مَن رخّص للطائرات الفرنسية لانتهاك السيادة الوطنية في مجالنا الجوي واحتلال مالي وارتكاب المجازر في حقّ إخوانٍ لنا في الدّين؟ ثم ندفع ضريبة تشريدهم كلاجئين؟ وعندما يطلّ علينا السيد الرئيس ببدعةٍ سياسية جديدة يتجاوز بها مجلس الوزراء ولا يعقد مجلس الحكومة، ويعقد المجالس الوزارية المصغّرة في غياب وزير الداخلية ليعلن عن التقسيم الإداري الجديد لحلّ مشكلة التنمية في الجنوب (وهي ليست المشكلة المطروحة آنياً)، والمحتجّون يطالبون منذ حوالي شهرٍ كامل بمطلبٍ واحدٍ وواضح وهو الإيقاف الكامل لمشروع الغاز الصخري؛ استكشافا وتنقيبا واستغلالا، وهي قضيةٌ وطنيةٌ وليست متعلقةٌ بالجنوب فقط، يشير الرئيس "إلى سوء الفهم والمخاوف التي أثارتها التجارب الأولية في مجال الغاز الصخري." ثم يطلب: "مواصلة الشروحات لفائدة السكان المحليين والرأي العام لاسيما للتوضيح بأن عمليات الحفر التجريبية التي تمت بعين صالح ستنتهي في القريب العاجل وأن استغلال الغاز الصخري ليس واردا في الوقت الراهن." ثمّ يؤكد: "أنه في حال تبيّن بأن استغلال هذه الموارد الوطنية الجديدة من المحروقات يشكل ضرورة ملحة لتحقيق الأمن الطاقوي للبلد على المدى المتوسط والطويل، فإنه يتعين على الحكومة السهر بصرامة على ضمان احترام المتعاملين المعنيين للتشريع من أجل حماية صحة المواطنين والحفاظ على البيئة." ويكلّف الحكومة ب"تنظيم نقاشات شفافة بمشاركة كفاءات معترف بها لتمكين الجميع من فهم المعطيات المتعلقة بالمحروقات غير التقليدية التي تمثل واقعا وثروة جديدة بالنسبة لبلدنا."...
والمحتجون يردّدون:"لا تنمية.. لا ولاية، توقيف الغاز الصخري هو الأمنية." و"صامدون.. صامدون للغاز الصخري رافضون"، وهي صفعةٌ للسلطة. هذا يعني أنه اعترافٌ صريحٌ بالفشل في التنمية، فأين هي أموال "صندوق تنمية الجنوب"؟ وهل يُعقل أنّه بعد إنفاق 800 مليار دولار لا يزال المواطنون يطالبون بمناصب الشغل وبالطرقات وبالعقار وبالسكنات وبالماء وبالعلاج؟ وهي حقوق طبيعية وليست مطالب شعبية، فهذا يعني أن المشكلة في غياب العدالة في توزيع وتقسيم الثروة وليست في مجرد تقسيم إداري. ماذا يعني الإصرار الغريب والعجيب على التبعية المزمنة للمحروقات بخلاف ما تدّعي الحكومة، واللامسؤولية السياسية في زمن انهيار أسعار البترول، والذهاب رغم أنف الجميع إلى استثمار ما يقارب 70 مليار دولار في الغاز الصخري وليس في الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النّووية السلمية، وليس في الاقتصاديات البديلة مثل السياحة والفلاحة والصناعة والخدمات؟ مداخيل تركيا مثلا من السياحة سنة 2014م حوالي 35 مليار دولار، بينما نحن نجهل حتى إحصاء مداخيلنا منها، إن كانت لنا مداخيل، ولا نتجاوز 1 % من السوق السياحية بإفريقيا، مقابل 19 % بتونس و15 % بالمغرب؟ فماذا ينقص مليون سائح جزائري حتى يحجّون سنويا إلى تونس؟ السلطة تتنكّر للقراءة الصحيحة لما يقع، ولا تعترف بحجم الهوّة بينها وبين الشعب، والذي فقد ثقته في وُعودها وقراراتها، وإلا أين هي تعليمة سلال في مارس 2013م والتي تعطي الأولوية في التشغيل لشباب الجنوب ولكنها بقيت حبرا على ورق؟
إن التقسيم الإداري لا معنى له، لأنه مجرد ولايات منتدبة، وهي هياكل إدارية مثل باقي الدوائر، وهي كمثيلاتها في العاصمة، تثقل كاهل الخزينة العمومية في ميزانية التسيير، وهو تفكيرٌ ساذجٌ في التنمية وفي تقريب الإدارة من المواطن في زمن السرعة والتكنولوجيا والمجتمع الإلكتروني والقرية الواحدة، فالعبرة بالأقطاب الاقتصادية وباللامركزية وبالمشاريع الحقيقية وبالعدالة في توزيع الثروة وبالتوازن الجهوي للتنمية.. وعندما تتحدث الحكومة عن ولاياتٍ منتدبةٍ بصلاحياتٍ موسّعة، فلماذا لا تكون ولاياتٍ حقيقية وكاملة؟ وماذا استفادت الولايات القائمة في ظلّ هذه السّلطة الفاشلة، أليس هو نفس المصير بنفس البرامج المشروخة وبنفس الديناصورات التي تأبى الانقراض؟. إن التقسيم الفعّال هو الذي يراعي البُعد الاقتصادي التنموي الحقيقي وليس البُعد الإداري البيروقراطي..
وهو مجردُ ربحٍ للوقت، والتفاف مفضوح على المطالب الحقيقية للمحتجّين، وتجاوزٌ للإرادة الشعبية، ودليل على فقدان السيادة الوطنية على قراراتنا السياسية والاقتصادية، وهو جزءٌ من ثمن العهدة الرابعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.