تحولت حاويات القمامة على مستوى الأسواق الشعبية إلى مصدر رزق الكثير من العائلات المعدومة، أين تزخر النفايات ببقايا الخضر واللحوم والسلع منتهية الصلاحية التي تعتمد عليها موائد الفقراء في رمضان. الشروق وقفت على الظاهرة في كل من أسواق علي ملاح و"كلوزال" في قلب العاصمة، أين تقتات عشرات العائلات من بقايا القمامة، وتمكنت الكثير من النساء من ربط علاقة وطيدة مع التجار لتمويلهن بقايا السلع المعروضة في السوق. كانت الساعة تشير إلى تمام الثانية عشر زوالا حين دخلنا سوق "كلوزال" بالجزائر الوسطى، الكل منهمك بالبيع والشراء، حيث غص السوق بالزبائن الذين وقفوا بكثافة أمام مختلف الطاولات، التي كانت تعرض سلعا يحاول صاحبها استمالة الزبائن إليها من خلال المناداة على سلعته، والتأكيد على جودتها، وكان الجميع منشغل بملء القفة بكل ما لذ وطاب...
شجار بين النساء للظفر ببقايا الطعام في الحاويات وفي الجهة المقابلة تعالت أصوات سيدتين، اقتربنا قليلا لنستفسر عن الأمر، فإذا هما امرأتان في العقد الخامس من العمر كانتا محجبتين ولا يظهر منهما إلا أعينهما تنقبان داخل حاويات القمامة التي وضعت عند مدخل السوق المغطى، وسمعنا إحداهن تقول للأخرى، إنها هي من وصلت الأولى ويجب عليها احترام دورها حتى تنتهي هي من التنقيب، لتجيبها الأخرى أن 'أرض ربي واسعة" ويمكنها أن تبحث في بقية القمامات والحاويات التي تملأ العاصمة، وظلتا على هذه الحال حتى قررت الأولى ترك المكان وهي توجه لها وابلا من الشتائم.
مواد منتهية الصلاحية، خضر وفواكه تالفة وحتى أوراق البقدونس علب ياغورت "منتهية الصلاحية، بقايا طعام، خضر وفواكه تالفة، وحتى بقايا قارورات العصير، هي أهم ما وجدته السيدة التي كنا نتابع حركاتها، وتضعه داخل قفة أحضرتها معها، اقتربنا منها محاولين تبادل أطراف الحديث معها، إلا أنها تجنبتنا وجلست بالقرب من الحاوية، تقوم بتنظيف ما وجدته داخلها قبل أن تعود به إلى البيت. لم نبرح مكاننا مدة ثلاث ساعات وخلالها غادرت السيدة المكان لتأتي بعدها سيدتان، عقدت الدهشة لساننا ونحن نشاهدهما يقومان بملء قفتيهما بالبقدونس والسبانخ الذابلة التي رماها التجار بما أنها لا تصلح للبيع، كانت إحداهما تنقب في الحاوية الأولى، بينما جلست الأخرى تنظف أوراق البقدونس والسلاطة التالفة لتحتفظ بالجزء الجيد في قفتها.
تاجر: حاويات القمامة تستقطب النساء في الصباح والرجال في المساء حاولنا مرة أخرى الحديث إلى إحداهن فأجابتنا بإجابة واحدة "ما عنديش الوالي وما كانش الدراهم"، وقال لنا "كريم" أحد الشباب الذي نصب طاولته لبيع الخضر إن هؤلاء النسوة اعتدن المجيء إلى هنا والبحث بين القمامة عن أي شيء يؤكل ليملأن قففهن ويعدن إلى بيوتهن لتحضير وجبة الإفطار لأطفالهن، حيث تتعاقب يوميا عشرات النساء على هذه الحاويات، أما الرجال فقال إنهم يختارون الفترة المسائية للبحث في القمامات بعيدا عن أنظار الناس، كما أن الحاويات تمتلئ عن آخرها في الفترة المسائية، بعد أن ينتهي التجار من عرض سلعهم ويقومون برمي كل ما تبقى في الصناديق.