إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.. بهذه الآية الكريمة استقبلنا الصادق الشريف شريبط، الذي يُجمع الكل على أنه اسم على مسمى، صادق وشريف، إضافة إلى أنه من مواليد يوم الثورة في عين السدمة بدوار افنسو ببلدية الزيتونة غرب ولاية سكيكدة سنة 1954. في بداية طفولته ونشأته كان مبصرا يرى الكون بعينيه، ويلعب ويمرح مع الصغار، ولم تعتره أي مشاكل، وفي مرحلة طفولته بدأت رحلة الصعوبة والحياة المأساوية بفقدانه البصر إثر مرض الحصبة، الذي ألهب ملتحمة العين، ونظرا إلى فقر عائلته لم يعرضه والده على الأطباء وكانوا يعدون على الأصابع إبان الاستعمار الفرنسي، وكانت الفاجعة الكبرى بفقدانه بصره كليا وهو طفل صغير، لكنه بقي يميز الأشخاص بسهولة من خلال أصواتهم، لأن الله سبحانه وتعالى منحه حاسة سادسة قوية جدا، ورغم ذلك واصل كفاحه في الحياة رغم صغر سنه، ثم قرر الاستقرار بمدينة القل للبحث عن علاج، ولكنه لم يجد ذلك لا في المستشفيات ولا في الطب الشعبي. وبدأت رحلة كفاحه بعد فقدانه البصر، حيث بدأ يفكر في مستقبله وكيف يواجه الحياة الجديدة، وبدأ في أول الأمر بالبحث عن العلاج، لكنه فشل في ذلك، من هنا بدأ اليأس يتسلل إلى حياته اليومية، ولكن بإرادته القوية وإيمانه بالقضاء والقدر، استطاع أن يسلك طريقه في الحياة، وبرهن للجميع أنه لا يأس مع الإرادة، فقد عمل في البداية بعد صدور قانون وطني في سنة 1982 يتمثل في الأولوية في الشغل لفئة المكفوفين، للالتحاق بمنصب مهنة موزع الهاتف فاتصل برئيس دائرة القل، فقبل طلبه فعين مباشرة بمستشفى القل سنة 1983 تم وجه إلى العيادة متعددة الخدمات، وكان يقوم بعمله على أحسن ما يرام والإعاقة كما قال ل "الشروق اليومي": "لم تمنعني من أداء عملي لأنني أملك إرادة قوية". ويضيف: "واجهتني مصاعب في البداية حيث لم يقتنع المجتمع بقدرات الكفيف في القيام بعمله على أحسن وجه، ولكن مع مرور الأيام تغيرت معاملة أصحاب مختلف المصالح الطبية معه حتى إنهم أصبحوا يعتبرونه إنسانا بصيرا وليس مكفوفا.. وأصبح يعمل مع أقرانه المبصرين جنبا إلى جنب، وقال: "تربطني بهم صداقة إلا شخص واحد، كان قاسيا جدا علي وكان يراقب تحركاتي ويمنعني من الخروج والدخول، أثناء ساعات العمل فلم يرحم إعاقتي، لكنه لم يعاقبني خوفا من مدير المستشفى، وأنا أسامحه وهو الذي اقترح على المسؤولين منحي منصبا غريبا وهو حارس ليلي". وكان عمي الصادق الذي يعرفه اليوم الكبير والصغير في مدينة القل يتحكم في أرقام مختلف المصالح بسهولة، حيث كان يحفظ الأرقام عن ظهر قلب ولم يسبق له أن أخطأ يوما. وقضى 10 سنوات في هذا المنصب، ثم حوله المدير إلى المطعم بالمستشفى كمنظف وحارس ليلي، بسبب سوء تفاهم بينهما. واعتبر ذلك عقوبة فرضخ للأمر الواقع وقبل بهذا المنصب الجديد، تم أعاده ثانية إلى العيادة متعددة الخدمات في منصب قارّ ووحيد حيّر الجميع وأصبح على لسان كل الناس في مدينة القل يتمثل في تعيينه حارسا ليليا، وحتى شهادة العمل كان يدوّن عليها "حارس ليلي"، حيث يقول عمي الصادق، كنت أنام فقط لا يهمني شيء، بل أحرس نفسي، أيعقل أن يعيّن مكفوف في هذا المنصب، وذات مرة يقول: سُرقت مكتبة وأخبروني بذلك، وهددتهم بفضحهم أمام وكيل الجمهورية بالمحكمة، بأنهم عينوني في هذا المنصب لقضاء مصالحهم، ومع مرور الوقت صرت أقوم بعملي كحارس ليلي، على أكمل وجه معتمدا على حواس أخرى غير البصر، فصار اللصوص يخافوني، تم حولني المدير إلى مخبر التحاليل الطبية كعون مخبر تقتصر مهمتي على تنظيم ودخول المرضى وقضى 28 سنة وستة أشهر في العمل غالبيتها كحارس ليلي.