يحتفي اليوم الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة بيومهم الوطني بتحطيم حاجز الإعاقة و الصمت و زرع رسائل أمل و تحد، مقدمين تجارب نجاح و تألق يعيشونها و يتمنون أن تكون قدوة لغيرهم من المعاقين، و كذا الأصحاء الذين يلتمسون منهم التخلي عن نظرة الشفقة و تقييم أعمالهم و انجازاتهم بدل نسبة إعاقاتهم و عجزهم. و قد اعتبر بعضهم التكنولوجيا حليفا لهم للخروج من العزلة و الانطواء و أكد البعض الآخر بأنهم قادرون على انجاز مشاريع لتوجيه الأصحاء و تقويم سلوكاتهم و ردود أفعالهم، إذا رغبوا حقا في مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة. النصر التقت بعينة منهم و نقلت إليكم تجاربهم في هذا المجال. مُعاقة بصريا مختصة في تدريس المكفوفين تؤكد: التكنولوجيا سهلت التواصل مع الآخرين و أنقذت المكفوفين من العزلة ترى بأن التكنولوجيا الحديثة سهلت على المكفوفين التواصل و الاتصال بينهم و بين كافة شرائح المجتمع، من أجل تبادل الآراء و المعلومات و أنقذتهم من العزلة و الانطواء، كما تؤمن بأن المعاق بصريا يمكنه أن يعيش مثل الإنسان المبصر، يتعلم و يعمل و يندمج في المجتمع و يتفاعل بشكل إيجابي مع محيطه، هذا ما تلقنه الأستاذة المختصة في الإعاقة البصرية بمدرسة صغار المكفوفين حسان كحول بمدينة قسنطينة لتلاميذها، قبل أي شيء آخر، فناظرة زمان متحصلة على شهادة ليسانس في علم النفس التربوي، و شهادة في التعليم المتخصص في الإعاقة البصرية،و قد أرادت أن تنقل تجربتها إلى القراء من خلال النصر. الأستاذة ناظرة زمان، فقدت بصرها و لم يتجاوز عمرها سنتين، إلا أن ذلك لم يقف عائقا أمام تعليمها و مواصلة مشوارها الدراسي في كل مراحله، حيث رفعت التحدي و وضعت الإعاقة جانبا، موضحة في هذا السياق، بأن المعاق بصريا يمكن أن يعيش كأي إنسان عادي يندمج في المجتمع و يتفاعل مع المحيط الخارجي، لكن إذا فضل الانطواء و الابتعاد عن المحيطين به، فإن إعاقته ستتغلب عليه، و لا يمكنه بالتالي العيش كبقية الأشخاص، مضيفة بأن الإيمان بقضاء الله و قدره ضروري و في ذات الوقت يجب عدم الاستسلام للإعاقة، خاصة و أن الإمكانيات والوسائل متاحة للعيش كبقية الأشخاص المبصرين، و تؤكد ناظرة أن المحيط العائلي هو العامل الأساسي الذي يساعد على إدماج المعاق، من خلال تشجيعه و دعمه. ناظرة زمان، التي استقبلتنا بمدرسة المكفوفين بحفاوة حاملة أزهار النرجس، قالت بأنها لم تواجه صعوبات كثيرة بحكم أنها لاقت الدعم والمساندة من أسرتها ، سواء عندما كانت تدرس أو حاليا و هي تزاول مهنتها، التي لم تشعرها بأنها مصابة بإعاقة بصرية، موضحة بأنها تملك إرادة وعزيمة منذ الصغر، فتجاوزت كل العقبات التي صادفتها، معتبرة بأن أي شخص معاق يحتاج المرافقة من قبل أسرته، خاصة في بداية مشواره التعليمي أو المهني إلى غاية تعوده، بعد ذلك و بحكم التجربة و الممارسة اليومية يصبح بإمكانه التنقل بمفرده، مثلها، حيث تقطن بحي سيدي مبروك و تتنقل بمفردها إلى مكان عملها بوسط المدينة. أضافت الأستاذة ناظرة ، بأن المهام التي تقوم بها لا تقف عند تلقين صغار المكفوفين فقط ،و إنما تتعدى ذلك، حيث تقوم بالأشغال المنزلية بصفة عادية من تنظيف و طهي، مشيرة إلى أنها تحبذ تجريب وصفات الطبخ الجديدة، كما أنها تناقش كثيرا مع زميلاتها بالعمل مواضيع الطبخ و يتبادلن الوصفات الجديدة التي يحصلن عليها من الفضائيات المتخصصة في هذا المجال و كذا شبكة الانترنيت. و ترى محدثتنا بأن التكنولوجيات الحديثة و البرامج الناطقة ك"التولك" و "الجاوز"، إضافة لاستعمال الأنترنت، سهلت عليها و على كافة المصابين بالإعاقة البصرية ولوج الشبكة العنكبوتية و التواصل مع الآخرين و كذا تبادل المعلومات في ما بينهم و متابعة أبرز المستجدات التي تطرأ على كافة الأصعدة، فالمعاق بصريا، برأي محدثتنا مثله مثل أي إنسان عادي، إذا ما اندمج في العالم الخارجي و وضع إعاقته جانبا، ولا يحب ألا ينظر إليه نظرة الشفقة، لأن ذلك يحبطه و يقتل عزيمته و يضعف معنوياته. أسماء بوقرن معاق حركيا يمتهن حرفة البناء و تجهيز أسقف البنايات لم تمنعه إعاقته الحركية من تحمل مسؤولية إعالة أسرته و دخول معترك الحياة و ممارسة مهنة شاقة حتى على الأصحاء ، فقد اختار مختار شكرود، القاطن ببلدية بني زيد التي تبعد ب18 كلم عن القل، غرب ولاية سكيكدة، حرفة البناء، متحديا إصابته بشلل في ساقه. يبلغ مختار 49 عاما من عمره، و يعيل زوجته وابنه الوحيد الذي يدرس في السنة الخامسة ابتدائي ومقبل على اجتياز شهادة التعيلم المتوسط، رغم إعاقته، فإنه تحدى الظروف وتغلب على الصعاب وفرض نفسه في المجتمع، معتمدا على نفسه في كل شيء، ولا ينتظر صدقة أو مساعدة من الآخرين. يزاول مختار عمله بكل نشاط وحيوية و يتفوق حتى على زملاء له من الأصحاء في إتقانه وهو ما جعله مطلب الجميع، الابتسامة لم تفارق محياه طيلة تواجدنا معه في مقر عمله، و استرجع أهم محطات حياته، قائلا بأنه ولد في 12 مارس 1967 و تزوج سنة 2004 من فتاة تقطن بقرية الطهرة ببلدية بني زيد، فقد قبلت به شريكا لحياتها رغم إعاقته، مشيرا إلى أن نسبة إعاقته الحركية 100 بالمائة. و أضاف محدثنا بأنه و بعد سنة واحدة من ولادته، كان ضحية خطأ في طريقة غرز حقنة التطعيم، ما سبب له إصابة بالشلل التام على مستوى الساق، و عانى بعد ذلك من ظروف اجتماعية صعبة،ناهيك عن بعد مقر سكناه عن المدرسة، فلم يتمكن من التمدرس، رغم ذلك فقد حفظ بعض السور من القرآن الكريم. تعلم مختار حرفة البناء على يد عمه بعد وفاة والده، و اشتغل بناءا لأكثر من 25 سنة، مشيرا إلى أنه تخصص في وضع القرميد فوق سطوح المنازل، لأن هذه الحرفة يعزف عنها العديد من العاملين في البناء. و قد عمل في العديد من المناطق في بني زيد و القل. و اعترف مختار بأنه بدأ يفكر في البحث عن مهنة أخرى غير متعبة، لأن عمله الحالي جد شاق و خطير، فقد تعرض لحوادث سقوط عديدة، أجبرته على البقاء طريح الفراش في المنزل لعدة أيام. و لحماية نفسه من حوادث أخرى اضطر إلى ربط جسمه بالحبال، لتفادي السقوط، كما يحتاج في عمله إلى شخص آخر يزوده بأدوات البناء وغيرها من متطلبات العمل. لم يسبق لمختار أن طلب عملا من مصالح البلدية، لكنه يأمل الآن الظفر بعمل كحارس في البلدية أو مؤسسة عمومية من أجل تأمين قوت أسرته و إنهاء عمله فوق سطوح المنازل والبنايات. و أضاف بأنه و في حالة رفض طلبه ، يقترح توظيف زوجته كعاملة نظافة، لأنه أصبح يشعر بالكثير من التعب و منحة المعاقين التي تقدر ب4000 دج شهريا، التي يتقاضها، لا تسمن و لا تغني عن جوع، مشيرا إلى أنه يضطر للتوقف عن العمل كبناء كلما كانت الأحوال الجوية رديئة. بوزيد مخبي متحصلة على شهادة ماستر 1 في الحقوق بمعدل 18/ 20: مكفوفة حفزتها الإعاقة على التفوق و تحدي الصعاب تعتبر الآنسة ماجن وهيبة، في العشرينات من عمرها، قدوة للمكفوفين في التحدي، لقد ولدت بحسين داي بالجزائر العاصمة، و هي مكفوفة منذ الصغر،لكن إعاقتها لم تمنعها من التفوق في الدراسة و العمل، لأنها تؤمن بأن الحياة إرادة و أن القدر أخذ منها شيئا، و عوضها بأشياء أخرى تميزها عن الأشخاص المبصرين و الأصحاء ، انتشلتها شهادتها الجامعية من النسيان والإهمال، فأثبتت للمجتمع بأن إعاقتها البصرية لم تقف حجر عثرة أمام طموحاتها . عن تجربتها تقول وهيبة "تجربتي تؤكد بأن لا شيء يقف أمام إرادة الإنسان، وهذا دافعي في الحياة، لذا لا تشكل لي كلمة مكفوفة أي مشكلة، لأن ما حققته اليوم يثبت للآخرين مقدرتي على العطاء و العمل،و إعاقتي البصرية لم تقف عائقاً أمامي ، بل على العكس كانت دافعا أكبر للعمل". و تضيف محدثتنا بأنها عندما كانت صغيرة خضعت لعملية جراحية في اسبانيا في عينيها لكنها لم تنجح، وطلب منها الأطباء إجراء عملية ثانية، إلا أن محدودية الإمكانيات المادية لعائلتها لم تمكنها من ذلك. تحمد وهيبة الله على كل شيء، لأنها، كما أكدت للنصر، تأقلمت مع وضعيتها ، و عندما بلغت السادسة من عمرها التحقت بمدرسة المكفوفين في حيدرة بالجزائر العاصمة، وبعد سنتين توقفت بسبب رغبة السلطات الولائية في تحويل تلك المؤسسة التربوية إلى مدرسة خاصة بالصم والبكم لتعود إلى البيت مرغمة، وتمكث فيه ثلاثة سنوات. بدأ والدها رحلة بحث طويلة عن مدرسة أخرى قريبة من منزلها، لتواصل تعليمها فيها، لكنه لم يفلح في ذلك، وبعد وفاته قررت والدتها تسجيلها في مدرسة العاشور للمكفوفين، رغم بعدها عن مقر سكناها. تحصلت وهيبة على شهادة التعليم الأساسي و التحقت بثانوية لالة فاظمة انسومر بمدينة تيزي وزو، لأن عائلتها انتقلت للعيش في المدينة الجديدة، وبعد سنوات من الجد والمثابرة تمكنت من نيل شهادة البكالوريا شعبة أدب عربي. سجلت وهيبة نفسها بكلية الحقوق بجامعة مولود معمري بتيزي وزو، و في نفس الوقت تابعت تعليمها في جامعة التكوين المتواصل ، لتتحصل بعدها على شهادة الليسانس في الحقوق، بالإضافة إلى شهادة الكفاءة المهنية في المحاماة و شهادة الماستر 1، بمعدل 18 من 20 عن مذكرتها التي تحمل عنوان «تحويل رؤوس الأموال من و إلى الخارج». تقول الآنسة ماجن: «الحمد لله وفقت في هذا الموضوع وتخرجت من الجامعة و أنا اليوم أشتغل كأستاذة بالاتحادية الولائية للمكفوفين لولاية تيزي وزو، متخصصة في تقنية البراي، أساعد التلاميذ المكفوفين الذين يزاولون تعليمهم في المدارس العادية و ضعفاء البصر، حتى يتسنى لهم مواصلة تعليمهم دون عراقيل أو صعوبات». و أشارت محدثتنا بأنها تعلم كبار السن المكفوفين الذين يدرسون بمدارس محو الأمية القراءة والكتابة بطريقة البراي، مؤكدة بأن هؤلاء لم يسعفهم الحظ في الالتحاق بالمدرسة وهم صغار، فأرادوا التعلم و هم كبار، و شددت:»أمارس عملي بشكل عادي، و أجد متعة فيه». بخصوص فاقدي البصر المحرومين من التمدرس، تقول محدثتنا بأنه على الأولياء تقبل إعاقة أبنائهم و مساعدتهم ليندمجوا في المجتمع و ليعتمدوا على أنفسهم، لأن المعاق لا يريد معاملة خاصة أو عطفا أو شفقة، بل يجب أن يُنظر إليه على أنه إنسان كبقية البشر، فهو قادر على أن يبدع بما لديه من الإمكانات و يمكنه التواصل مع غيره و يكون ناجحا في الحياة، يدرس و يتعلم، خاصة في ظل توفر مدارس خاصة بالمكفوفين حاليا، تطبق نفس البرامج مع المدارس النظامية العادية.