أعادت المنافسة على لقب أنظف قرية بولاية تيزي وزو، الوجه الطبيعي والجانب الجمالي الذي قضت عليه متطلبات الحياة العصرية والجري وراء مشاغلها. حيث فقدت الكثير منها نظام سيرها المتوارث والمعمول به عبر أجيال كاملة، ما حولها إلى شبه مراقد يأوي إليها سكانها ليلا أو في العطل والمناسبات، دون الاهتمام بالجوانب الجماعية والاجتماعية التي اتضح جليا أنها عماد القرى وسر استمرارها. مسابقة "رابح عيسات" والمنافسة على افتكاك لقب أنظف قرية للحصول على إعانة مالية قدرها 800 مليون سنتيم، فتحت شهية السكان لإعادة الأمجاد الضائعة لقرى كانت قديما مزارا للأجانب، للوقوف على جمالها، نظافتها ونظامها المستمد من عادات وتقاليد تنفرد بها المنطقة، بعدما تطلب الأمر العودة إليها طواعية عبر إعطاء وجه جديد ولمسات عصرية لقرى ينتظر أن تكون محطات سياحية تجذب اهتمام السكان المحليين وحتى السواح الأجانب. قرى زوبقة، أيت خليفة، ايقرسافن، بومسعود وغيرها من عشرات المناطق التي دخلت غمار المنافسة وتوجت باللقب، أصبحت اليوم نماذجا يحتذى بها في الجانب التنظيمي وسير عمل اللجان المشرفة على تسييرها، ناهيك عن الجمال الذي صنعته أنامل شباب بعثوا الحياة في تجمعات سكنية، بدأت تفقد روحها تدريجيا في السنوات الأخيرة، بعدما غادرتها الفئات الشابة للدراسة وبحثا عن العمل والمعيشة السهلة في المهجر والمدن. واقع هذه القرى اليوم ووجها الجديد الباعث على الأمل، يفتح آفاقا جديدة لقطاع السياحة الذي ينتظر أن يعرف انتعاشة كبيرة عبر السياحة الجبلية والقروية، اذ تعرف ولاية تيزي وزو بجبالها الأخاذة التي تستقطب الزوار إليها، إلا أنهم يصطدمون بغياب ونقص الإمكانات المطلوبة، هذه القرى اليوم يمكنها استقبال الزوار ويمكن لسكانها ان يكونوا من مواقعهم دليلا سياحيا لقاصديهم، بالتعرف على السكنات التقليدية التي لا تزال قائمة في أغلبية القرى، وعن الثقافة والتراث الأمازيغي وقصص الكفاح اليومي للبقاء وسط قساوة الطبيعة. زيارة إحدى هذه القرى التي اكتسبت وجها جديدا ومستقبلا يعد بالكثير أيضا، يجعلك متفائلا وآملا بعودة مكانتها في المجتمع القبائلي، حيث كانت الحصن المنيع للهوية والثقافة التي احتفظ بها سكان القرى والأعراش وتهدد وجودها المدن والحياة العصرية، كما يبعث على الارتياح بخصوص واقع البيئة في الولاية، حيث قضت المنافسة على الأوساخ وفتحت المجال للتعامل معها بشكل يضمن نظافة القرى وسلامة المحيط، بعدما أصبح موضوع النظافة هي الغاية المنشودة. كما رسخت أكثر دور لجان القرى أو ما يسمى "ثاجماعث"، هذه الأخيرة التي تأخذ على عاتقها إنجاز كل متطلبات الحياة في القرى، بداية من استقدام المياه الصالحة للشرب، إنجاز قنوات الصرف الصحي، الطرقات وغيرها من المشاريع التي يتوجب بشكل أساسي على السلطات المحلية الإشراف عليها. لجنة قرية بومسعود التي افتكت لقب الطبعة الرابعة لأنظف قرية لمسابقة "رابح عيسات" التي ينظمها المجلس الشعبي الولائي، صرح أعضاؤها ل"الشروق اليومي" أن إحرازهم للقب لم يكن من العدم، حيث دأبت اللجنة خصوصا بعد إعطاء الشباب الفرصة عبرها لأخذ زمام الأمور، تغير كثيرا واقعها نحو الأفضل، حيث تتواجد المياه الصالحة للشرب في المنازل منذ قرابة 10سنوات، وذلك بفضل اللجنة التي تكلفت بانجاز المشروع بتمويل سكان القرية وأبنائها المغتربين، بتهيئة واستغلال ينابيع المنطقة، إلى جانب تسجيل بعض المشاريع في إطار التنمية البلدية كقنوات الصرف الصحي وجدران الدعم للمساحة الرئيسية التي كانت مفرغة القرية، قبل أن تتحول إلى تحفة فنية تبهر الزائرين، بناء مسجد جديد للقرية وتدعيمه بقاعة للاجتماعات، وغيرها من الانجازات التي غيرت وجه قرية يقطن فيها 400 نسمة، وشدت إليها أنظار الملايين. قرية زوبقة التي حصلت على اللقب في اولى طبعاته، وافتكت في مشاركتها الثانية وحرمت من المنافسة في المسابقات الأخرى، تعد اليوم مرجعا للقرى المشاركة والمقبلة على المشاركة في الطبعات الأخرى، نظرا لحزم النظام فيها والتسيير المثالي لشؤونها من قبل لجنة القرية.