لا تزال القضية التي اهتز لها الشارع المحلي بمدينة تقرت، بعد جريمة قتل راح ضحيتها الشاب "سفيان. ب"، البالغ من العمر 24 سنة، بأحد الأعراس ببلدية الزاوية العابدية حديث العام والخاص، حيث كانت القطرة التي أفاضت الكأس بعد سلسلة من حوادث العنف والاعتداءات التي تسجلها مدينة تقرت في الأعراس أسبوعيا في صمت. ففي الوقت الذي اكتفت فيه فعاليات المجتمع المدني بالتزام الصمت حيال ما يحدث في أعراس المنطقة من حفلات فنية ساهرة وصاخبة إلى غاية ساعات الفجر الأولى وسط فضاءات مفتوحة تستقطب كافة شرائح المجتمع من مراهقين وشباب ومن مناطق مختلفة، فإن عددا من الأئمة بادروا إلى تحسيس الأولياء بدورهم ومطالبتهم بتجنب إقامة سهرات فنية راقصة كثيرا ما تنتهي على وقع مناوشات تحت تأثير الخمور والمخدرات، من طرف الشباب الذين يجدون متنفسا في هذه المناسبات لاحتساء الخمر والمؤثرات العقلية والتراشق بألفاظ قبيحة خادشة للحياء دون أدنى احترام للجيران. وحمل الأئمة المسؤولية لممثلي المجتمع المدني الذين لم يؤدوا دورهم في التحسيس والتوعية ومطالبة السلطات الولائية والأمنية لاتخاذ إجراءات رادعة بمنع هذه السهرات الماجنة المفتوحة لمن هبّ ودبّ وتشديد الخناق على نقاط بيع الخمور التي اكتسحت المنطقة التي كان يضرب بها المثل بأنها محافظة. هذا، ولا تزال أرقام وإحصائيات العنف في الأعراس مرعبة بمنطقة تقرت الكبرى. وحسب آخر إحصائية، فإن 914 حالة عنف استقبلتها مصلحة الاستعجالات بمستشفى سليمان عميرات بتقرت خلال سنة 2015 أبطالها مراهقون وشباب في عمر الزهور، وهي في تزايد مستمر كل موسم، إذ من بين حالات الاعتداءات الإجمالية التي دخلت أروقة مصلحة الاستعجالات 5 من المائة سجلت في الفترة الصباحية، فيما كانت نسبة الحالات التي استقبلها المستشفى في الفترة المسائية نحو 25 من المائة، أما حصة الأسد فسجلت في الفترة التي تتراوح بين الثامنة مساء إلى غاية ما بعد منتصف الليل، التي تجاوزت 65 من المائة. وهو ما يعني أن النسبة المرتفعة تسجل في سهرات الأعراس. كما كشفت الأرقام أن من بين ضحايا الإصابات الخطيرة خلال نفس الإحصائية 32 من المائة أعمارهم بين 10 و19 سنة، و53 من المائة من الضحايا تتراوح سنهم بين 20 و29 سنة، و15 من المائة ضحية تتراوح سنهم بين 30 و39 سنة. وهي النقطة السوداء التي أصبح يعبث فيها قصّر وشباب في أعراس وبحوزتهم أسلحة بيضاء وقضبان حديدية بدراجاتهم النارية. أما عن الحالات المسجلة حسب الأشهر، فمازال شهر أوت أكثر الشهور حصدا لضحايا الأعراس بتقرت، يليه شهر مارس وسبتمبر ثم شهر ديسمبر. ولا يزال العنف يضرب بقوة في الفترة الصيفية والعطلة الربيعية والشتوية التي تعتبر مواسم الأفراح والأعراس. أما عن أكثر الأحياء التي سجلت ضحايا عنف في سهرات الأعراس، فتبقى أحياء بلدية النزلة في الصدارة ب 368 حالة اعتداء، حسب إحصائيات السنة قبل الماضية، تليها بلدية تقرت ب 284 حالة، وتبسبست ب 168، والزاوية العابدية ب 68 ضحية اعتداء، من دون احتساب حالات الإجلاء من البلديات والقرى الأخرى للمقاطعة الإدارية تقرت. كما تعجّ أروقة محكمة تقرت أسبوعيا بقضايا جنح تعالج حالات العنف والاعتداءات الجسدية بالأسلحة البيضاء والعصي والحرق والكي بالنار والركل والخنق في أنحاء مختلفة وخطيرة من الجسم، مثلما أكده الدكتور الباحث مساعدية ياسين، نائب مدير مستشفى تقرت في تصريح سابق ل"الشروق"، الذي أضاف أن كلفة ضحايا العنف لا تزال تمتص حصّة كبيرة من نفقات المستشفى التي تشمل الفحوصات الاستعجالية والعمليات الجراحية والإجلاء في بعض الحالات. هذا، وأصبح تدخل السلطات الولائية وعلى رأسها الوالي المنتدب عبد القادر بن سعيد أكثر من استعجالي لإعطاء أوامر بتنظيم واحترام توقيت ومكان سهرات الأعراس التي تتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات ووضع حد لهذه الظاهرة التي أسالت الكثير من الدماء.