لطالما شكّلت الانتخابات التشريعية "لا حدث" للمواطنين مٌقارنة بالاستحقاقات الرّئاسية والمحلية، لاسيّما بسبب النظرة السلبية لنواب البرلمان، والذين ينالون نصيبهم من النقد والشتم في كل عهدة برلمانية.. فمن أوصاف برلمان الشكارة إلى برلمان الحفافات، إلى برلمان " النّوّام".. فكيف سيتمكن المترشحون لتشريعيات 4 ماي من تغيير النظرة السلبية اتجاههم، وإقناع الناخبين المكتوين بنار الأسعار وغلاء المعيشة، بالإقبال على صندوق الاقتراع طواعيّة. يهدّد عزوف المواطنين عن التصويت مصير العملية الانتخابية المقبلة ويضرب في الصميم مصداقية الهيئة التشريعية، ولاستطلاع أراء الشارع أيّاما قبل انطلاق الحملة الانتخابية، توغلت "الشّروق اليومي" في الأسواق الشعبية، وتجوّلت في شوارع العاصمة الرّاقية والبسيطة.... أول مكان قصدناه، كان سوق بن عمر ببلدية القبة، وتزامن وجودنا بالمكان مع عملية إخلاء الشارع المٌحاذي للسوق المٌغطّاة من التجار غير الشرعييّن، فرأينا الشباب في كرّ وفرّ مع رجال الشرطة، اقتربنا من بائع علب طعام بلاستيكية، كان يرقبٌ بحذر وينتظر مٌغادرة رجال الأمن ليعرِض بضاعته على الرصيف. سألناه : هل ستنتخب؟ وتوقّعنا ردّه "راكي تتقعدي.. نهار يعطوني خدمة مْسَقمة نْفُوطي..."، لينفجر زميله في وجوهنا "يريدوننا أن ننتخب ويحرموننا من العمل، فكيف نعيش هل نسرق؟؟." وتفاجأنا من جواب شاب يبدو في الثلاثين من عمره، يبيع الملابس النسائية داخل السوق، فالمعني سألنا باستغراب "عن أيّ انتخابات تتحدّثون...راح يفوطيو على الرّايَسْ..؟؟". وجهتنا التالية كانت وسط العاصمة، اقتربنا من المواطنين وأصحاب المحلات بشارع ديدوش مراد والبريد المركزي، فوجدنا ردود أفعالهم أقل حدّة من سابقيهم...الشيخ جلول وجدناه جالسا بحديقة عمومية، فأكد لنا وبكل ثقة "سأنتخب وأسجل حضوري لأمنعهم من استغلال اسمي في التزوير"، أما فتيحة فستضع ورقة بيضاء كعادتها، وهدفها من التصويت الحصول على بطاقة الناخب المٌمضاة، التي تحتاجها في وثائق إدارية، متسائلة "ماذا فعل النواب السابقون، من غير الكلام وجمع المال ورفع الأيدي ضد مصلحة الشعب". ومن أمام الجامعة المركزية، التقينا مجموعة طلبة كانوا متحمسين للانتخاب لصالح حزب معين، وتحدثوا عن برنامجه بكل فخر، لنكتشف لاحقا أنهم يشتغلون لصالح هذا الحزب، حيث يُروجون لمرشحيه داخل أسوار الجامعة.
"الكوطةّ".. رفع الأسعار وقانون التقاعد يحول البرلمان إلى "تهمة" ولم يغفر كثير من المواطنين في تصريحات ل "الشروق"، لبرلمانيي أحزاب السلطة، تصويتهم لصالح قوانين "غبنتهم"، خاصة قانونيْ التقاعد المسبق والمالية. فيما استنكر الجنس الخشن وصول نساء لقبة البرلمان بحجة ضمان كوطة المرأة ليس إلا، فلم يجدوا غير "الخيّاطات والحفّافات" حسب تعبير رشيد من عين النعجة، فقال "أنا لا أهين أصحاب هاته المهن، ولكن كل واحد في بلاصْتو، فهل يمكن أن نضع الجزار مكان الطبيب". وبلهجة الغاضب، خاطَبَنا كهل، متهما غالبية النواب باستغلال نفوذهم للتعدّي على الغير، والإفلات من العقاب بفضل الحصانة البرلمانية، مؤكدا أن قريبا له يقطن بولاية شرقية تعرض للضرب وعلى مرأى من ابنته على يد برلماني سابق، بسبب نزاع على أرض فلاحية، ورغم الشكوى التي تقدم بها الضحية إلى مصالح الشرطة، لم ينل الفاعل عقابه حتى بعد انتهاء حصانته منذ عدة سنوات. وأجمع آخرون أن الهدف "النبيل" للنواب لا يعدو أن يكون جمع أكبر قدر من المال قبل مغادرة البرلمان، خاصة من كان يٌعاني الفاقة قبلا، مٌتأسّفين لعدم سماع أصوات البرلمانيين عندما يحتاجهم الشعب، وفي هذا يقول جمال "لم نسمع أصواتهم في أبسط موضوع وهو غلاء البطاطا والموز.. فما بالك في قضايا كبرى.. وكثيرون ناموا 5 سنوات كاملة في قبة البرلمان، واليوم يطلون علينا بوَجْه صْحيحْ يتوسَّلوننا لانتخابهم مٌجدّدا". وحتى تكرّر نفس الوجوه في كل عهدة برلمانية، لم يرق للجزائريين وتحول لأحد أهم أسباب العزوف الانتخابي، فردّد البعض "مللنا نفس الوجوه"، وما يستغرب له المواطنون، هو اختيار الأحزاب لقوائم غالبية أصحابها مرفوضون من قبل الهيئة الناخبة، بدل طرح أسماء مقبولة في المجتمع، فعمّي محمد يقول "لن أصوّت على شخص مفروض علي من أي حزب". هذه النظرة السلبية والتشاؤم اتجاه نواب الشعب، جعلتنا نسأل مرشحين للتشريعيات المقبلة، عن "خططهم" لتبييض صورتهم واستمالة الناخبين.
مٌرشح الأفلان لولاية عين الدفلى، عبد الباقي طواهرية ملياني: مستعدون للمحاسبة و"خاطِينا الشكارة" اعتبر النائب الحالي عن حزب جبهة التحرير الوطني ومرشح ولاية عين الدفلى، طواهرية ملياني عبد الباقي، أن الأفلان يسعى جاهدا للقضاء على النظرة السلبية اتجاه نوابه، وذلك عن طريق ترشيحه لإطارات مناضلين وجامعيين في قوائم التشريعيات، بعيدا عن لغة "الشكارة" ومن يدفع أكثر، والدليل يقول ل "الشروق" أن قائمة عين الدفلى تضم إطارات مشهود لها بالكفاءة والنضال، ولقيت استحسان مواطني الولاية. وقال إنهم سيفتتحون حملتهم الانتخابية بتقديم حصيلة عن عملهم خلال العهدة النيابية المنقضية، لطمأنة الناخب، ثم التطرق لبرنامج الحزب، والذي يختلف من ولاية لأخرى، وسيركز محدثنا حملته حسب تصريحه، على العمل للرقي بولاية عين الدفلى سياحيا وصناعيا وثقافيا "لأنها ليست مجرد منطقة فلاحية، فهي تزخر بمناطق سياحية خلابة، على غرار مدينة مليانة التاريخية".
مٌتصدر قائمة الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء بولاية قسنطينة، لخضر بن خلاف: العهدة المٌنقضية من "أسوأ " العٌهدات في تاريخ البرلمان وفي تصريحات حادّة وناقمة، اعتبر مرشح جبهة العدالة والتنمية لولاية قسنطينة، النائب لخضر بن خلاف في اتصال مع "الشروق" أن ظاهرة العزوف عن الانتخابات سواء من المواطنين أو الطبقة السياسية في تصاعد، وهو ما نرتقبه خلال التشريعيات المقبلة. وعدّد محدثنا أسباب الظاهرة، فقال "التزوير الحاصل في الانتخابات السابقة، أفقد الشعب وأحزاب المعارضة الأمل في انتخابات نزيهة، وكذا تشويه صورة النائب لأغراض سياسية من طرف جهات.."، ووصف بن خلاف العهدة النيابية المنقضية، ب "أسوأ" العهدات في تاريخ البرلمان "سواء من حيث التشكيلة، والدور السلبي للنائب فيما يخص مهامه لمراقبة الحكومة، وعدم الحضور إلى الجلسات، والمستوى الذي ظهر به النواب فأساؤوا لأنفسهم"، وأهم سبب ذكره "هو قطع علاقة النائب مع من انتخبه". واعتبر المتحدث أن "دفع الشكارة" للتواجد ضمن قوائم بعض الأحزاب، أساء كثيرا لصورة النائب، الذي تحول في نظر الشعب إلى "شكارة مٌتنقّلة". ويرى بن خلاف، أنه على المترشحين القيام بمجهود كبير، للقضاء على هذا " الواقع المُر"، الذي لا يخدم الديمقراطية، كما على المواطنين الإقبال وبكثافة على التصويت "حتى يقطعوا الطريق أمام المتلاعبين بالأصوات...". ورغم تعهد الداخلية والعدل بتوفير عملية نزيهة وشفافة، يتخوف محدثنا من ضمانات تسيير العملية الانتخابية "خاصة من الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، التي أجدها خارج مجال التغطية " حسب تعبيره. ومضيفا "على الدولة احترام تعهداتها بتنظيم انتخابات شفافة، وإلا لن نجد ناخبين مٌستقبلا".
متصدر قائمة جيجل والقيادي في حركة مجتمع السلم ناصر حمدادوش: البرلمان صار أضعف حلقات الدولة.. يرى ناصر حمدادوش أن مسؤولية المشاركة في الانتخابات يتحملها المواطن في إطار ثقافته الديمقراطية وحسّه السياسي ومسؤولية مواطنته الكاملة، وتتحملها السلطة المٌشرفة على تنظيم الانتخابات، بالإرادة السياسية العليا في إعطاء الشفافية والمصداقية والنزاهة لها، كما تتحملها الأحزاب السياسية بقوتها وشعبيتها وحضورها المجتمعي، ويتحملها المرشحون بكفاءتهم ومصداقيتهم لدى الشعب. ومتأسفا، لكون البرلمان صار "أضعف حلقات مؤسسات الدولة...وهكذا يراد له أن يكون، وأن النواب تم تشويه صورتهم بطريقة ممنهجة"، وهو مالا يخدم التعددية ولا التنافس على البرامج والأفكار لخدمة البلاد، حسب تعبيره. وتمنى حمدادوش، أن تكون هذه الانتخابات "فرصة للجزائر باختيار الأكفاء والأنزه والأفضل، دون أن تكون للشكارة والرداءة سلطة في المساس بتكافؤ الفرص ومصداقية هذا الاستحقاق". وأكد متصدر قائمة جيجل، أنهم لا يمتلكون أي آلية للإصلاح والتغيير، إلاّ المسَار السياسي والآلية الديمقراطية واحترام الإرادة الشعبيّة، بعيدا عن أي عبث واستخفاف.
مٌتصدِّر قائمة تيسمسيلت، والقيادي في التجمع الوطني الديمقراطي، محمد قيجي: الجزائريون لا يعرفون حقيقة البرلمان يرى رئيس الكتلة البرلمانية والقيادي في الأرندي، محمد قيجي أن الحملة الانتخابية لكل ولاية تختلف عن الأخرى ولها خصوصيتها، ومؤكدا أن الحزب يمتلك وعاء انتخابيا، ومع ذلك سيعتمد في حملته على العمل الجواري والخطاب الواقعي والواضح، "دون كذب ووعود مزيفة" حسب تعبيره. وفسّر مٌحدّثنا ضعف إقبال المواطنين على الانتخابات التشريعيّة مقارنة بنظيرتها الرئاسية أو المحلية، فحسبه "الاستحقاقات المحليّة لها علاقة مباشرة بانشغالات المواطن، أما الرئاسيات فعبارة عن برنامج وطني مٌوحّد، ولهذا ترتفع فيهما نسبة المشاركة في الانتخاب، عكس التشريعيات، حيث يجهل كثيرون صلاحيات النائب البرلماني".