خطاب غير معهود لدى الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، في الحملة الانتخابية لتشريعيات الرابع من ماي المقبل، فمن يتابع الرجل هذه الأيام يعتقد أنه لم يعد أويحيى الذي عرفه الجزائريون منذ التسعينات وإلى غاية الأسابيع التي سبقت الحملة. أويحيى وخلال تنشيط حملة حزبه الانتخابية من ولاية الوادي، دعا الإدارة إلى البقاء على مسافة واحدة من الجميع والابتعاد عن التزوير، في "خرجة" تبدو غير معهودة عن هذا الرجل وحزبه، الذي يُتهم من قبل خصومه، بأنه أول حزب استفاد من "التزوير الممنهج" في أول انتخابات تشريعية خاضها وحصد غالبية مقاعدها في عام 1997. وحتى خطاب زعيم "الأرندي" الذي انطبع على مدار سنين طويلة بطابع التجرد من سياسة حماية فئات المجتمع الهشة (قصته مع الياوورت) عندما كان رئيسا للحكومة، اختفى، وحل محله خطاب آخر مناقض تماما، عندما دعا إلى رفع عتبة الاستفادة من السكن الاجتماعي من 25 ألف دينار إلى سبعة آلاف و200 دينار، أي ما يعادل الحد الأدنى للأجر أربع مرات. والغريب في الأمر هو أن أويحيى وخلال شرحه مشروع الدستور المعدل في فيفري 2016، سعى جاهدا إلى إقناع الجزائريين بضرورة التراجع عن مادة في الدستور تعفي الدولة من "واجب" توفير السكن للمواطن (تضمن الدولة السكن للمواطن)، إلى تسهيل الحصول على السكن (تعمل الدولة على تسهيل السكن للمواطن). خطاب أويحيى في الحملة الانتخابية بدا كأنه يصدر عن سياسي أصبح بعيدا عن مصادر صناعة القرار، وقريبا من الأطراف السياسية التي تتموقع بعيدا عن السلطة، بل إن حديثه عن حياد الإدارة تجاوز به حتى مواقف بعض الأحزاب المحسوبة على المعارضة من هذه المسألة، مثل حركة مجتمع السلم التي غيّبت كلمة "التزوير" من قاموسها السياسي في هذه الحملة. مثل هذه "الخرجات" جعلت المتابعين يتساءلون عن خلفية مثل هذا الخطاب، لاسيما أن قائله هو إحدى الشخصيات التي لطالما وصفت نفسها أنها "عبد الدولة"، فهل مثل هذا الكلام موقف تكتيكي أملته الحسابات المتعلقة بالتشريعيات المقبلة؟ أم أنه ينطوي على أبعاد استراتيجية فرضتها تحولات تطبخ في مخابر صناعة القرار بعيدا عن الأضواء؟ ليس هناك ما يؤكد خروج أويحيى من دائرة الفئة الضيقة والقريبة من صناعة القرار في البلاد، فهو وإن تمت إحالته على عطلة إجبارية من ديوان رئاسة الجمهورية، كغيره من وزراء الحكومة المترشحين، بحكم قيادته حزبا يخوض غمار سباق الانتخابات التشريعية، إلا أن ترديده مثل هذا الخطاب يوحي وكأن لديه مسكون بمخاوف هيمنة حزب جبهة التحرير الوطني على مقاليد الحكم في البلاد، لأن الوزير الأول، عبد المالك سلال، من رجال الحزب العتيد وكذلك الشأن بالنسبة إلى وزير العدل الطيب لوح، كما أن وزير الداخلية والجماعات المحلية، نور الدين بدوي، وإن كان غير متحزب، إلا أن فضل سلال ومن ورائه الأفلان، عليه كبير..