بالون اختبار جديد ألقي في الأجواء في الأيام الأخيرة من رمضان، لجسّ نبض الشّعب الجزائريّ الغيور على دينه وهويته، حينما سرّب بعض الإعلاميين نقلا عن مصادر وصفوها بالموثوقة أنّ جهات مسؤولة معروفة بسعيها الدؤوب لاجتثاث مقوّمات الهوية من المنظومة التربوية، أوعزت إلى بعض المصالح بضرورة التحضير لحذف البسملة وبعض العبارات الدينية من الكتب المدرسية التي يفترض ألا تكون لها علاقة بالدين!. كالعادة، وبعد الضجّة التي أثارها القرار المسرّب في مواقع التّواصل الاجتماعيّ وفي كثير من الأوساط، نفت الجهات المعنية أن تكون قد أصدرت أيّ أوامر تتعلّق بالموضوع، وتطوّعت بعض وسائل الإعلام المحسوبة على التيار العلمانيّ للدفاع عن هذه الجهات واتّهمت مناوئيها بالتّرويج للإشاعات الكاذبة واختلاق معارك وهمية لوقف قطار الإصلاحات! إصلاحات سمع المجتمع جعجعتها ولم ير طحينها، بل قد رأى أنّها تتعمّد النّأي عن مواطن الخلل في المنظومة التربوية لتعلن المعارك الظّالمة على مقومات المجتمع وهويته، وتقول بلسان الحال إنّ البسملة وآيات القرآن الكريم هي ما يحول بين المنظومة التربوية وبين مواكبة التطوّر المعرفيّ والعلميّ والتّربويّ الذي تشهده المنظومات التربوية في الدول التي ينشد المسؤولون فيها مصلحة الأجيال بدل الانشغال بمعارك إيديولوجية تدار نيابة عن الإدارة الأمريكية. لم يعد ينفع المرقّعين أن يصرّوا على نفي وجود نية مبيّتة تصدّقها إجراءات يجري تطبيقها بالتدرج لتفريغ المنظومة التربوية من بعدها العربيّ والإسلاميّ، كما لم يعد ينفع أدعياء الإصلاح المنشغلين بالمعارك الآثمة أن يستخفوا بالعقول ويصروا على اتّهام حماة الثوابت باختلاق معارك تلهي المجتمع عن التحديات الحقيقية، خاصّة وأنّ دلائل الواقع تشير إلى أنّ الزّحف الممنهج الذي ينفّذه العلمانيون على عناصر الهوية ما هو إلا استنساخ للحملات التي شنّها ويشنّها نظراؤهم في دول عربية وإسلامية عدّة. الحملة التي تشنّها الزمرة العلمانية على مقوّمات المجتمع هي جزء من حملة عالمية ترعاها الإدارة الأمريكية، ويجري تنفيذها بأيدي جهات علمانية متنفّذة مُكنّت من مناصب حسّاسة تؤهّلها لتوجيه ثقافة الجيل الجديد وصناعة وعيه، وما يجري تنفيذه في الجزائر جرى تنفيذه من قبل في بلدان عربية عدة؛ ففي تونس مثلا، دعت أستاذة الأديان (!) "يامنة كريمي" المعروفة بتوجّهاتها العلمانية، في فيفري 2016م، في ثنايا مقال لها عنوانه "مقرّرات التربية الإسلامية بالمغرب"، إلى "منع بعض الشّارات التي ما هي إلا قشور الإسلام والتي تشكل تمظهرا للتطرف، ككتابة بسم الله الرحمن الرحيم والأدعية وسور القرآن على الدفاتر وفي أوراق التحرير". هذه الدّعوة التي أطلقتها "كريمي" قبل أكثر من سنة، هي ذاتها الدّعوة التي أطلقت في الجزائر في الأيام الأخيرة من رمضان، وكأنّ هؤلاء وأولئك يتلقّون الأوامر من مصدر واحد، وينشدون هدفا واحدا هو إبعاد الدّين عن حياة الأجيال القادمة. هكذا تؤدلج الإصلاحات التربوية وتساق في مساقات تزيد الطين بلّة، في وقت ترفض الأمم من حولنا أيّ مساومة أو مساس بعناصر هويتها في منظوماتها التربوية؛ ففي الوقت الذي يصرّ فيه العلمانيون عندنا على تقليص الحجم الساعي لمادّة التربية الإسلامية وإفراغها من كلّ ما يميّز الدّين الإسلاميّ عن سائر الأديان المحرّفة، نجد أنّ بلدا مثل إيطاليا يخصّص للنصرانية الكاثوليكية أكثر من 6 ساعات أسبوعيا، أمّا دولة الاحتلال الصّهيونيّ، فهي تخصّص 12 ساعة لدراسة التّلمود كلّ أسبوع.. وفي الوقت الذي يصرّ العلمانيون على تحويل التربية الإسلامية إلى تربية مدنية تقتصر على تعليم قيم المواطنة والتسامح مع الآخر ولو كان الآخر محتلا غاصبا أو عدوا متربّصا!، نجد أنّ المدارس اليهودية تصرّ على تغذية عقول أطفال الصهاينة بعقيدة البراء من الآخر والسعي لاجتثاث وجوده. وبينما نجد سعيا حثيثا لدى العلمانيين العرب لحذف بطولات الفاتحين المسلمين من كتب التاريخ، نجد اليهود يصرّون على تدريس سير متطرّفيهم للأجيال، ومن ذلك أنّ دولة الاحتلال الصهيونيّ قرّرت مؤخّرا تدريس سيرة "عزرائيل ليفنات" الذي قاد منفذي مجزرة دير ياسين في 09/ 04/ 1948م.