مسموح لكم أن تعتبروني جاهلا "مركبا" عندما أطلب منكم وبنية خالصة إفادتي بالمعنى اللغوي والاصطلاحي للجملة غير المفيدة التالية: "وسائل الإعلام الثقيلة".. فلقد قرأت قرابة طن من الكتب "الخفيفة منها والثقيلة" في عالم الإعلام ولم أجد تعريفا واحدا مقنعا... النتيجة الوحيدة التي خلصت إليها هي أننا البلد الوحيد في العالم الذي يطلق تسمية الإعلام الثقيل على وسائل إعلام بعينها دون سواها هي: التلفزيون، والإذاعة، وبدرجة أقل وكالة الأنباء الجزائرية.. وأصارحكم أنني لم أتمكن لحد الآن من فك هذا اللغز وتحديد مركز الثقل في هذه الوسائل، الأمر الذي يجعلني أقف حائرا أمام عشرات الأسئلة المشروعة من نوع: هل المقصود بثقل هذه الوسائل الثلاث حجم المقرات التي تقع فيها وقياس ثقل وزن هياكلها على الأرض بالنظر لكون الجزائر منطقة زلزالية؟ أم المقصود هو ثقل وزنها، "بارابور" Par rapport لمجموع مستخدميها الذي يعد بالآلاف دون أية جدوى؟ أم هل يقاس ثقلها بالوجبة الإعلامية الثقيلة التي تقدمها للمضطرين إلى استخدامها؟ وفي هذه الحالة هل المقصود هو ثقل دمها ودم البرامج والمواد التي تصفع بها وجه المواطن يوميا رغم أنفه وأنف من خلفوه؟ أم القصد هو ثقل المسؤولية الملقاة على عاتق مسؤوليها في تنوير الرأي العام وصناعة مجتمع مثقف متطور متحضر متمدن؟... وعلى أي حال، سأستعمل عقلي القاصر عن فهم المسألة لأقول: ربما يكون المقصود هو ثقل حجم تأثير هذه الوسائل على الناس، وبالتالي يكون من المنطقي التساؤل ما إذا كان لهذه المؤسسات "العمومية" الثلاث أي تأثير حقيقي على الفرد والمجتمع في الجزائر؟! أسئلة كثيرة متشابكة متداخلة تجعلني أوقع لكم على بياض أن تعتبروني من الجاهلين فيتكرم أحدكم ويزيح عن ذهني قصور الفهم ويفيدني مشكورا بالمعنى اللغوي والاصطلاحي لجملة غير مفيدة في التعبير الإعلامي الجزائري تصف التلفزيون والإذاعة ووكالة الأنباء دون سواها بوسائل الإعلام الثقيلة! وإلى أن يحين ذلك الوقت، دعوني أبسط أمامكم جهلي المركب في المسألة فأوزع بعد إذنكم وموافقتكم نسبة الثقل بين هذه الوسائل الثلاث حسب ثقلها في تفكيري المحدود وفهمي القاصر.. وعليه، يمكن بكل مهنية وموضوعية أن نوزع نسبة 90 بالمئة من هذا الوصف الثقيل على مؤسسة التلفزيون، ونقسم ال 10 بالمئة المتبقية من الثقل بالتساوي والقسطاس على الإذاعة ووكالة الأنباء الجزائرية... ولكي نكون منصفين يجب أن نخرج المؤسسة المكلفة بالجانب التقني من هذا الحساب TDA باعتبارها العبد المأمور بالبث! ومع أنني أدرك كما تدركون أن من أطلق هذه التسمية الفريدة من نوعها على الوسائل الإعلامية الجزائرية التي أشرنا إليها، لم يقم في الحقيقة سوى بترجمة مرادفها من القاموس الفرنسي القديم الذي تم تحديثه لديهم بعد الانتشار الواسع للأنترنت باعتباره الوسيلة الأكثر رواجا وتأثيرا في عالم اليوم، إلا أنه من الواضح أن هذا المصطلح المأخوذ من القاموس الفرنسي العتيق يطابق تماما ما تقدمه وسائل الإعلام الثلاثة في الجزائر من مادة إعلامية ثقيلة جدا تسبب عسر الهضم لمن يجدون أنفسهم مضطرين لاستخدامها! وعندما خصصت بعد إذنكم وموافقتكم الأكيدة نسبة ال 90 بالمئة من الثقل للتلفزيون، فذلك لأن ما تقدمه هذه المؤسسة من مادة إعلامية ثقيلة رديئة، يجعل قلع ضرس بالكلاب على رأي الجاحظ أهون من الجلوس إلى هذه الشاشة ومشاهدة برامجها، وبالتالي فإن ثقل ما تقدمه من مواد وبرامج هو السبب الرئيسي الذي يدفع 35 مليون جزائري إلى اقتصاد مبالغ من رواتبهم لاقتناء هوائيات البث الفضائي التي نطلق عليها في الجزائر دون سوانا من الأجناس والبلدان والأمم تسمية الهوائيات المقعرة! ودون الخوض في التفاصيل تجنبا لما يمكن أن ألمز به من استغلال هذه الزاوية لتصفية حساب ما، أو أن أتهم بالتحامل على هذه المؤسسة في هذه المرحلة بالذات، فإن النظرة الاحترافية والموضوعية لبرنامج يوم واحد لمجموع قنوات التلفزيون الجزائري الخمس تجعلك تدرك أن ثقل برامج هذه المؤسسة يحملها وحدها مسؤولية تنشئة مجتمع عنيف، ثقيل الدم، ثقيل الظل، ثقيل الروح... مجتمع يفتقر إلى أدنى مقومات الحس الفني الجمالي الرقيق المرهف! ومن دون شك أيضا، فإن ما يقدمه التلفزيون بمجموع قنواته الخمس من مواد ثقيلة يحمله مسؤولية تشويه النسيج العمراني الحضري في الجزائر، والذي يتميز عن سائر بلدان العالم المتحضر بتدلي الهوائيات الفضائية من جميع الشرفات وعلى أغلب واجهات العمارات كما تتدلى الخفافيش والوطاويط! أما الحديث عن الإذاعة، باعتبارها الوسيلة الثقيلة الثانية، فإن الذي يستمع مجبرا لبعض برامج الإذاعة الجزائرية والقناة الأولى نموذجا يدرك جيدا ثقل هذه المحطة على أذن المستمعين وأذواقهم من خلال المواد البرامجية التي تقدمها، وبعدها الشاسع عن التعايش مع المستمعين والتفاعل معهم، في وقت كانت فيه هذه القناة ذات يوم تمثل وجه الجزائر الأصيل المشرف الذي يقف الند للند مع كبريات المحطات الإذاعية العالمية! على أن الموضوعية تقتضي الإشادة هنا بالمحتوى الاحترافي الراقي الذي تقدمه القناة الفتية: إذاعة الجزائر الدولية ذات الطابع الإخباري من خلال طاقمها الذي ينضح حيوية وشبابا، بالإضافة إلى المضمون المدروس الذي تذيعه القناة الثالثة الناطقة بالفرنسية لأتباعها ومريديها ومستمعيها، وهو ما يخفف من ثقل مؤسسة الإذاعة عموما، ويجعلنا نقدر نسبة ثقلها ب 5 بالمئة حتى نعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله! ودعونا نستثني وكالة الأنباء الجزائرية من هذا التحليل الافتراضي لأن المادة الإعلامية التي تقدمها هذه المؤسسة ليست موجهة بشكل مباشر للجمهور العريض، وبالتالي فلا مبرر لإدراج اسمها ضمن قائمة ثقلاء الدم إلا بمقدار النسبة المحدودة التي صنفت من خلالها في قائمة الثقيل الدم، العسير الهضم! فاصل قصير: مع كل هذا الثقل الذي يطبع مقال هذا الأسبوع، يبقى أملنا معقودا على وزير الاتصال الحاج ناصر مهل، وهو الإعلامي المخضرم، في أن يبعث في الإعلام الجزائري »الثقيل« خفة الدم التي يفتقدها، وينفخ فيه من روحه المرحة نفسا جديدا يجعل من هذه الوسائل خفيفة اللسان ثقيلة الميزان!