عاد الهدوء إلى المنطقة الواقعة بين حدود ولايتي الجلفةوالأغواط بعد يوم دامٍ من المواجهات بين عرشين كبيرين استخدمت فيها الأسلحة النارية والذخيرة الحية والعصي والحجارة وأوقعت عشرات الجرحى، وبقي كل عرش يترصّد الآخر معلنين الحرب على بعضهما إذا لم تسارع السلطات في ترسيم الحدود الإدارية الفاصلة بين أراضي عرش أولاد سيدي يحي بن سالم ببلدية سد رحال بالجلفة وعرش الحرازلية ببلدية حاسي الدلاعة بالأغواط. التناحر بين العرشين، وإن كان يبدو على أرض قاحلة جرداء، إلا أن الحقيقة كشفت عن وجود مصالح مالية كبيرة في المنطقة بعد إبرام إحدى البلديات عقدا مع شركة سوناطراك لإنجاز محطة ضخ للغاز والبترول من حاسي الرمل إلى ولاية سكيكدة على نفس الأرض محل النزاع. استطلاع: ليلى مصلوب تتقاسم ولاية الجلفةوالأغواط حدودا إدارية "وهمية" ظلت لسنوات طويلة محل نزاع وخلافات قبلية بين عرشين كبيرين يتنازعان على أرض جرداء قاحلة تدعى "قمامر" تقع على بعد 80 كيلومترا عن بلدية سد رحال وحوالي مائة كيلومتر عن بلدية حاسي الدلاعة إلى الجنوب. عندما وصلنا بلدية سد رحال الواقعة على بعد 25 كيلومترا غرب "مسعد" بالجلفة بدت لنا منطقة مهجورة، فسكانها لا يتعدى بضع مئات جلهم من عرش سيدي يحي بن سالم الممتد من عرش أولاد نايل، سألنا عن الشباب والمواطنين فأجابنا أحدهم إنهم في أرض "قمامر" يقومون بحمايتها ويمنعون عرش الحرازلية من دخولها، ولم يكن الوصول إلى موقع النزاع سهلا، لأن الطريق المؤدي لها عبارة عن أرض صحراوية غير معبدة، فبعض المواطنين يقبعون فيها منذ يوم الحادثة يحملون السلاح خفية ويهددون باستخدامه في أي لحظة إذا تجاوز عرش الحرازلية الحدود الإدارية أو ما يسمى بالخط الوهمي الفاصل بين البلديتين. إلتقينا بكبير عرش أولاد يحي بن سالم الشيخ الشارف معطى، شيخ في السبعين من العمر قال لنا وسط تصاعد لهجات التهديد والوعيد التي كان يطلقها الشباب "إذا لم تساعدونا على ترسيم الخط الوهمي بيننا وبين الحرازلية في الأغواط فلن تهدأ نيران الغضب فسيسيل الكثير من الدم، لأننا لا نستطيع أن نوقف تهور الشباب". ولم يكمل الشيخ كلامه حتى قال لنا أحدهم وهو عضو سابق في المجلس الشعبي البلدي لبلدية سد رحال عن حزب الأرندي يدعى محمدي أحمد "إذا لم يتم ترسيم الحدود الإدارية حسب ما ينص عليه مخطط وزارة الداخلية لسنة 1984 فنحن وهم موتى والدم لن يتوقف بيننا"، بهذه العبارات تلفّظ أحد المنتخبين السابقين وهو من بين الشهود العيان الذين كانوا لحظة وقوع المواجهات على أرض "قمامر"، قال لنا: كنا نحن وحوالي 300 شخص من أولاد يحي بن سالم في "أراضينا" بعد يوم من إبرام جلسة صلح بيننا وبين الحرازلية والتي تمت في بلدية مسعد يوم السبت 03 جوان، وقررنا الاحتفال في منطقة قمامر وكنّا ننتظر والي الجلفة والمير ومدير التنظيم والشؤون العامة الذين كانوا شهودا في جلسة الصلح، وفي تمام منتصف يوم الأحد 4 جوان باغتنا حوالي ألف شخص يحملون العصي ويرموننا بالحجارة فأصابوا العشرات منّا بمن فيهم الشيوخ. لم نفهم ماذا يحدث، لقد سمعنا طلقات رصاص أوقعت إحداها شابا من قبيلتنا وأصابته في رأسه، سألناه أي العرشين بادر بإطلاق النار فلم يجب، لأن الأمور وقعت بسرعة والمواجهات كانت عنيفة ولم نعرف من أطلق الرصاص، واستمرت المشادات إلى غاية الخامسة مساء بعد تدخل فرق التدخل السريع للدرك الوطني. سألناه عن سبب التناحر على أرض قاحلة جرداء لا تصلح للرعي ولا للفلاحة، فأجاب نحن ندافع عن أراضينا وحدودنا الإدارية المنصوص عليها في مخطط 84، لكن الدولة لم ترسم الحدود وأبقت على خط وهمي يفصل بيننا وبين عرش سيدي أحمد بن حرز الله الذي يريد أن يضم منطقة "قمامر" إلى إقليمه على الرغم من أن التقسيم يؤكد أنها أرض تابعة لولاية الجلفة وبالضبط إلى بلدية سد رحال. نفس الأقوال صرح بها الشيخ الشارف بن معطى الله، معتبرا أن الأرض المتنازع عليها ملك لأجداده منذ قرون وقال "إن على الدولة أن تتدخل لوضع الحدود ونحن سنرضى بما تقرّه، لأننا نحترم القانون الذي تسطّره، لكن لا نعترف بالقانون الذي يضعه أفراد من الشعب". صراع مصالح وأموال سوناطراك فجرت الفتنة على الرغم من أن التفسيرات والشهادات المقدمة إلينا من طرف المواطنين وكل عرش يدعي أحقيته بمنطقة قمامر، لكن لم نقتنع بأن المواجهات الدامية كانت بسبب رقعة قاحلة، كما أن بعض المعلومات وصلتنا تقول بأن العرشين لم تكن بينهما ضغينة أو كراهية إلى حد التناحر ويتعايشون مئات السنوات على الرغم من وجود الخلاف على الحدود الإدارية. وبعد الاقتراب أكثر من المسؤولين والمنتخبين المحليين، أدركنا وجود أسباب أخرى مباشرة في إشعال نار الفتنة التي استخدم فيها شباب العرشين كوقود. قصدنا مكتب رئيس بلدية سد الرحال بالجلفة فلم نجده، فانتقلنا إلى بيته في بلدية مسعد، واستطعنا أن نعرف منه الكثير من أسرار الصراع على منطقة قمامر بالذات دون غيرها من المناطق الواقعة بين الولايتين، ولماذا تأججت المواجهات في هذا الظرف بالذات، في البداية قال المير الحاج خليفة إن هناك مشروع أنجاز 40 سكنا ريفيا قررت بلدية سد الرحال إقامته في منطقة قمامر ووزعت قرارات الاستفادة على المواطنين ومنحتهم رخص البناء واستفادوا من الإعانات المالية لصندوق السكن، وفي كل مرة نحاول البناء نتعرض لمضايقات من طرف بلدية حاسي الدلاعة بالأغواط وبقي المشروع معطلا منذ سنة 2004 ، أي في نفس السنة التي راسل فيها المدير الجهوي لمؤسسة سوناطراك بسكيكدة المدير الولائي لأملاك الدولة لولاية الجلفة يطلب فيها تسوية وضعية الأرض الواقعة بتراب بلدية سد الرحال بالجلفة والمقام على قاعدتها محطة الضخ التابعة للشركة، هذه المحطة أنشئت سنة 1976 وبدأت في العمل سنة 1978، وبعد فتح تحقيق من طرف أملاك الدولة تبيّن أن الأرض الموجودة في المكان المسمى قمامر تابعة إداريا إلى بلدية سد رحال أقيمت عليها مجموعة من المنشأت وهي قاعدة للحياة لعمال سوناطراك، محطة ضخ ومستودعات وأحواض وحظيرة بمساحة إجمالية تقدر ب4 هكتارات تم التنازل عليها من طرف البلدية لسوناطراك مقابل 7.4 ملايين دينار جزائري، غير أن المير الحاج خليفة أكد أن سوناطراك لم تسوّ لبلدية سد رحال وضعية استغلال الأرض، كما أنها كانت تدفع الضريبة الإدارية المقدرة في حدود 12 مليار سنتيم سنويا إلى بلدية حاسي الدلاعة بالأغواط لمدة سنوات طويلة قبل أن تسوّي مديرية أملاك الدولة وضعية المنطقة المتنازع عليها وينتظر أن تضخ أموال الضريبة الإدارية لبلدية سد رحال، وهي القضية التي تعتبر جوهر الصراع بين العرشين. وما أجج الصراع أيضا، مراسلة المدير العام لشركة سوناطراك بسكيكدة السيد سليمان العربي باي المؤرخة في 27 ديسمبر 2004 إلى مدير أملاك الدولة لولاية الجلفة يطلب فيها التنازل عن قطعة أرض أخرى في نفس المنطقة المتنازع عليها لإنجاز ملحقات لإنجاز أنابيب غاز تعبر من حاسي الرمل إلى ولاية سكيكدة، وبالتالي ستوجه أيضا حقوق استغلال الأنابيب لبلدية سد الرحال. ولم يخف المير الحاج خليفة وجود مصالح مالية كبرى بين البلديتين كسبب حقيقي في إشتعال نار الفتنة قائلا: "نحن نريد الأرض وهم يريدون سوناطراك". وقد حاولنا الاتصال برئيس بلدية حاسي الدلاعة وهو منتخب عن حركة حماس لأخذ رأيه في القضية، لكن لم نجده. كما أن الوصول إلى عرش الحرازلية كان مستحيلا علينا، نظرا لتواجدهم على مسافة 160 كيلومترا عن حدود الجلفة في منطقة صعبة وجد معزولة تربط بينهم وبين أولاد يحي بن سالم طريقا صحراويا غير معبد، لكننا اطلعنا على بعض الوثائق الإدارية للتأكد من مدى صحة المعلومات، منها وثيقة المخطط الإداري الذي يعود إلى سنة 1920 وهي وثيقة قديمة تظهر أن منطقة قمامر داخل إقليمالجلفة عندما كانت دائرة تابعة للتيطري، كما أن المخطط رقم 09-84 المؤرخ في 4 فيفري 1984 والمتمم سنة 1997 يبيّن بوضوح الحدود الإدارية بين الجلفةوالأغواط ويظهر بوضوح وقوع منطقة "قمامر" على تراب بلدية سد رحال على عمق 1.3 كيلومتر.