دخلت إيران في مواجهة جديدة مع الولاياتالمتحدة. وبينما تمكنت واشنطن من تنظيم قائمة حلفائها، واستطاعت أن تجند أوربا وإسرائيل وغيرهم من التابعين، لم تجد إيران إلا سوريا وحزب الله وتنظيمات فلسطينية لا وزن لها على الساحة الدولية. عابد شارف وفرض الطرفان نقطتين أساسيتين يدور الجدال حولهما. فأمريكا تركز حملتها على نقطة أساسية وهي أن إيران دولة تساند الإرهاب وامتلاكها للتكنولوجيا النووية يفتح لها المجال أمام الحصول على سلاح نووي، مما يشكل تهديدا على السلم في المنطقة وفي العالم. أما إيران، فإنها تؤكد أنها أمضت كل الاتفاقيات الدولية، وأنها تريد أن تتحكم في التكنولوجيا لأغراض سلمية، وأن السلاح النووي لا يشكل أولوية لديها. إضافة إلى ذلك، يقول المحللون أن إيران موجودة بالقرب من دول عديدة تكسب السلاح النووي مثل إسرائيل وباكستان وروسيا والهند، ولا يوجد مبرر لمنعها من السلاح النووي إذا بقيت المنطقة كلها مزروعة بالأسلحة النووية. وتدفع السابقة العراقية إلى تصديق إيران أكثر من العراق. فأمريكا احتلت العراق بحجة أن هذا البلد يملك أسلحة دمار شامل. واتضح بعد عشرات الآلاف من القتلى وتدمير البلد أن أمريكا أخطأت، بل كذبت، حيث أن العديد من التصريحات والشهادات تؤكد أن الرئيس جورج بوش كان يعرف أن نظام صدام حسين لا يملك ذلك النوع من الأسلحة، لكنه لم يتردد للدخول في مغامرة دمرت العراق. لكن تحليل الخلاف بين إيران وأمريكا بهذه الطريقة لا يأتي بجديد. فالغرب قرر أن يمنع إيران من الدخول إلى النادي النووي باستعمال كل الطرق، وإيران بلد شيعي يستغل موقف المظلوم ليحصل على مساندة الضعفاء، دون أن يجدي ذلك في نهاية المطاف. مهما يكن، فإنه من الواضح أن الشعب الإيراني هو الذي سيدفع الثمن إذا اندلعت أزمة كبرى، فأمريكا لم تتضرر خلال ال25 سنة منذ قيام الثورة الإيرانية، لكن الشعب الإيراني واجه حربا مدمرة ضد العراق ووجد نفسه في مواجهة أدت إلى ركود اقتصادي بسبب رفض أمريكا التعامل مع طهران. وفي هذه المواجهة، يرفض الإيرانيون أن يعترفوا بواقع آخر. إنهم عادوا في ميدان التكنولوجيا النووية إلى وضع ما قبل الثورة الإيرانية. وفي الميدان العسكري والاقتصادي، عادوا إلى مرحلة الخمسينات، لما كانت إيران دولة لا مكانة لها في المنطقة. فقد كانت إيران دولة تشكل قوة جهوية لا يمكن تجاهلها في المنطقة خلال السبعينات. كان الجيش الإيراني قويا، وكانت إيران قد أبرمت في السبعينات مع فرنسا اتفاقيات تضمن لها تحويل التكنولوجيا النووية، وكانت تأمل التحكم فيها بصفة شاملة في منتصف الثمانينات. لكن التغييرات في الداخل أدت إلى انهيار الجيش الإيراني من جهة، وإلى التراجع عن كل الطموحات في الميدان النووي من جهة أخرى. وبصفة عامة، لم تسجل إيران تقدما اقتصاديا أو عسكريا أو تكنولوجيا خلال ربع قرن من الثورة الإسلامية، بسبب إقامة نظام فرض على نفسه الحصار من الخارج. وليس مهما أن نقول أن إيران كانت ظالمة أو مظلومة، وأن نحلل أخطاء إيران وأخطاء الآخرين. ولكن ما يجب الإشارة إليه هو أن إيران دخلت قبل 25 سنة في مرحلة من تاريخها وضعتها في صندوق لا يمكن لها الخروج منه. بنفس المنطق، فإن العراق دخل مع صدام حسين وضعا مماثلا. فالعراق لم يتقدم منذ اعتلاء صدام الحكم، لا من الجانب الاقتصادي أو التكنولوجي أو العسكري. ويمكن أن يقول الكثير أن صدام كاد وكاد... لولا أمريكا وإسرائيل والخيانة العربية وغيرها من الحجج الواهية. لكن السياسة لا تعترف إلا بالنتائج. فالجيش العراقي كان وهما، والقتلى العراقيون أثناء الحرب مع إيران وأثناء القمع ثم أثناء الغزو الأمريكي الأول والثاني كانوا حقيقة. والعراقيون هم أول من دفع الثمن، مثلما هو الحال في إيران، لأن سكان كاليفورنيا وجيورجيا وغيرها من المناطق الأمريكية لن يتأثروا بالوضع هنا أو هناك، بل استفادوا منه أحيانا. وهذه التجارب تشير إلى نقطة أساسية، هي أن الثورة كثيرا ما تشكل تراجعا إن لم يتم التحكم فيها. وإذا أردنا تصنيف هذه الثورات، نجد أن الثورات التي نجحت هي تلك التي كانت تعمل لتحرير المجتمعات. أما الثورات الفاشلة، فإنها تلك التي تقمع الحريات. وفي أكثر الأحيان، نجد أن هذه الثورات تنجح في مرحلة أولى لأنها تعمل لتحرير البلاد والعباد، ثم تتراجع وتقمع المواطنين وتنفي الحريات، فتفشل وتؤدي إلى الانهيار. والأمثلة عديدة، من الجزائر إلى إيران وكوبا وغيرها، تشير كلها أن الثورة الوحيدة التي تنجح هي الثورة الديمقراطية. ------------------------------------------------------------- abc@wissal.dz