لم تكد عائلة جلولي بحي كارمان بمدينة تيارت، في اليوم الثاني من عيد الفطر، أن تتجاوز خبر وفاة الأم بداء السل في مستشفى يوسف دمرجي بعاصمة الولاية، حتى صدمت بكارثة استلام جثتها وبها آثار جرح عميق مس جزءً كبيرا من قدمها اليسرى، دون أن تقدم إدارة المستشفى توضيحا للأمر، مما دفع بالعائلة إلى أن ترفع دعوى قضائية أمام العدالة للكشف عن الفاعل، قبل أن يتم إرشادها على مستوى المحكمة إلى ضرورة طلب استفسارات من المستشفى قبل طرح القضية أمام القضاء؟! وهو ما تم فعلا حيث أعلم مسؤولون بمديرية الصحة أخ الفقيدة بفتح تحقيق دون تحديد آجال الكشف عن النتائج. وقالت العائلة عن طريق بنات الفقيدة، خيرة منور، 56 سنة، أن الدعوى القضائية قدمت باسم أخيها مع تدعيمها بصور التقطت للقدم المجروحة التي يظهر عليها بوضوح تقطيع عميق إلى درجة ظهور العصب في باطن القدم وسط الطبقة الدهنية وتعرض عظم الرسغ إلى السلخ، مع تأكيد بناتها وأقاربها الذين زاروها وهي مريضة ووقفوا على رأسها ساعة الاحتضار أنها كانت سليمة القدمين، بدليل أنهم تلمسوا قدميها للتأكد من وفاتها بتحسس حرارتها، قبل تحويلها إلى المشرحة- مصلحة حفظ الجثث- ليتم استلامها في اليوم التالي وهي بوضعها الجديد، في حين قال أحد أقاربها بأنه فكر في عرضها على الطبيب الشرعي، قبل وضعها في التابوت، لكنه تراجع لما سمع بأن الطبيبين الشرعيين خرجا في عطلة بمناسبة العيد، في وقت أكد أقارب زوجها الذين نقلوا الجثة في سيارة أحدهم (تويوتا هيلوكس) بدلا من سيارة الإسعاف بأنهم انتبهوا لقطرات دم على الكفن، لكنهم لم يفكروا في أي خلفية لذلك، قبل أن تثور الشكوك بتحضيرها للدفن، حيث اتضح لكل من رأى الجثة أن أمرا غير طبيعي قد حصل، وتم اتخاذ قرار بعدم السكوت. عمق السلخ يوحي بأن القدم جرحت بآلة حادة، في وقت ما بعد الوفاة، لأسباب ترتبط بأعمال الشعوذة، سواء في مصلحة الأمراض الصدرية أو في مصلحة حفظ الجثث، حيث أن الهدوء النسبي الذي ارتبط بمناوبة العيد ربما شجع البعض على اقتطاع جزء من الجثة، وبالأخص أنه طيلة مدة مكوث المريضة في المستشفى والتي دامت ستة أيام ظهر أن السيدة (مقطوعة من شجرة) ومن عائلة فقيرة، وبالتالي لا أحد سيثير الشبهات حول عملية البتر. هذا الطرح يقابله طرح آخر يتمثل في احتمال تعرض الجثة إلى قضم جرذ أو قط، - ربطا بقضية مشابهة في ولاية أخرى- حتى ولو أن موظفين في المستشفى استبعدوا الفرضية على اعتبار أن الجثة كانت في صندوق التبريد الأعلى، كما أن هذه الحيوانات عادة ما تتجه إلى المناطق الطرية من الجسم كالشفاه والعيون. مديرية الصحة وبعد إبلاغها بالخبر عن طريق الصحافة، تحركت بنائب مدير القطاع الذي تنقل إلى المستشفى وأوفد إطارا للتحقيق الأولي وظهر من خلال تصريحات الموظفين أنهم لم يسجلوا شيئا غير طبيعي، مع احتمال أن يكون الجرح قد حصل بعد استلام العائلة الجثة، كما أن طبيبة في مديرية الصحة "د. بوخاتمي" اطلعت على صورة القدم واجتهدت لتفسيرها بفكرتين، وهي أن يكون السلخ قد تم بحثا عن عرق لوصله بالمصل - السيروم- طالما أنه في حالة الضعف الشديد للمريض يصعب العثور على العروق فيتم سلخ الجلد لكشفها، كما تحدثت عن احتمال أن يكون ذلك عرضا من أعراض السكري، قبل أن تعد بالاطلاع على الملف الطبي مع تأكيد المدير بالنيابة على إيفاد لجنة تحقيق للمستشفى مرة أخرى، وبالأخص أن العائلة تصر على عدم تجاوز الموضوع بقرارها رفع دعوى قضائية يُتوقع أن تنتهي بمطالبة وكيل الجمهورية بإعادة استخراج الجثة وتشريحها والتعرف عن سبب السلخ العميق الذي يؤكدون أنه حدث بعد الوفاة، مما يضعف تفسير البحث عن العرق من طرف الأطباء... وللعلم أن الفقيدة لم تكن مصابة بالسكري، كما أن التقرحات التي يسببها السكري تكون على شكل فقاعات في الأماكن التي تتعرض لضغط المشي- وليس الرسغ منها- كما أن السيدة كانت ماكثة في الفراش طيلة أشهر، أو على الأقل خلال الأسابيع الأخيرة، حيث اشتد عليها المرض، وأن السلخ لم يظهر عليها خلال الأسبوع الذي قضته في المستشفى قبل وفاتها. ومع عدم إشارة التقرير الطبي إلى خضوع المريضة لنوع من العلاج لمرض آخر- حسب مفتش المديرية الذي أنجز التحقيق الأولي- وباستبعاد فرضية أن تكون الجثة قد تعرضت للجريمة في بيتها بعد إعادتها من المستشفى، طالما أنها لم تمكث في البيت إلا لساعات قليلة بين إحضارها ودفنها الذي كان بعد صلاة الظهر من نفس يوم إخراجها من المشرحة، كما كانت موضوعة في غرفة ترددت عليها المعزيات ولم تغادرها بناتها ولا أختها وأمها، مما يجعل القضية تتحول إلى لغز يتطلب تحقيقا جنائيا دقيقا لفك الطلاسم وتوقيف المتورط في انتهاك حرمة ميتة.