في الوقت الذي يتم فيه الكشف عن محتوى التقرير السري الذي أعده فرع بنك سوسيتي جنرال الفرنسي في الجزائر حول الأوضاع العامة للبلاد والذي يصف فيه الجزائر بالماخور الذي يحدث فيه كل شيء من الدعارة إلى تناول المخدرات، ويصف رئيس الجمهورية بالشمولي المدافع عن الإرهاب والمانع لاستتباب الديمقراطية.. * في هذا الوقت تقريبا تكشف بعض المصادر الإعلامية عن وجود منظمة اسمها "شبكة الطلبة الجزائريين الدارسين في كبرى المدارس والجامعات الفرنسية" التي عقدت اجتماعها السنوي الأسبوع الماضي بالعاصمة الفرنسية باريس بحضور السفير الجزائري ميسوم سبيح الذي رأس في وقت سابق لجنة إصلاح الدولة الجزائرية لصالح الرئيس بوتفليقة والذي قال (السفير) في كلمة ألقاها بالمناسبة إن هذه النخبة من الطلبة الجزائريين مدعوة إلى إعطاء نفس جديد للعلاقات الفرنسية الجزائرية بما تمثله من ثقل في مستقبل البلاد، وبما تحمله من مشاريع اقتصادية وسياسية ونقل للتكنولوجيا.. وهكذا يتأكد أن الأمر في العلاقات الفرنسية الجزائرية لم يعد يتوقف على تقنين تمجيد الاستعمار الفرنسي في الجزائر ومنع الجزائريين من إصدار قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، ولكنه يمتد إلى تكوين دفعات لاكوست جديدة لحكم الجزائر من الآن لخلافة أبناء دفعة لاكوست القديمة الحاكمة حاليا، والفرق الوحيد أن الدفعات الجديدة التي تتكون لصالح فرنسا إنما تتكون من أموال الشعب الجزائري ومن الخزينة العمومية الجزائرية، كما أن الأمر لم يعد يتوقف عند الماضي والحاضر الكولونيالي لفرنسا ولكنه أصبح يعني المستقبل الكولونيالي الذي يجري بناؤه من خلال تكوين هذه النخب من دفعة لاكوست الجديدة ومن خلال فروع البنوك الفرنسية في الجزائر باتباع نفس الخطوات والأساليب التي اتبعت في بناء الماضي الكولونيالي، مع فارق بسيط وهو أن فرنسا جاءت في الماضي إلى الجزائر بالقوة العسكرية والتقتيل والحط من القيمة الإنسانية للإنسان الجزائر بدعوى إخراجه من الظلمات إلى النور، في حين تأتي اليوم أو تستمر، بتعبير أدق، بقيام الدفعات المتكونة في المدارس والجامعات الفرنسية الكبرى وفروع البنوك الفرنسية في الجزائر بإخراج هذا الإنسان من ظلمات الشمولية وتسلط بوتفليقة إلى الديمقراطية والشفافية التي تريدها فرنسا . * أما الجزائريون وخاصة منهم الأوصياء على الثورة والتاريخ فكل واحد يخبئ في نفسه بذرة من بذرات هذا المستقبل الكولونيالي، وذلك لا يتوقف فقط على الأسرار والالتزامات التي تكبل مهندسي اتفاقيات إيفيان، بل يمتد حتى إلى حافظي أسرار الحكومة المؤقتة وهي الهيئة الثورية التي يعتقد الكثير من الجزائريين أنها كانت معصومة من الخيانة والاختراق، وهذا ما يستشف من مواقف الكثير من الباقين من هذه الهيئات الذين حصروا أنفسهم أو حُصروا في زوايا ضيقة في إبداء مواقفهم مما يجري من أعمال الاستحواذ على التاريخ والحقوق التاريخية للجزائر، فيصرح بعضهم بمناسبة ذكرى أول نوفمبر هذه السنة، أنه لا يجب، في العلاقات الفرنسية الجزائرية، أن نضع الماضي والحاضر في نفس المستوى .. في حين أن الحاضر هو الماضي فيما هو واقع في هذه العلاقات .