الليبرالية الاقتصادية نظرية تنظر للإنسان على أنه قبل كل شيء كائن فرداني وأن النسق الاجتماعي والتسيير المتناسق للمصالح الفردية مضمونة من طرف السوق وآلية الأسعار، وفي منظور الليبرالية فإن الحق في الملكية مقدس والمنافسة تسبق المنفعة، كما أن الليبرالية تعني الحرية المطلقة للمبادلات من الناحية النظرية للاقتصاد الليبرالي. عبد المجيد بوزيدي ترجمة عبد الوهاب بوكروح التيارات الليبرالية في الاقتصاد يمكن تقسيمها إلى تيارين رئيسيين: 1 التيار الراديكالي الذي يحبذ ابتعاد الدولة مطلقا عن النشاط الاقتصادي. 2 التيار الذي يتمسك بمبدإ التقليل من دور الدولة إلى الحدود الدنيا، وفي هذا التيار الذي يعرف ب»الحد الأدنى لتدخل الدولة« أحد أدوار الدولة مقبول. ويحدد الليبراليون مهمتين للدولة: مهمة سلبية: ترى أنه على الدولة أن لا تتدخل في النشاط الاقتصادي، الذي يجب ان يبقى خاصا، المبدأ الأساسي هنا هو عدم تدخل الدولة. مهمة إيجابية: تتمثل في أن الدولة يمكنها المساعدة، فقط مساعدة النشاطات الاقتصادية الخاصة، ويمكن أن تقوم الدولة بهذه المهمة وفق طريقتين: 1 ضمان إجتماع كل الشروط المطلوبة للسير الحسن لنشاطات الإنتاج والتوزيع. 2 بتوفير محيط مالي مستقر إلى جانب سلسلة خدمات جماعية ضرورية من أجل الفعالية القصوى اللازمة للسير الحسن لاقتصاد السوق. وبصفة عامة فإن مجمل الليبراليين يشترطون تحرير الاقتصاد؛ بمعنى حرية وحقيقة الأسعار، حرية الاستدانة والمنافسة الحقة، وعلى الدولة إعادة تركيز دورها على مهام السيادة والتضامن وخاصة الأمن، مما يجعل منها دولة ضامنة وليست دولة مسيرة. ولكن ظهر اليوم في أوساط الليبراليين تيار يطالب الدولة بضمان تمويل الاحتياجات الجماعية ومنها الصحة والتربية والسكن، كل هذه المصالح التي تساهم في تطوير فعالية المؤسسة الخاصة ويطلب هذا التيار اليوم من الدولة أيضا لعب دور المنظم. في الاتجاه المقابل، ظهر تيار ليبرالي متوحش يدافع عن حقه في الوجود، ويطالب على العكس بالخروج التام للدولة ليس فقط من الساحة الاقتصادية، بل يتعدى ذلك إلى خروج الدولة من المحيط الاجتماعي بالقضاء النهائي على الحماية الاجتماعية التي تمولها الدولة والوصول لخوصصة كل الخدمات التي تقدمها. هذا المذهب تم تطبيقه في الولاياتالمتحدة خلال رئاسة رونالد ريغان، وفي بريطانيا مع حكومة مارغاريت تاتشر، وهما الدولتان اللتان تقومان وفقط بفرض احترام الجميع لقواعد اقتصاد السوق الحر، المفتوح والتنافسي. في اقتصاد مثل اقتصادنا (الحالة الجزائرية) هل علينا الذهاب إلى ليبرالية كاملة، ترفض تدخل الدولة إلى أقصى حد، وتسمح فقط بالسهر على ضمان السير الحسن لميكانيزمات السوق؟ والسؤال من يتكفل إذاً باستدراك التأخر في التجهيز الذي تشكو منه البلاد بعد التهديم الذي عرفته، في العديد من المناطق التي تعرف عجزا كبيرا في البنى التحتية والخدمات الأساسية (ماء، كهرباء، طرق، بنى تحتية تربوية وصحية). والأمر نفسه في مجالات البحث العلمي والاختراعات الصناعية الدقيقة؟ واقع الحال أنه لا يوجد بعد متعاملون خواص يهتمون بالاستثمار في هذه القطاعات. في الأخير، فإن هيئات الضبط اللازمة لسير اقتصاد السوق لم توضع بعد، والليبرالية الاقتصادية المنتهجة اليوم في الجزائر ستنتهي دون أدنى شك إلى الفوضى، اختلالات اجتماعية خطيرة ونقص فادح للعدالة في النشاطات الاقتصادية الإنتاجية والتوزيع. وفي كلمة واحدة، البحث اليوم عن تطبيق النموذج الليبرالي على الاقتصاد الجزائري سيكون بمثابة السير في الطريق الخطأ، وخلق توترات لا يمكن تحملها لا من الناحية الاقتصادية ولا من الناحية الاجتماعية. ورغم أن الحكومة كانت منتبهة إلى ضرورة الحد المعتبر من طابعها التدخلي والسيطرة التي أخضعت الاقتصاد لها منذ مدة، تواصل الحكومة تسوية مؤسسات عمومية منهارة ماليا، ومنع المؤسسات العمومية الناجعة من التعامل مع البنوك الخاصة، على الرغم من تواجدها الميداني القانوني، وضع العديد من الحواجز لمنع الدخول إلى العديد من قطاعات النشاط (النقل الجوي والبحري على سبيل المثال)، إرغام هيئات أو قطاعات على التزود بالسلع والتجهيزات لدى الشركات العمومية بهدف مساعدتها ماليا. العجز عن فرض احترام قانون المنافسة الذي دخل حيّز التطبيق منذ ما يقارب عشرية كاملة، الإبقاء على قوانين عمل تمنع كل مرونة وسيولة في سوق العمل (ما يمنع المؤسسات من التكيف مع ظروف السوق)... كل هذه التصرفات من قبل الحكومة تعيدنا إلى الممارسات الاقتصادية لسنوات السبعينيات وتفسر الجمود الذي يطبع الاقتصاد الجزائري وبالتالي عدم فعاليتها. لا يجب أبداً ان ننسى بأن اقتصادنا اليوم مفتوح (اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي، الدخول إلى منظمة التجارة العالمية) وعليه أن يواجه منافسة شرسة وعلى الحكومة من جانبها المساعدة على تحرير المبادرات وترك المقاولات تعمل في إطار تنافسي.