الدور المصري ظل بعيدا عن شركاء الأزمة لرفض مصر مبدأ تقرير المصير شهد السودان في الآونة الأخيرة استعدادات مكثفة لإجراء الاستفتاء والمقرر إجراؤه في التاسع من يناير من العام القادم، ومع تحديد موعد الاستفتاء تسارعت الجهود السياسية لمنع اندلاع حرب بين الشمال والجنوب في حالة الانفصال وعقد اجتماع بين قادة الشمال والجنوب، تم خلاله الاتفاق على عدم العودة إلى الحرب مرة أخرى، لإبقاء الحدود مفتوحة، وفي ظل تلك الأجواء أدلى السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة السوداني بحوار شامل تناول فيه وجهة نظره إزاء تلك التطورات: * مع بدء الاستعدادات لإجراء الاستفتاء لتحديد مصير الجنوب يوم 9 يناير القادم. ما هي انعكاسات نتائج الاستفتاء على أمن واستقرار السودان؟ * هناك احتمالان لهذا الاستفتاء، إما أن يجري استفتاء حر ونزيه في مناخ سياسي صحي تعالج فيه القضايا الخلافية بالتراضي فيحقق بذلك نتيجة تحظى بشرعية وطنية وإقليمية ودولية فينهض السودان لدولته الموحدة على أسس جديدة، أو من خلال دولتين تربطهما علاقات توأمة طبقا للشروط المتفق عليها قبل الاستفتاء. * أما الاحتمال الثاني فهو أن يجري استفتاء لا حر ولا نزيه، مختلف على نتائجه، وهو ما سوف يلقي ظلالا على نقاط الخلاف الكثيرة فتلتهب، محدثة براكين قتالية داخل الشمال وداخل الجنوب، تشد إليها كافة التناقضات الموجودة في القارة والبحر الأحمر والشرق الأوسط وفيما وراء البحار، والمطلوب في تلك المرحلة إيجاد آلية مجدية للتعامل مع الخلافات بين الشمال والجنوب حتى لا تلقي بظلالها على الاستفتاء، وكذلك الاتفاق على شروط تتجاوز اتفاقية السلام الحالية لوحدة تقوم على درجة أعلى من الندية والتوازن وعلى خطة بديلة في حالة الانفصال. * * وما هو الدور الدولي والعربي المطلوب في تلك المرحلة؟ * أمريكا وأوروبا وبعض الدول الإفريقية يمكن أن تسهم في إجراء استفتاء حر ونزيه وتعامل راشد مع النقط الخلافية، واعتقد أن هذه هي الفرصة الوحيدة للولايات المتحدة لنحقيق نجاح في سياستها الدولية، أما بالنسبة للدور العربي في هذا المجال فهو الحرص على حث كافة الأطراف السودانية على حل الخلافات بالصورة السلمية وتجنب الاقتتال ودعم المشروعات التنموية بكل الوسائل الممكنة، وفوق كل هذا إظهار درجة عالية من الاهتمام الرسمي والشعبي، لأن القضية تهمهم بصورة مباشرة وكذلك الحرص على تجنب الانحياز لطرف على حساب الأخر. * * وما هي احتمالات أن يقوم الاستفتاء على وحدة على الرغم من أن كل الاحتمالات ترجح الانفصال؟ * هذا الاحتمال وارد، والذي سوف يقرر هذا هم النخب وليس المواطنين، والنخب من القادة السياسيين في الجنوب يعرفون أن الانفصال بشكله الحالي سوف يضرهم ليس بسبب علاقتهم مع الشمال بل داخل الجنوب نفسه، لأن ضحايا الحرب الجنوبية الجنوبية أكثر بكثير من ضحايا الحرب الجنوبية - الشمالية، لأن الخلافات بين الجنوبيين كبيرة جدا والجنوب ليس به وحدة وطنية بالقدر الذي يجعله يحتوي هذه المشاكل. * * ولماذا رفضت الاستجابة لدعوة حزب المؤتمر الوطني للعمل من أجل الوحدة؟ * نحن نعتقد للأسف أن أي صلة بالمؤتمر الوطني حول قضية الاستفتاء أو تقرير المصير تأتي بنتائج عكسية، لأن هناك للأسف مجموعة من العلماء ليسوا بعلماء، ولكنهم ظلماء يتحدثون بلغة أن الجنوبيين كفار، وهذه اللغة يجب أن نسكتها، وتحدثت مع قادة المؤتمر الوطني بضرورة سن قانون لإسكات هؤلاء الدراويش لكنهم لم يستجيبوا وكأنهم في عملية توزيع للأدوار، وهذا يخلق عداوة وبغضا شديدين، لأنه يعزز فكرة أن الجنوبيين عنصريون ولم يحدث تدخل ضد هؤلاء إلا بعد تدخل القذافي والذي تحدثت معه في هذا الأمر. * * وما هو تقييمكم للموقف المصري فيما يحدث؟ * للأسف، مصر ابتعدت عن الموضوع رغم أنه كان لابد عليها المشاركة، لأنها ترفض عملية تقرير المصير، ومن هذا المنطلق ابتعدت تماما عن كل إجراءات السلام. * * وهل ترى خطورة على مياه النيل إذا حدث انفصال جنوب السودان عن شماله؟ * لاشك ان القضية خطيرة، لأن هناك انقساما في المياه قبل انقسام الجنوب والتصرفات حول هذا الموضوع الآن غير صحيحة، فالسودان اخطأ برفضه المشاركة في مبادرة حوض النيل، كما أنه لابد الاتفاق على موضوع مياه النيل التي تتدفق في بعض مناطق الجنوب، لأنه للأسف إذا حدث انفصال عدائي، ستبقى جوبا مركزا من مراكز التعبئة المضادة بالنسبة لدول المنبع لذلك العداوة مع الجنوب خطأ والعداوة مع دول المنابع خطأ، ولابد أن نعرف طريقا للاتفاق معهم حول مياه النيل، حيث انها قضية تحتاج إلى إستراتيجية مختلفة عما يحدث الان. * * هل تعتقدون أن هناك مؤامرة خارجية على السودان لتفتيته؟ * الأعداء هم أعداء سواء كانوا إسرائيل أو الهيمنة الدولية، وهم ينتهزون كل فرصة ليتدخلوا، والمشكلة ان التآمر هو الخطأ والعيب الداخلي، لأن العيب الداخلي هو الذي فتح الطريق لهذه المؤامرات لتنجح. * * وما تأثير الانفصال في قضية دارفور؟ * مشكلة دارفور ستتعقد أكثر مع ما يحدث في الجنوب، لأنه للأسف مسألة تقرير المصير في الجنوب (خصوصا إذا ادى إلى انفصال عدائي) ستصير هذه سابقة ليس فقط العلاقة بين الشمال والجنوب في السودان، لكن في الإقليم كله، وسيكون ذلك المدخل لتفتيت البلدان. * * إذن هل بوادر الحرب موجودة؟ * بوادر الحرب موجودة ليس فقط بين الشمال والجنوب، بل في الشمال نفسه حول قضية دارفور، فقضية دارفور تعقدت كثيرا منذ إفريل الماضي وهناك حروب الان جنوبية - جنوبية، الحرب مشتعلة للأسف الشديد، نحن أمام موقف خطير وويجب أن تلتقي القيادات السودانية كلها بصور حاسمة وسريعة وجادة وتنظر في هذه القضايا لإزالة أسباب الحرب والاتفاق على ما يرجح الوحدة، وإن لم تكن وحدة فعلاقات خاصة ووضع آلية لحل العشرين مشكلة المعلقة، وحل مشكلة دارفور وتوفير الحريات وتوفير الظروف لاستفتاء نزيه وحر، وفي رأيي إن لم يحدث هذا كل الأمور للأسف دافعة بالبلاد إلى مواجهات حربية لن ينجو منها أحد، لأنها ستؤدي إلى مواجهات عربية - افريقية ومواجهات داخل السودان، للأسف ستكون حربا قارية لابد من التحرك بسرعة وجدية لغلق أبواب الحرب القادمة .