أشعلت الحربُ المُندلِعة بين حزب الله وإسرائيل منذ خمسة وعشرين يوما حربا مُوازية من الفتاوى بين "علماء" السنّة في العالم العربي الإسلامي، تراشقوا خلالها بالأدلّة والبراهين حول "شرعيّة" الدخول في هذه الحرب إلى جانب حزب اللّه الشيعيّ، فاعتبره علماء السعودية فرقةً من الرّوافِض الذين لا يجوز الدّعاء لهم، وقد تزعّم هذه الفتاوى الشيخ ابن جبرين من كبار مُفتيي السّعودية الذي اعتبر الشيعة أكثر خطورة على الإسلام من اليهود والصليبيّين، وفي الضفّة المقابلة وقف علماء من أمثال القرضاوي وسلمان بن فهد العودة ودعاة وزعماء حركات إسلامية كزعيم الإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف، الذين رأوا في فتاوى السعوديّين شقّا لصفّ الأمّة، واعتبروا حزب الله جماعة مسلمة تُدافع عمّا تبقّى من شرف الأمّة وتخوض بطولات في سبيل العزّة الإسلاميّة الضّائعة. م/هدنه وهنا في الجزائر لم يختلف الوضع عمّا يحدث في العالم العربي الإسلامي، حيث اشتعلت المنابر بحرب تبادل فيها الأئمّة المُناصرون لحزب الله الاتّهامات مع التّيار السلفي الذي يُدين بالولاء بكُلّ ما هو آت من السعودية وعلمائها الذين لا يستطيعون الخروج عمّا يقوله السّلطان ويأمر به، لأنّ في الخروج على السّلطان فتنة كُبرى، أكبر ممّا يفعله اليهود بالمسلمين اليوم، في لبنان وفي فلسطين، حسبهم! "حرب المنابر" هذه التي اشتعلت في مساجدنا بعد اندلاع الحرب بين مسلمين ويهود، جعلت وزارة الشّؤون الدّينية تلجأ إلى ضبط الأمور حتّى لا تحدُث "فتنة" في البلاد وإلى رسم خُطّة لامتصاص الضغط الشعبي المُتصاعد، فحثّت أئمّة المساجد على تناول موضوع الحرب "بذكاء" كالدّعاء للإخوة في لبنان بالنّصر من دون أيّ دعوة للاستعداد للجهاد أو القول إنّ الجهاد بات فرض عين على كل مسلم ومسلمة وإمطار اليهود بسيول من أدعية التّدمير والتفجير والتشتيت، لكنّ الكثير من الأئمّة لم يتمالكوا أنفسهم، ففارت دماؤهم للنّخوة الإسلاميّة وراحوا يدعون لزعيم المقاومة الإسلامية حسن نصر الله بحفظ الله ورعايته، الأمر الذي أثار كثيرا حفيظة أنصار التيار السلفي، مما جعل أحد الأئمّة من هذا التيار يصف صحيفة وطنية تقف إلى جانب المقاومة بالجهل. في هذا السياق يقول الشيخ عبد الرحمان شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين للشروق اليومي إنّ على الجزائريّين ألاّ يسمعوا لهذه الأصوات النّشاز التي تُحاول شقّ الصفّ الواحد، ويُضيف الشيخ مُتحدّثا للشّروق اليومي أن مُجمّع الفقه الإسلامي الدّولي الذي يتّخذ من مدينة جدّة السعوديّة مركزا له يعترف بمذهب الإثنى عشريّة الشيعي من بين ثمانية مذاهب إسلامية كاملة، والإثنى عشرية هو مذهب السيد حسن نصر الله، وعلى هذا الأساس يُضيف شيبان مُستغربا "كيف تعترف السعوديّة بمذهب ثمّ يُفتي عُلماؤها بحُرمة نُصرة هذا المذهب، بل وحُرمة الدّعاء له!!؟" ويسترسل مُحدّثنا قائلا إنّه يُمثل الجزائر في هذا المُجمّع ويرى كيف يُحظى أصحاب المذاهب الثّمانية بالتّقدير من طرف السعودية ويُؤكّد أن العلماء في هذا المذهب أفتوا بإسلام كلّ من يعمل بمذهب من هذه المذاهب، وهو ما يعني أنّ شيعة حزب الله مُسلمون مثلنا. وكانت الشروق اليومي قد تلقت عدة اتصالات من بعض الائمة المحسوبين على التيار السلفي ينتقدون فيها تضامن الشروق اليومي مع المقاومة اللبنانية، حيث قال بعضهم ان حزب الله فئة ضالة لا ينبغي نصرتها وذهب البعض الى القول انه أخطر على الاسلام من اليهود، ولسنا ندري من أين يأتي هؤلاء بهذه التصورات الخطيرة التي تهدد كيان الامة وكيف تتحول المقاومة الى فعل مشين على هذه الدرجة من الخطورة. ومن حسن الحظ ان هذا النوع من الائمة قليل في الجزائر وليس له تأثير على الرأي العام.