راهنت الكثير من القوى الداخلية والخارجية على استنساخ أحداث تونس ومصر وإسقاطها على الجزائر من خلال تنظيم مسيرات شعبية، دعت إليها التنسيقية الوطنية للتغيير والديمقراطية على مدى (سبتين) متتاليين، لكن مسيرة هذا السبت عرفت فشلا ذريعا، وكانت مرة أخرى خيبة أمل مريرة للمنظمين والمتحفزين وكذا المتحمسين من وراء البحر الذين كانوا متعطشين لرؤية الجزائر ومدنها الكبيرة كلها نار ودخان وضحايا وأشلاء. ولكن هل يعني هذا الفشل أن الشعب الجزائري لا ينشد التغيير ولا يصبو إلى رؤية جزائر جديدة، قوية وديمقراطية؟ أبدا، إن التغيير مطلب شعبي مشروع ومُلح، سيما في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد في سياقها الإقليمي والدولي، لكن الشعب الجزائري لم ير فيما يُسمى بالتنسيقة الوطنية للتغيير والديمقراطية ووجوهها وروادها الأداة المثلى والوسيلة المقنعة لإحداث التغيير المنشود ولم يلمس الصدق والإخلاص والنزاهة التي تدفعه إلى السير وراء هؤلاء "الزعماء" القدماء "المعتقين" الذين حاولوا تلميع صورهم ليظهروا على أنهم وجوه جديدة هم الأحق والأجدر بركوب موجة التغيير. إن التغيير الشامل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا حق ومطلب كل الجزائريين على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم، لكن ليس بأيدي أمثال سعيد سعدي ومن على شاكلته، بل إن هؤلاء هم الذين يجب أن يتغيّروا ويجب أن يغيبوا عن المشهد السياسي والإعلامي في الجزائر ويتركوا القيادة والزعامة لشباب الاستقلال ذوي القدرات والكفاءات النادرة وما أكثرهم. والسؤال المحيّر والمقلق الذي يجب أن يطرح بمرارة في هذا السياق هو: أليس نظام الحكم في الجزائر هو من الذكاء والخبرة والنباهة ما دفعه إلى استباق الأحداث، فأخرج إلى الواجهة هذه التنسيقية بتركيبتها ورجالها وشخوصها لتتزعم المسيرات والمظاهرات دون غيرها حتى ينفر الشعب منها، بل ويقف ضدها؟! ومن ثمّة إلهاء الجماهير وصدها نهائيا عن التفكير في التغيير وإقناعها بأن الموجود المعلوم بعلاّته أحسن من القادم المجهول بشطحاته، وأنه ليس في الإمكان أحسن مما كان. إن بعض ألسنة السوء تذهب أبعد من ذلك وتقول إن أغلب المظاهرات والمسيرات التي انتظمت في الأسابيع الأخيرة هي من صنع النظام مثلما حدث في 5 أكتوبر 88، غير أن هذه المرة كان التحكم فيها أحسن وأقوى وسُيّرت في الاتجاه الذي يخدم بقاء النظام وتثبيته. لكن المنطق والواقعية ومجريات الأمور تفرض على أصحاب القرار استشراف المستقبل واستشعار رغبات الجماهير، وذلك باستباق الأحداث إيجابيا من خلال إحداث التغييرات الشاملة التي ينشدها الشعب، فليس كل مرة تسلم الجرة. إن الرتابة والملل والصمت واللامبالاة تجاه المطالب الشعبية ستؤدي إلى ما لا تحمد عقباه إذا لم يتم التكفل بها سريعا عبر جملة من التغييرات والقرارات التي يجب أن تشمل مختلف الهيئات والمؤسسات الحكومية والسيادية والاقتصادية، ومخاطبة الجماهير مباشرة، وفتح المجال السياسي والإعلامي على مصراعيه لمختلف القوى والاتجاهات السياسية والفكرية.