كشفت دراسة أعدها الديوان الوطني للإحصاء بعنوان "نظرة على الوضعية الديمغرافية للجزائر وآفاق 2030"، عن تراجع كبير في عدد الولادات في السنوات الأخيرة، مقارنة بما تم تسجيله قبل 16 سنة، وبيّنت هذه الدراسة التي اطلعت عليها "الشروق اليومي" أن عدد الولادات الأحياء في مطلع التسعينيات يفوق ذلك المسجل في السنوات الأخيرة، بما فيها سنة 2005. محمد مسلم وبالعودة إلى تفاصيل هذه الدراسة التي مسحت 15 سنة، بداية من 1990 إلى 2005، نكتشف أن ذروة عدد الولادات يعود إلى سنة 1992 بواقع 799 ألف مولود حي، فيما سجل وفاة 160 ألف من كل الأعمار، تليها سنة 1994 بواقع 776 ألف مولود حي ووفاة 180 ألف، ثم 775 ألف مولود حي لكل من سنتي 1990 و1993 ووفاة 168 ألف، بالنسبة للأولى و151 ألف بالنسبة للثانية. غير أن المفاجأة تكمن في تراجع عدد الولادات في سنوات 2002 و2003 و2004، التي انخفضت بها إلى 617 ألف، و649 ألف و669 ألف مواليد أحياء على التوالي، فيما بلغ أدناها في سنة 2000 التي سجلت 589 ألف مولود حي فقط. أما عدد الوفيات من كل الأعمار، فقد بلغت 138 ألف و145 ألف و141 ألف و140 ألف على التوالي. وعلى الرغم من أن الزيادات في عدد الولادات عاودت في الارتفاع منذ سنة 2000، لتصل في سنة 2005 إلى 703 ألف مولود حي، إلا أن هذا العدد يبقى دون الأرقام المسجلة في السنوات الخمس الأولى من عشرية التسعينيات، التي بلغت أقصاها سنة 1992 بواقع 779 ألف مولود. وقدمت الدراسة أرقاما أخرى تتعلق بعدد الزيجات في السنة والتي تعتبر عاملا مهما في تفسير هذا التراجع الحاد في عدد الولادات، وهنا أشارت الدراسة إلى أن عدد الزيجات بلغ 280 ألف زيجة في سنة 2005، مسجلة ارتفاعا محسوسا بلغ 12 ألف حالة زواج، بنسبة زيادة قدرت ب 4.4 بالمائة، إلا أنها مع ذلك تبقى دون المستوى الذي سجلته نسبة الزيجات في العشريات السابقة والتي لم تكن تقل عن 10 بالمائة سنويا. وتؤكد هذه النتائج أيضا الأرقام التي كشف عنها وزير التربية الوطنية أبو بكر بن بوزيد في تصريح له بمناسبة الدخول المدرسي للموسم الحالي 2006 / 2007، والتي بينت تراجع عدد التلاميذ المسجلين في السنة الأولى ابتدائي، مقارنة بالسنة الماضية، الأمر الذي دفعه إلى حث الجزائريين على الإقبال على الزواج، مستأنسا بالتحسن الذي عرفته الوضعية الاجتماعية للجزائر، لاسيما على مستوى قطاع السكن الذي أصبح يوفر عروضا مختلفة للاستفادة من السكن بأسعار في متناول الراغبين، على اعتبار أن هذا القطاع يعد عاملا مهما في الإقبال على الزواج. ويمكن تبرير ما قاله وزير التربية الوطنية بالرجوع إلى عدد الولادات في سنة 2000 التي شهدت أضعف نسبة في عدد المواليد على مدار ال 15 سنة التي شملتها الدراسة، مع العلم أن سنة 2000 هي السنة التي ولد فيها التلاميذ المتمدرسين لأول مرة في الموسم الدراسي الجديد، بحكم السن القانوني للتمدرس. هذه الدراسة الديمغرافية، وإن حملت تباشير تفيد بوصول عدد سكان الجزائر في الفاتح من جانفي 2007 إلى عتبة 33.8 مليون نسمة، متخطية بذلك الرقم الذي تم تسجيله مطلع السنة الجارية والمقدر ب 33.2 مليون نسمة، إلا أنها حملت من جهة أخرى، مستجدات "غير سارة"، وهي أن الزيادة التي سجلت بعنوان سنة 2007 والمقدرة ب 600 ألف نسمة، ليس مردها إلى عدد الولادات فحسب، وإنما لارتفاع عامل الأمل في الحياة الذي وصل إلى 75 سنة بالنسبة للجنسين (74 سنة للرجال، و75 بالنسبة للنساء)، مما يعني بالنتيجة أن الجزائر تتجه تدريجيا نحو فقدان خصوصية ديمغرافيتها التي ظلت على مدار سنوات يتشكل ثلثاها من فئة الشباب. وقد اعتمدت هذه الدراسة الديموغرافية على معطيات مستقاة من دفاتر الحالة المدنية بعنوان الولادات التي شهدتها سنة 2005، والتي كشفت عن زيادة ديموغرافية قدرت ب 4.9 بالمائة، مقارنة بسنة 2004، على الرغم من الارتفاع المحسوس في عدد الوفيات المقدر بستة آلاف حالة، مقارنة بسنتي 2003 و2004 اللتين شهدتا تراجعا نسبيا، حسب نفس الإحصائية. وتبين هذه الأرقام أن الزيادات في عدد الولادات التي عادت إلى الارتفاع منذ سنة 2000 إلى يومنا هذا، لا زالت مع ذلك لم تصل في سنة 2005 التي سجلت 703 آلاف مولود، إلى معدل سنة 1990 التي شهدت 775 ألف مولود حي، مما يعني بالنتيجة أن الزيادة الإجمالية في عدد الجزائريين المرتقبة بعنوان 2007 لم يساهم فيها عدد الولادات فحسب، وإنما لارتفاع عامل الأمل في الحياة، الأمر الذي ينذر بشيخوخة مؤكدة للمجتمع الجزائري.