ما يحدث في العيادات العامة والمستشفيات المتخصصة في التوليد ساعة الإفطار أمر لا يتصوره عقل ولا يقبله ضمير، لأطباء وممرضات وقابلات طلّقن الإنسانية وتحولن إلى جلادات لنساء على فراش الموت، ذنبهن الوحيد أن المخاض لازمهن ساعة الإفطار ليجدن أنفسهن وجها لوجه مع الموت دون قابلة ولا ممرضة ولا حتى منظفة، فالإفطار عند هؤلاء أهم من قدوم الجنين وحياة أمه. * كم هي كبيرة معاناة المرأة الحامل بأوجاع الولادة وهي تتنقل من مستشفى إلى آخر ومن عيادة إلى أخرى، والعبارة الوحيدة التي تتردد على مسامعها "ماكاش بلاصة"، فالسب والشتم وحتى الصراخ والضرب التي تتعرض له الحوامل في مستشفياتنا بات مألوفا وعاديا من طرف قابلات لسان حالهن يقول "لي ماعجبوش الحال يروح للخواص"، هذا في الأيام العادية أما في رمضان فحدث ولا حرج، فمشاهدة طبيب نائم وقت الدوام وصراخ المرضى يتعالى، أو قابلة تتناول وجبة الإفطار والحامل على فراش الموت تصارع المخاض، أمرا ليس غريبا في الكثير من العيادات العمومية للتوليد، وهذا ما شجع على الهجرة الجماعية نحو العيادات الخاصة ولو تطلب الأمر الاقتراض أو بيع الحلي ولوازم البيت، المهم تفادي الذل والقهر والظلم الذي تتعرض له العشرات من الحوامل في مصالح عمومية للتوليد باتت ملكا للبروفيسور وحاشيته. * حوامل يستغيثون من غرفة العمليات في رمضان * أول عائلة اتصلت بنا لتروي مأساتها مع عيادات التوليد العمومية كانت عائلة بن مصباح من بوزريعة كان قدرها أن "تتمرمد" ابنتهم بين مستشفيات العاصمة التي لم ترحم حالها وهي تصارع الألم، وما أدراك ما ألم الولادة، وبعد رحلة طويلة من مستشفى مصطفى باشا إلى مستشفى بارني ثم مستشفى القبة استقر بها الأمر وهي لا تقدر على الوقوف في عيادة زينب بحسين داي، وأول شيئ استقبلت به هناك هو تمزيق ملفها الطبي من طرف ممرضة كانت في الاستقبال، وبعدها انهالت عليها عدد من القابلات بالصراخ والتوبيخ لا لشيئ إلا لأنها جاءتهم ساعتين قبل الإفطار الذي كن يحضرن له بشغف كبير، حالة الحامل وهي تفترش الأرض من شدة الوجع لم تشفع لها عند القائمين على العيادة الذين أكدوا لها استحالة استقبالها والحجة معروفة "ماكاش بلاصة"، ولحسن الحظ أن أحد أقارب العائلة له علاقة مع مسؤول بمستشفى مصطفى باشا الذي بدوره اتصل بمسؤول في العيادة، وهذا ما جعل القابلات يسقن ابنة عائلة بن مصباح "سعيدة" إلى إحدى الغرف وبعدها إلى قاعة التوليد. * سعيدة تروي لنا ما حصل في قاعة الولادة "كانت الساعة تشير إلى السابعة مساء، شعرت بألم شديد يعتري جميع أنحاء جسمي وإذا بالمخاض بدأ يلازمني تدريجيا، ومع آذان المغرب ذهب كل من حولي وأنا أصرخ، لا تتركوني سأموت، لكن لا أحد أجابني فالكل ذهب ليفطر، ومن شدة الألم والصراخ الذي كاد يقطع أحبالي الصوتية فقدت الوعي وظننت حينها أنها النهاية، وبعد ساعة من الزمن استفقت وإذا بقابلة أمامي تنظر إلي بنظرات لسان حالها يقول "واش أداك تولدي في رمضان"، فقلت لها لماذا ذهبتم وتركتموني أموت، فلم يجبني أي أحد وحينها حمدت الله لأن الصبي لم يخرج ساعة الإفطار لأنه لن يجد أي أحد في استقباله، فالكل كان مشغولا بوجبة الفطور"، وكان قدر سعيدة أن تلد على التاسعة ليلا لحسن الحظ. * قصة أخرى لعائلة دريدي من بئر خادم التي قصدت مصلحة التوليد وطب النساء لمستشفى مصطفى باشا في الأسبوع الثاني من رمضان، على الساعة الثامنة مساء، لتتفاجأ ببعض الممرضات اللاتي كن منشغلات بوجبة الإفطار، ومع إصرار العائلة على إدخال ابنتهم للولادة أجابتها إحدى القابلات "الطبيب غير موجود، ولا مكان عندنا عودي غدا"، وهذا ما جعل العائلة تتوجه مباشرة نحو مستشفى بارني الذي بدوره رفض استقبال الحامل التي اضطرت في الأخير إلى الولادة في عيادة خاصة مقابل 07 ملايين سنتيم. * وحسب شهادة امرأة وضعت مولودها مؤخرا في مستشفى مصطفى باشا فإن الولادة في ساعة الإفطار تعتبر انتحارا، لأن جميع الممرضات وحتى القابلات والأطباء يهجرن المرضى ليجتمعوا في غرفة معزولة لتناول وجبة الإفطار وبعدها القهوة والشاي، هذه بعض الشهادات لعائلات خرجت عن الصمت واتصلت بالشروق اليومي لسرد ما حدث لها من سوء معاملة وما خفي كان أعظم لمستشفيات تحولت إلى "باطوارات" ..