(الحلقة الرابعة والأخيرة) أبدع الشاعر الصوفي الحاج أسعيذ -أيضا- في مجال الشعر الاجتماعي، فدعا إلى إحياء الإسلام الصحيح، الذي يقتضي إعادة الاعتبار للعلم والتعلم، فدعا إلى تبجيل العلماء والمتعلمين وطلاب العلم، باعتبارهم حراس الملة والعقيدة، ونبراس الأمة، يهتدي الناس بنور علمهم، المفضي إلى الطريق المستقيم. ودعا شاعرنا الزاهد إلى الإقلاع عن الرذيلة، كالكذب، والنفاق، والغش والجشع، وشرب الخمر، وإلى التحلي بالمعاملة الحسنة التي تعد من أسس الدين الصحيح. هذا وقد تجلى دوره الإرشادي في العديد من الأبيات الشعرية، التي وظف فيها كلمات وعبارات ذات دلالات توجيهية وتثقيفية، منها "أكُونْرَشْذ َغ ْ" أي أرشدكم، و" ألفَاهْمِينْ" و"أويذ ْ أيْفَهْمَنْ الرّمُوزْ" يقصد بهما أهل النهى: * رَشْذغْكْ ولانْ ذحَسّاسْ ِونَا ثَكْشْمْ لفْهَامَا ......... أكُونْرَشْذغ ْ ألْ إسْلامْ اُوحْذِيقْ يَفهَمْ يَشْفىْ ......... بيغْدْ أسَفْرُو أفْ ألِيفْ ألفاهْمِينْ أويذ ْ يَغْرَانْ المتعلمون والعلماء بيّن الحاج أسعيذ في شعره، المكانة المرموقة التي كان يتبوأها المتعلمون والعلماء في مجتمعه، ولا شك أن المقصود بكلمة "العلماء" هم المتفقهون في الدين، (شيوخ وطلبة الزوايا) الذين اشتهروا في بلاد الزواوة باسم "المرابطين"، وكانوا يشكلون النخبة المثقفة، عرفوا بجهودهم الجبارة الهادفة إلى نشر التعليم وتكريس القيم الإسلامية السمحة، كالرحمة والعدل والتعاون والأمن والسلم والمصالحة، وإصلاح ذات البين: يَتسْرُ وُولْ مِيدِيفَكرْ العُلَمَا الْعَامِلِينْ ألْهَذرَنْسَنْ سَلْجْهَرْ مَايْطَسْ ألعَبْذ أثْسَكِينْ مَا تسُورَا إطِيجْ يَنْقَرْ أقْلِيلْ ويْتَبْعَنْ الدِّينْ ...... أصْلاة فنبي سِي نُومَنْ ذلخلفَا أذ ْ يَحْبيبْنِيسْ أذلَشْياخْ يَدَرّيسَنْ أمْلانْ أبْريذ ْ إلَعْبَاذيسْ ويذ ْ نَسَّنْ عَدّانْ رُوحَنْ اُورْ يَكْفِي حَدْ أشُوغْلِيسْ وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية، جندت فرنسا الكثير من الجزائريين وزجتبهم في الحرب وليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل، ومن بين هؤلاء المجندين قسرا، طلبة الزوايا، فتأثر الحاج أسعيذ أيما تأثر بإفراغ هذه المؤسسات التعليمية التقليدية من طلبتها، وهي ذات مكانة مرموقة في المجتمع فقال: غاضْنِيي أطلبَا أمْسَكِيثْ كُلْوَا يَجّادْ ثالْوحْثِيسْ أيْزَڤْريثَنْ آكْ إوَمَانْ إفرَنسا لعْبَنْ ألڤَرْسِيسْ نَعْرَمْتْ أسَادَاة ْ يَقْوَانْ كُلْوَا ثَرَّمْتْ سَاخامِيسْ
التعاون على البر أشار الحاج أسعيذ إلى واجب المسلم في تقديم الموعظة وإرشاد أخيه المسلم إلى الصواب في تلك الظروف الاستعمارية الحالكة، التي قد يندفع فيها الفرد نحو الانحراف عن جادة الطريق المستقيم: ألْمُومْنِينْ يَلْهَا أتسْفَكُورْ أكَّا إدِينَا لُقْرَانْ مِي إثوَلامْ أبْعَاضْ مَغرُورْ أرْثَتسْ سابْريذ أيْصَحَّانْ أذ ْ فَلاسْ فَرْزَنْ لُمُورْ مَايَرْنَا يََطلبْ الغُُفرانْ * رذيلة الكذب تعرض الشاعر بالذكر للكذب في أكثر من موقع، ولا غرو في ذلك ما دامت هذه المثلبة الخطيرة تفضي إلى تخريب المجتمع، وتنزل فاعلها إلى الدرك الأسفل، فيسقط في عيون الناس: مَاشِي أمِنْ يَسْكِيدِيبَنْ يَسْثَهْزَا ذڤْ مَانِيسْ إدُونِيثْ مَدَّنْ أثكرْهَنْ اُورْ يَسْعِي حَدْ ذارْفِقِيسْ ذڤْ زَكَّا مَرَثسَرْسَنْ أذيَافْ حَرْصَنْ لحْيُوضِيسْ
شهادة الزور أما رذيلة شهادة الزور التي تؤدي إلى ضياع حقوق الناس، والى قصم ظهر فضيلة العدل والإنصاف، والى زرع الأحقاد والضغائن بين الناس، فقد دعا إلى الابتعاد عنها: أخْضُوكْ إشهَادَا نَزُورْ أوْلاشْ لخدَع ْ إثِيشْبَانْ ثتعَبيضْ أدْنُوبْ ذاعَمُورْ يَاكْ يَجَّ إمَانِيسْ عَرْيَانْ أيْڤَوْعَرْ ألوَحْشْ ألَقبُُورْ أفِينْ اُورَنْخَدّمْ لوْقَامْ ...... أسْمِي إنَتسْشَهيذ سَزُورْ إنحْصَا لوشْغالْ أرْوينْ
النفاق والجشع ذكر الشاعرالزاهد أن المنافق يظهر ما لا يبطن، فقلبه مفعم بالشرور، في حين يخادع الناس بالكلام المعسول، لقضاء حوائجه بالتي هي أسوأ. أما الجشع فهو رذيلة تجعل صاحبها يأكل لحم إخوانه أثناء المعاملات التجارية، دون اعتبار لقيمة الرحمة التي يلقي بها وراء ظهره، ولسان حال المصاب بهما يقول "سمعنا وعصينا": ألقومْ أڤِي اُورْ يعْجيبْ أيْسَرْوَثْ أزُوڤَارْ حَافِي إلسِيسْ ذالوڤغانْ ذورْضِيبْ اُولِيسْ أسْ قوضْرَانْ يَضْفِي أفْكَاسْ أذ ْيَتشّار ألجيبْ أكْرَا أيْعَدّانْْ اُورَسْدِشْفِِي أذِيتسْْڤالا أذِِيسْكِيدِيبْ يَسْعَ لبْحََارْ اُورْثِيكْفِي أكْسُومْ بَايِثْمَاسْ ذزْبيبْ ذازَڤْزَاوْ اُورْ ثِيتسْغانْفِي يَرْْنَا عَبْذ َنْ أصْليب يَفَّغْ أبْريذ ْ ذِيمَنْفِِي
الربا والنميمة ومن مظاهر الفساد الخلقي، التي أشار إليها الحاج أسعيذ، الربا، والخداع، واحتكار السلعة، والنميمة، هي مظاهر عمّ خطرها في مجال المعاملات اليومية، في زمن شيخنا المتصوّف: ألقُومْ يُومْنَنْ سَلْبدْعَا اُورْ يَتسْكِيلْ ربّي أثِيرْزَقْ أرْبَا لكْذبْ لخْدِيعَا مَاذلحْرَامْ حَدْ مَاسِيشْفَقْ فرْحَنْ مِي أغلايَثْ أسْلعَا أكْسُومْ نَڤْمَاسْ أثِينْفَقْ ..... أخْذم ألخِيرْ أرَّبِّي أضْمَعْ أذبَابْ لُخْزَايَنْ أطَاسْ حَاذرْ لحْرَامْ أكِيبْلَعْ أنْمِيمَا بيعَذ ْ فَلاسْ أحْصُو ألمُوثْ لَكِيتَبَاع ْ إلَجْلِيكْ لَدِسَنْقَاسْ
الحكمة في شعر الحاج أسعيذ على غرار المبدعين الكبار، جاء شعر الحاج أسعيذ زاخرا بالحكمة المتأتية عن تجربته الواسعة، وامتلاكه لنواصي البلاغة والبيان وسلاسة الأسلوب، شملت مجالي الدنيا والآخرة، اقتطفت منها هذه الأبيات المتناثرة في ثنايا قصائده العديدة: إبليسْ سِيزْمَانْ أيَخَدّع ْ أطْسَنْ لعْبَاذ ْ سِيبَدِي ( طبع إبليس الخداع أنام الناسَ وقوفا) ......... غُورْناغ سُوبَرْنُوسْ مَلُولْ غَرَبِّي زيغ ْ ذلْجيفَا (خدعونا ببرنوس ناصع وعند الله جيفة) ......... ويجَانْ أزْمَانِيسْ أيْضَاع ْ يَغْلِي يطِيجْ أفَزْرُو (ضائع من لم يساير زمانه كشمس العشيّة إلى المغيب) ......... آيَنْ أرَانَهْذرْ نَنَّاثْ سِوَى الحَقْ إذ ْ المُفِيدْ (لم يعد للحديث شان فالمفيد هو إتباع الحق) ......... ألَنْ أنَّغْ أبْحَالْ لفْنَارْ غَلْجَنَّثْ وَرْنَسِيكِيذ ْ (عيوننا كحال المنار لكنها عن الجنة عمياء) ......... يَطْفِيثْ يطِيجْ نَصْمَايَم ْ يَرْنَا شَثْوَا ذوقَريفْ ( قَدَره بين حمارة القيظ وزمهرير الشتاء) ......... أكْرَا يَلانْ ذلْفَاهَمْ يُوفَادْ أيْنَهْريثْ وَاسِيفْ (من كان الى الوعي منتسب جرفه الدهر جَرفا) ....... مَا ذِيلَسْ يَعْيَ يَهْذ َرْ مَاذولْ اُوثِيبيضْ وَارَا (اللسان أعياه الخطاب ولم ينفذ إلى القلب شيء ) ........ وي أبْغَانْ أذِيسْثَغْفَرْ أدُونِيثْ أتسَزْوي أمْ لَخريفْ ( عليكم بالاستغفار في الحياة فمآل الدنيا كأوراق الخريف) ........ وي أبْغانْ أصَّبَا أتسَكْثِيلْ يَخْذمْ الخِيرْْ أسِيعْفُو ( من رام الحصاد الوافر يزرع الجميل، به يتم الغفران) ......... عَمَّذنَاغ ْ إمَكْسَاوَنْ ثنْسَا أثْ قُوضْعِيثْ إلخْلا (تعمّد رعاتنا التقصير فبات القطيع في الخلاء) .......... أذوَا أيْذزْمَانْ أمَسْلُوبْ يَعْرَقْ وَرْڤَازْ ڤَرْ ثُولاسْ (عهدنا زمن مخبول ضاع فيه الذكر بين النسوة)
فسحة الأمل رغم الانحطاط المطبق الذي أرخى سدوله على حياة المسلمين، ورغم شراسة الاستعمار الفرنسي الذي كان في أعز أيامه وأوج قوته، فإن شاعرنا المتوفى سنة 1946م، لم يفقد الأمل، إذ ظل متعلقا بأهداب الأمل، واضعا نصب عينيه المثل الشائع: "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل"، فظل الحاج أسعيذ مؤمنا بإرادة الشعب الجزائري المسلم، واثقا أن النصر سيكون حليفا له، ولو طال الزمن، لكن النصر مرهون -برأيه- بتحقيق وحدة الشعب تحت راية الإسلام: ألْمُومْنِينْ أنَمْوَفاقْ أنبي إيْوَصَّادْ فَثْذوكْلِي أفَعْذاوْ أمَا غِفْرَقْ أشِيطانْ سِيزيكْ ذاحِيلِي ثزْرَامْ أمَكْ إغِسَحْرَقْ أفرَنْسِيسْ مِيسْ اُوجَهْلِي لفجَرْ ألِيسْلامْ يَشْرَقْ ذمَلالْ إڤْ تَفْلالِي الفرجْ أنشا الله أدِيلحَقْ إطِيجْ أدِيبْذو ثِيكْلِي ربّي أمَعْزُوزْ أغيَرْزَقْ لعْلامْ نَنْبي أذيَلِي
الأدعية كان الحاج أسعيذ يختم قصائده بالأدعية المتنوعة، التي يدعو فيها بالمغفرة للجموع الحاضرة في جلسات إلقاء قصائده، وإنشادها في حلقات الذكر الصوفي في مناسبات الأفراح والأتراح. هذا ولا شك أننا في حاجة ماسة، إلى إحياء هذه الأدعية في مساجدنا وبيوتنا ووسائل إعلامنا السمعية والمرئية والمقروءة، قصد تعبئة أنفسنا بالتربية الروحية من جهة، وإحياء اللسان الأمازيغي من جهة أخرى، في زمن العولمة هذا المتميز بثورة الاتصالات بين البشر، التي تهدد العالم بالتسطيح، والقضاء على الخصوصيات الثقافية. وهذا نموذج من هذه الأدعية المتأثرة جدا باللسان العربي: ربّي أدْعَاغكْ سَلمَدَنِي ذرْسولْ بُو الوَجْه إمْنَوّرْ ذكْرَا أيْرَكْبَنْ أسْفانِي أفُوذمِيكْ زَڤْرَنْ لبْحَارْ ثاعْفُوثْ إكْرَا ذاڤِينِي أسْوَاغ ْإلوَادْ الكَوْثَرْ ....... أربّي أدْعَاغكْ سَلحَمْدُو اُورْ يَلِي ذاشُو إكِيخْفَانْ ذكْرَا أيْرَكْعَنْ أيْكَنُو لَوْ لِيَا أغْرَكْ تَكّانْ الفِرْدُوسْ أنَمْسَڤْلُو أجْمِيعْ أكْرَا إغْدِيسْلانْ * ferradrezki@yahoo.fr