إذا كانت أعناق المسلمين تشرئب باتجاه وقفة عرفة المقدسة، فهناك أنظار أخرى تتجه إلى حدث تغيير كسوة الكعبة الشريفة التي تنجز من طرف مصنع مختص تم إنشاؤه خصيصا لهذه المهمة التي تعتمد على أرقى أنواع الحرير مع الاستعانة بأكبر آلة نسيج في العالم. * الأنظار ستتجه إلى الكعبة الشريف لمتابعة الحدث الذي يتكرر في يوم عرفة من كل سنة، حيث تكسى الكعبة بحلة جديدة من الحرير المنقوش بخيط الذهب، وهي الكسوة التي تم إنجازها بتقنيات فنية عالية استغرقت تسعة أشهر كاملة. * فمصنع صناعة كسوة الكعبة الكائن مقره على بعد 10 كيلومترات من وسط مكة ليس له مهمة ثانية سوى إنجاز كسوة الكعبة على مدار العام، وقد تأسس هذا المصنع سنة 1927 بعدما انتزعت السعودية هذه المهمة من مصر. ويتم الاعتماد على حياكة الكسوة على أجود أنواع الحرير في العالم، وهو حرير طبيعي خالص مستورد من إيطاليا خصيصا لهذا الغرض، وتخضع هذه المادة للاختبار عبر مخبر خاص وبعد الصباغة تمر إلى التسدية التي يتم خلالها تجميع الحرير قبل وصولها إلى قسم الطباعة، أين يتم تجهيز المنسج ويطبع عليه حزام الكسوة المتضمن الآيات المحيطة بالكعبة، وستارة باب الكعبة وكافة المطرزات. مع العلم أن الآيات المكتوبة على كسوة الكعبة بخط الثلث من إنجاز الخطاط المرحوم عبد الرحيم أمين بخاري، وهو أقدم عامل اشترك في صنع كسوة الكعبة ولازال خطه معتمدا إلى يومنا هذا. وبعد طباعة النسيج تبدأ عملية تطريز الآيات بواسطة أسلاك فضية مغلفة بالذهب الخالص، وهي العملية التي تتطلب مهارات فنية عالية يتكون من خلالها الهيكل البارز لتصميم الحروف، والتي تغطى بالأسلاك إلى أن يصبح الحرف بارزا فوق سطح القماش، فيصل سُمك الحرف إلى 2.5 سم، الأمر الذي يصعب تجسيده آليا، ولذلك ينجز بالأيدي بطريقة فنية تتطلب صبرا ودقة كبيرة يظهر من خلالها جمال الخط العربي الأصيل. للإشارة فإن قماش الكسوة الأسود هو الآخر يحوي نقوشا منسوجة بخيوط الحرير السوداء بطريقة "الجاكارد" وتحمل عبارات (لا اله إلا الله محمد رسول الله)، (سبحان الله وبحمده)، (سبحان الله العظيم)، (يا حنان يا منان يا الله)، وهي العبارات التي تتكرر عبر كافة مساحة الكسوة، ولا يمكن رؤيتها إلا عند الاقتراب من القماش. * ويتم إنتاج قماش الكسوة في شكل قطع كبيرة يقدر طول كل واحدة منها ب 14 مترا وعرض قدره 101 سم تبطن كلها بالقطن، ولتوصيلها تحول إلى آخر مرحلة في قسم خياطة الثوب الذي تَدعم في سنة 2001 بآلات حديثة من الطراز العالي منها آلة تتميز بكبر حجمها، حيث يبلغ طولها 16 مترا مجهزة بخط ليزر، وتعتبر أكبر ماكينة خياطة في العالم، والتي يتم فيها تجميع القماش جنبا إلى جنب وفق برنامج مسجل في جهاز إعلام آلي. وبنفس الطريقة يتم تثبيت القطع المطرزة للحزام والقناديل الخاصة بكل جنب، وبهذه المرحلة تكون عملية تحضير الكسوة قد انتهت بعدما استغرقت كل هذه العمليات مدة تسعة أشهر كاملة لتصبح جاهزة لتغطية أقدس مكان على وجه الأرض. * عملية تغيير الكسوة تتم كل سنة بتاريخ التاسع من شهر ذي الحجة يوم يكون الحجاج منشغلون بوقفة عرفة، فتُنقل الكسوة إلى الحرم الشريف، وتكون حينها في شكل أربع جوانب متفرقة، بالإضافة إلى ستارة الباب. والملفت للانتباه أن عملية تغيير الكسوة تتم دون تعرية الكعبة، حيث توضع الكسوة الجديدة فوق القديمة التي يتم إسقاطها فيما بعد، ويكون ذلك بالتداول على الجهات الأربع فيرفع كل جنب على حدى إلى أعلى الكعبة، ويثبت بربطه بالعراوي ويلقى بطرف الآخر إلى الأسفل، ثم يتم فك حبال الستار القديم الذي يسقط، ويبقى الجديد دون أن تتعرى الكعبة وتتكرر العملية مع الجوانب الأربعة، وبعدها يتم تدقيق وضع الحزام المتضمن الآيات المذهبة كي تكون في خط مستقيم، وذلك بدءا بالجهة التي يوجد بها الميزاب. لتثبت الأركان بعدها بحياكتها من أعلى الثوب إلى أسفله، وفي الأخير توضع ستارة باب الكعبة التي تثبت في أطراف فتحة من القماش يقدر عرضها بحوالي 3.30 متر، فيتم حياكتها بإتقان كبير فوق باب الملتزم، هذا الأخير الذي تم استبداله سنة 1999 وهو الآن عبارة عن تحفة فنية مرصعة بالذهب، مع العلم أنه يحوي 280 كلغ من الذهب أي قرابة 3 قناطير من الذهب الخالص من نوع 24 قيراط. * للإشارة فقد سبق لنا أن حظينا حصريا سنة 2008 بزيارة مصنع صناعة كسوة الكعبة، وتعتبر الشروق اليومي الجريدة الأولى والوحيدة التي زارت هذه المؤسسة الفريدة من نوعها.