خضير بوقايلة: kbougaila@gmail.com إنهم قادمون، أو بالأحرى عائدون.. غيابهم لم يكن طويلا وهم في الحقيقة لم يغادروا الساحة تماماً، بل هم في كل الأحوال متوفرون هنا وهناك، إلا أنهم هذه المرة أعلنوا صراحة أنهم لن يكتفوا بالفتات ولا بمناصب هامشية، بل هم يريدون أن يحتلوا مراكز هامة وعودتهم يجب أن تكون قوية جدا لأنهم خُلقوا أصلا ليكونوا مهمين وليكونوا هم الفاعلين وغيرهم مفعولا (...). هم كل شيء، هم يفقهون الظواهر والأسرار أفضل من غيرهم وعلى الجميع أن يؤمن أن هؤلاء يملكون فعلا قوة خارقة تؤهلهم للتحرك عندما تشتد الأزمات وفي يدهم وحدهم الحل السحري لكل شيء. لا شك أنكم عرفتم مباشرة من هم هؤلاء العائدون الذين قرروا بعد تفكير طويل وبعد اجتماعات مغلقة وجادة حول طاولات مطهّرة أن يعودوا. لم يعد هناك مجال لترك الأمور تسير بهذه الفوضى، ولم تبق لهم ذرة صبر وهم يرون شعبهم يحترق والطبقة الوسطى تُسحق والمشاكل تتراكم على البلد ولا أحد يتحرك لإنقاذ الوضع من الانهيار. طبعا، إنهم معروفون ولا أحد يمكن أن يقول إنه لا يزال يجهل هوية هؤلاء العائدين بعد كل الأوصاف السابقة. طبعاً إنهم هم ولا أحد غيرهم. هم فعلا الوحيدون الذين يحملون الجزائر في قلوبهم ويشربون على نخبها ليل نهار ومن أجلها يضحون بحياتهم الخاصة وبأولادهم ويضحون حتى بالعيش في وطنهم من أجله ومن أجل طيبة شعبه. آه منكم أيها الديمقراطيون، كم أنتم كرماء وشرفاء ونبلاء، ولا أدل على ذلك من أنكم عائدون! الديمقراطيون، يا ناس، قرّروا العودة بقوّة من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أنقذوا الجزائر مشكورين في السابق وها هم الآن يقررون إنقاذ شعب الجزائر من الذل والهوان الذي تسبّب فيه القائمون على البلد. طبعاً كنا من زمان نحلم بهذه العودة ونحبس أنفاسنا من أجل أن يتحقق الحلم، وكانت الاستجابة أخيرا واضحة لا لبس فيها. وإعلان العودة جاء على لسان لسانهم الرسمي الدكتور البراح الذي أعلن في صحيفة الوطن يوم الثلاثاء أن الجماعة سئموا حياة الفرجة فقرروا التحرك بقوة لإنقاذ الشعب من حكامه وقطع الطريق نهائيا على التحالف الشيطاني بين تيار المتأسلمين وتيار المحافظين. الديمقراطيون قرروا أن يحملوا سيفهم ليقطعوا رأس الحية (الكبرى وليس حية المحمدية)، ونحن من موقعنا هذا لا يسعنا إلا أن نبارك جهودهم ونستبشر خيرا بعودتهم الميمونة. الدكتور لسان التجمع من أجل الجمهورية الديمقراطية انطلق في حملة شرح لمبادرة أطلقتها الجماعة يوم 17 أكتوبر ولم يسمع بها أحد، وقد وعد بمزيد من التعبئة والتفاصيل في لوائح تصدر لاحقا على أعمدة كبريات الصحف فترقبوها. قال الدكتور إن الوقت حان لقطع الطريق أمام التحالف المتأسلم المحافظ ولا بد أيضا من تقطيع أوصال ميزان القوى الحالي الذي هو سائر في تخريب البلد وتشريد شعبه. قال الدكتور إن مبادرة العودة الديمقراطية ستشرح للجزائريين أهدافها ومنطلقاتها، وستقدّم لهم تحليلا وافيا شافيا وشاملا للحالة التي يوجد عليها الجزائريون أمنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وهو يقسم أنه لن يخفي شيئا من الحقيقة المرة، لكنه يعد بالمقابل أن المرارة سرعان ما تتحوّل إلى حلاوة يتذوّقها الشعب وينسى همومه وكأن شيئا لم يكن. ليس هذا فقط، بل ستحمل لنا تفاصيل المبادرة المباركة معلومات دقيقة عن وضع الجزائر الجغرافي من خلال جواب مفصّل عن هذا السؤال أين هي الجزائر؟ ستقول لنا المبادرة الطيبة أخيرا أين هي الجزائر وستحدد لنا موقعها بالضبط ولعل هذا الجواب سيساعد شبابنا الحراقة على تحديد وجهتهم بدقة أفضل وتكون نسبة نجاحهم في الوصول إلى بر الأمان أوفر. ولعل أهم شيء في هذه المبادرة، التي أتوقّع لها انتشارا كاسحا، هو مشروع بناء حواجز جمهورية سيضعها إخواننا الديمقراطيون في المكان المناسب حتى يُبعدوا أي احتمال في وصول الإسلاميين يوما إلى كرسي الحكم. طبعا، المعلومات عن الشركة التي تصنع هذه الحواجز ومكان تصنيعها تظل سرية حتى لا تطالها أياي التخريب. ومن أجل إنجاح مشروع العودة الكبرى كشف لنا الدكتور أن هناك اتصالات حثيثة يجريها أصحاب المبادرة مع إطارات أحيلوا على التقاعد مبكّرا وهم الآن مهمّشون في بيوتهم لا يجدون عملا مع أنهم في عز وقمة العطاء وهم راغبون في المشاركة بفعالية في بناء الجزائر. ومن مقامي هذا أبارك جهود لجنة تنظيم العودة الكبرى وأدعو إخواني المواطنين إلى الالتفاف بقوّة حول هذه المبادرة حتى نسمح هذه المرة للجزائر أن تتخطى حاجز الخطر وتنطلق في مسيرة البناء والعطاء والتقدم. مرحبا بالعائدين وبوركت جهودكم الوطنية المخلصة وكل النجاح نتمناه لكم. ساركوزي كتب رسالة طويلة إلى صاحب الفخامة يشكره فيها على حسن الضيافة (من غير مزية!)، ويشيد فيها بأفكار فخامته النيّرة ورؤيته الحكيمة وتحليلاته الرزينة والصائبة بخصوص مجمل أمهات قضايا الساعة وأشراطها. كلام وإشادة أراها طبيعية، ولا أدري لماذا وصلت الرسالة متأخرة، اللهمّ إلا أن تكون وقعت في يد جماعة التنصت الشرعي والرقابة القانونية طبقا لآخر تعديلات قانون حماية البلد من الفساد والمفسدين. المهم أن كلام ساركوزي لا يحمل جديدا، فلا أحد يجهل أفضال ومزايا فخامته وإلا لماذا يصوّت عليه الناس عن بكرة أبيهم ويعيدوا التصويت عليه ثم ها هم ينادون بضرورة بقائه على العرش نهائيا حتى لا يُحرم البلد من خصاله وحكمته. وهنا أوجّه دعوة أخوية للصديق العزيز ساركوزي ليبرمج زيارة أخرى إلى بلده الثاني وأرجو أن يكون ذلك في أقرب وقت وليته يوافق على تاريخ يكون قبل نهاية العام. وقبل أن يتساءل صديقنا أو أحد غيره عن سبب هذه الدعوة أسارع إلى التأكيد على أنه لا علاقة لدعوتي بقضية نسيها خلال زيارته الأخيرة، بل كل ما أطلبه هو أن يأتي معه بوفد إعلامي مُرافق، وحاجتنا في الحقيقة هي إلى الإعلاميين أكثر، ونرجو من أي واحد فيهم أن يستغل فرصة خروج الصديق ساركوزي من القصر الرئاسي ليسألوا صاحب الفخامة وصديق ساركوزي وشيراك وديغول عن موعد الاستفتاء على الدستور الجديد. ولا أخفي عليك أيها الصديق ساركوزي أن الجزائريين هنا وفي كل مكان حائرون بخصوص الموعد الموعود للاستفتاء على الدستور الجديد، فنحن على أحرّ من الجمر لمعرفة تاريخ الاستفتاء ولا نجد سبيلا لمعرفة الجواب الفصل إلا عن طريق صحافي أو صحافية أجنبية والأفضل أن يكون أو تكون من فرنسا. فصحافيونا ليسوا في مستوى مقابلة فخامته والقلة المحظوظة ليست في مستوى طرح أسئلة من هذا النوع. لهذا فأنا ألحّ على زيارة أخرى لساركوزي أو أي صديق فرنسي آخر لنعرف إن كنا سنتوجّه إلى صناديق الاقتراع لنقول نعم للدستور الجديد ومتى سيكون ذلك. فقد عرفنا في الزيارة الساركوزية الأخيرة أن فخامته بصحة جيدة ونريد الآن أن نعرف متى ندخل عهد الدستور الجديد، وطبعا لن تكون الزيارة القادمة آخر زيارة، فهناك قضايا مصيرية أخرى كثيرة علمها عند فخامته وحده ومفتاح كشف أسرارها عند إخواننا الإعلاميين الفرنسيين! قرأت في مراصد الشروق أن سعادة السفير الأميركي عندنا الصديق فورد (كلهم أصدقاء)، قال إن مسيرة الصحافة في الجزائر أفضل من مسيرة نظيرتها في الولاياتالمتحدة الأميركية، بالنظر إلى المستوى الذي وصلت إليه الصحافة الجزائرية بعد 40 سنة فقط من الاستقلال وكذا 16 سنة من التعددية الإعلامية. انتهى كلام الصديق السفير. وهنا أعترف أنه بقدر ما كانت رسالة الشكر الساركوزية عادية ولم تفاجئني بقدر ما وقف ما بقي من شعر رأسي وأنا أقرأ هذا التصريح الخطير وأتأسف لأن نشرة أخبار الثامنة ومراسلي الصحف والوكالات الأجنبية لم يتلقفوا هذا الكلام ويتداولوه ليعلم العالم أن في هذا البلد العظيم صحافة في مستوى منافسة صحافة أعتى وأبطش بلد. فعلا تصريح الصديق السفير يبعث على الارتياح وأنا أعلم أنه رجل لا يمزح ويقول كلمة الحق ولو كانت ضد بلده. وبهذه المناسبة ليسمح لي صديقنا السفير أن أطلب منه طلبا بسيطا من شقين، الأول هو أن يسارع إلى دعوة أقطاب الصحافة الأميركية إلى زيارة بلدنا حتى تستفيد من تجربة الصحافة عندنا ونحن على استعداد لكي نعلّمها بعض أسرار الطبخة التي جعلت مسيرتنا أفضل من مسيرة الصحافة الأميركية. والشق الثاني من الطلب هو أن يكفّ فورا عن منح التأشيرات للصحافيين الجزائريين ودعوتهم إلى أميركا للالتقاء بنظرائهم هناك، وقد فهمت الآن لماذا يصرّ الأميركيون على دعوة الصحافيين الجزائريين إلى بلدهم. كنت أعتقد أنها دعوات للتعلم وكنت أتمنى أن أكون يوما أحد المحظوظين المدعوّين، لكن تبيّن الآن أن الهدف هو إفساد صحافيينا وإرجاعهم إلى الوراء سنوات كثيرة. ونحن نترقب تصريحا آخر من صديقنا عن مسيرة الطبقة السياسية عندنا وعن مسيرة الحكم الراشد عندنا وعن مسيرة النظام الاقتصادي والمالي الفريد عندنا، وشكرا مسبقا على قول كلمة الحق!