"الحالة ما تشكرش".."ما كانش الحكومة".. بهذه العبارات استقبلنا سكان دشرتي واد عيسي وإسياخم أومدور اللتين تبعدان عن عاصمة ولاية تيزي وزو ببضعة كيلومترات لا تتجاوز الثمانية، فقد تحول الطريق الوطني رقم 12 إلى منطقة عبور خطيرة جدا بسبب انتشار لصوص الليل والنهار، ومن المواطنين الضحايا من فقد سيارته ومنهم من فقد أمواله وهناك أيضا من فقدت شعر رأسها حيث انتقم اللصوص من زوجها من خلال تحليق رأس الزوجة المسكينة "بولا زيرو".. لابد من الاعتراف منذ البداية أن الخوف تملكنا ونحن ندخل مدينة تيزي وزو عقب شيوع أخبار عن اعتقال بلعيد عبريكا "زعيم العروش سابقا" بسبب منع مقاول من بناء أرضية لنصب مقر لفرقة الدرك الوطني وتبعها احتجاج لأنصار عبريكا حتى تم إطلاق سراحه، وكانت الصورة المتوقعة لدينا هي أن نجد جوا مشحونا في عاصمة الولاية وحالة تأهب للفوضى في الشارع الرئيسي بالمدينة كالعادة، لأن الأمر يتعلق في النهاية بعودة جهاز الدرك إلى منطقة القبائل، وهو ما يمكن أن يحدث حساسية لدى السكان. وعندما دخلنا عاصمة الولاية في الصباح الباكر من يوم الخميس الماضي لم نلحظ أي مظهر من مظاهر الاستعداد ل "الفوضى" عدا سريان أخبار بصوت خافت حول وصول تعزيزات أمنية للولاية خوفا من حدوث طارئ .. وبعد جولة في المدينة كان لزاما علينا التوجه نحو دشرة إسياخم أومدور التي منع بها العروش نصب مقر للدرك، وقبل الانطلاق أيضا تلقينا تحذيرات من الانتقال إلى المكان، ليس بسبب عدوانية العروش هذه المرة وإنما بسبب اللصوصية التي جعلت الناس تخاف من استعمال الطريق الوطني رقم 12 الذي يمر بين دشرة واد عيسي ودشرة إسياخم أومدور، وهذا يعطي لك صورة على أن المقر المزمع تخصيصه لفرقة الدرك الوطني تم اختياره بعناية فوق ربوة تطل على مفترق الطرق المؤدي إلى كل من عين الحمام (ميشلي) ولاربعا ناث إيراثن وعزازڤة وبجاية وأزفون وتڤزيرت وواسيف وأيضا بني يني. و لا أخفي عليكم أننا تهنا في المكان، لأننا كنا نتصور أن نجد قرية كبيرة أو تجمعا سكانيا كبيرا لكن تفاجأنا بأننا دخلنا واد عيسي وخرجنا منها ولم نجد القرية؛ لأن المنازل كانت متباعدة عن بعضها البعض، ولم يدلنا على ذلك سوى مجموعة من الشباب كانوا مجتمعين بالقرب من مقهى، تحدثوا إلينا بكل عفوية عن جماعات الأشرار واللصوص التي عوضت "الحكومة" على حد تعبيرهم، وأصبحوا هم السادة في قرى واد عيسي وعدني وإسياخم أومدور وإرجن القريبة من عاصمة الولاية تيزي وزو. يقول أحد المراهقين مخاطبا إيانا "نحن نقف الآن في قلب (محور الشر) الذي يربط بين واد عيسي من جهة جامعة مولود معمري وبين مستشفى الأمراض العقلية فرنان الحنفي، وفي هذا المكان يستحيل عليك أن تمشي في النهار راجلا أو تمشي في الليل بسيارتك"، وغير بعيد عن المقهى يوجد المعهد الوطني المتخصص في التكوين المهني بواد عيسي، قصدناه لنسمع عن قصص الخطف والاعتداءات في وضح النهار التي تعرض لها عمال وتلاميذ هذا المركز، فاستقبلنا الموظف "س. ع" الذي طلب منا في البداية التعريف بأنفسنا وكان له ذلك طبعا، وبعدها بدأ في سرد يوميات عمال وتلاميذ المعهد وحتى سكان المنطقة مع "قراصنة" واد عيسي الذين يسكنون في الواد، وهؤلاء يطلق عليهم لفظ "العربان" ويقصد بهم مجموع الغرباء الذين استوطنوا الواد الواقع تحت سد تاقصبت والذين قدموا من ولايات مختلفة.. الأمر الذي نتج عنه بالضرورة بيوت قصديرية وانحراف ودعارة ولصوصية وكل شيء سلبي، حيث نسج هؤلاء علاقات مع بعض أبناء المنطقة "المغرر بهم" في ظل انتشار البطالة والفقر. دشرة إسياخم أومدور: "مرحبا بالقوات الخاصة وليس الدرك فقط" ويقول محدثنا إن "اللصوص الصغار ينشطون نهارا على محور مفترق الطرق- واد عيسي أما القراصنة فينشطون ليلا بعد الساعة الخامسة مساء باستعمال السلاح الناري لسرقة السيارات والشاحنات والأموال وحتى البيوت"، وهو حال "جار محدثنا الذي تعرض للضرب وتعرضت زوجته لحلق شعرها نهائيا بسبب إصرار زوجها على عدم تسليم سيارته من نوع 406.. وفي النهاية أخذوا السيارة والمال والذهب، قبل أن يسترجعها صاحبنا بعد تفكيك الشبكة من طرف مصالح أمن ولاية تيزي وزو". خرجنا من واد عيسي خائفين نترقب، واتجهنا صوب دشرة إسياخم أومدور التي كنا نعتقد أن أهلها هم من ساند العروش في منع بناء مقر للدرك الوطني، لكن الحقيقة كانت معاكسة تماما، فقد تجمّع حولنا سكان القرية وطلبوا منا تبليغ الخطاب الذي لم يتضمنه البيان الصادر عن تنسيقية ما بين بلديات ودوائر تيزي وزو بشأن حقيقة ما جرى حول مقر الدرك. وفي هذا السياق، قال لنا ممثل لجنة الدشرة "الحكومة حقارة لكن العروش ما نحبوهمش.. واحنا نحوسو على لامان برك"، أما الشاب "م. مراد" فقد كان أكثر اندفاعية عندما كشف أن "شباب القرية رفضوا الاستجابة لتحريض عبريكا على المقاول المكلف ببناء مقر للدرك وطالبوا من عبريكا وجماعته التي جاءت من تيزي راشد والقرى الأخرى بالرحيل من إسياخم أومدور"، قبل أن يضيف شاب آخر "نحن هنا ينقصنا الكثير من الأمن والمرافق العمومية، فهل تعلم أن الكهرباء مثلا تنقطع دائما عنا رغم أن قريتنا لا تبعد عن عاصمة الولاية سوى بخمسة كيلومترات.."، لكن أحد سكان القرية وهو يعمل سائقا للمسافات الطويلة فقد ذهب أبعد من قومه عندما قال بالحرف الواحد "أنا أعرف معنى العمل ليلا.. هاذو السراقين عاراونا.. لا زمو يجيبو لي بارا (القوات الخاصة) تاع بسكرة ماشي الدرك برك"، لكن الأمر الذي فاجأنا حقيقة ويحتاج من سلطات ولايات تيزي وزو فعلا التأكد منه هو ما أشار إليه أحد سكان قرية إسياخم أومدور بشأن "وجود علاقة ما بين مافيا الرمال التي تنشط على محور واد عيسي وواد سيباو وبين نشطاء في حركة العروش من المنطقة ينشطون في تجارة بيع الرمال إلى جانب نشاطهم في العروش !!". مبعوث الشروق إلى تيزي وزو: رمضان بلعمري: [email protected] زعم بيان صادر عن تنسيقية عروش بلديات ما بين بلديات ودوائر ولاية تيزي وزو أن الناطق الرسمي للعروش المحاورة بلعيد عبريكا قد تعرض لمحاولة اغتيال بواضية نجا منها بأعجوبة، عندما كان ينشط لقاء مع ضحايا الربيع الأسود، ساعات قليلة بعد حادثة منع بناء مقر جديد للدرك الوطني بواد عيسي. وحسب بيان التنسيقية الذي تلقت "الشروق اليومي " نسخة منه، فإن الأمور كانت عادية في القاعة التي جرى فيها اللقاء قبل أن تدخل مجموعة من الشباب وهم يحملون خناجر وأسلحة نارية، ثم انقضوا على عبريكا وجماعته من العروش، الأمر الذي أسفر عن جرح عبريكا بجروح على مستوى الوجه. وقد اتهم بيان تنسيقية العروش ما أسماه ب "المافيا المحلية "، في إشارة إلى المنتخبين المحليين، بمحاولة "اغتيال " بلعيد عبريكا، وذلك بالتعاون مع أصحاب الملاهي الليلية في واضية، خاصة صاحب ملهى "أمشراس الحرية " وملهى "31 "، بحسب ما جاء في البيان. وتأتي "قصة الاغتيال " التي تم الكشف عنها في وقت هيأت السلطات العمومية كل الظروف لإعادة انتشار قوات الدرك الوطني في منطقة القبائل التي سطا عليها اللصوص وقطاع الطرق على مدى السنوات الخمس التي تراجع فيها أداء هذا الجهاز الأمني، وتأتي قصة الاغتيال لتشير بطريقة غير مباشرة إلى حجم الرفض الذي تلقاه جماعة العروش في منطقة القبائل. تجدر الإشارة إلى أن الموقوفين الثلاثة وهم عبريكا ومندوبي كل من مقلع وتيزي راشد، قد تم إطلاق سراحهم، في انتظار استكمال التحقيق القضائي في حقهم، في الوقت الذي أفادت معلومات حصلت عليها "الشروق اليومي" أن رئيسة دائرة تيزي وزو رفضت مواجهة مندوبي العروش أمام وكيل الجمهورية، باعتبارها صاحبة الشكوى ولم ترد توضيحات عن سبب رفضها مواجهة هؤلاء. صونية. ق/ رمضان. ب لم يكتف بلعيد عبريكا الناطق الرسمي باسم العروش المحاورة برفض عودة الدرك الوطني إلى منطقة القبائل، بل اقترح ترحيله إلى النقاط الحدودية للبلاد. الشروق اليومي: ما هي قصة اعتقالك يوم الأربعاء الماضي؟ بلعيد عبريكا: على الساعة العاشرة من صباح الأربعاء جاءني 50 عنصرا من الفرقة المتنقلة للشرطة القضائية وطلبوا مني الانتقال معهم إلى مركز الشرطة وهناك قيل لي إن رئيس دائرة تيزي وزو ورئيس البلدية رفعا ضدي شكوى بتهمة تخريب ممتلكات عمومية ومنع عملية بناء مقر للدرك. وطبعا رفضت الإجابة على أسئلة الشرطة، فأبقوني في الحجز لمدة 8 ساعات ثم أحالوني على وكيل الجمهورية بمحكمة تيزي وزو، ثم أطلق سراحي مؤقتا على الساعة السادسة مساء ولا أعرف الآن كيف ستنتهي الأمور. * هل أنت من أمر نشطاء العروش بتخريب الأرضية المخصصة لبناء مقر للدرك؟ ** أنا أتحمل ما حدث باسم حركة العروش في واد عيسي وأنا أطالب برحيل الدرك ومحاكمة "القتلة". * لكن في حدود علمنا، فإن المواطنين هم من طالبوا بعودة الدرك بسبب انتشار اللصوصية والإجرام؟ ** لا تتكلم باسمهم.. المواطنون لم يطلبوا ذلك، الذين طلبوا هم عملاء النظام ممن يعملون مع الدرك.. إنها المافيا، وأزيدك شيئا، فأقول إن المواطنين طلبوا الأمن وليس الدرك. * ومن يضمن الأمن إن لم يكن الدرك والشرطة ومختلف الأسلاك الأخرى؟ ** أنا أقصد الشرطة والحرس البلدي والشرطة القضائية والشرطة الجوارية، لكن ليس الدرك. * لكن منطقة القبائل كبيرة وولاية تيزي وزو مترامية الأطراف، مما سهل ولوج عناصر إرهابية إلى المنطقة من الجماعة السلفية للدعوة والقتال، فمن يقف في وجههم؟ ** نحن في مدينة حضرية ولسنا بحاجة إلى قوات الدرك، فليذهبوا بهم إلى أي مكان آخر. * إلى الجبل مثلا؟ ** لا.. إنهم لا يستطيعون ذلك، لأنهم خوافين وحڤارين.. فليذهبوا بهم إلى الحدود! * هناك من يقول إن عبريكا استغل مناسبة عودة الدرك لمعاودة الظهور وخطف الأضواء من جديد بعدما أفل نجمه، فما رأيك؟ ** أنا لم أستغل الظرف، بل كنت في بيتي والشرطة هي التي أتت إلي وقامت باعتقالي. * معلوماتنا تقول إن الشرطة اعتقلتك، لأنك أمرت نشطاء العروش بمنع المقاول المكلف ببناء الأرضية وتخريب ما تم إنجازه، أليس كذلك؟ ** حركة العروش هي التي أمرت وأنا أتحمل ذلك، وموقفنا قديم من مسألة رحيل الدرك عن المنطقة. * هل أنتم متمسكون بمطلبكم هذا وهل تتحملون مسؤولية ما يمكن أن يحدث مستقبلا؟ ** نحن سنواصل حركتنا وعلى الدولة تحمل مسؤولياتها في حال حدوث فوضى ونحن نحذر من تدهور الأوضاع، فعلى الدولة إذن أن تكثر من عناصر الشرطة القضائية، وبالنسبة لنا، فإن حضور الدرك في المنطقة هو عنصر لااستقرار وهناك هدف معين من وراء هذا القرار، ثم إن تيزي وزو من أكثر المدن أمنا، فهي أأمن من العاصمة ووهران وعنابة وقسنطينة !! * هل هناك علاقة بين ما تقومون به وبين رحيل رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى، باعتباره هو من وقّع معكم على الاتفاق وبالنظر إلى كونه ابن ولايتكم تيزي وزو؟ ** لا تتحدث بمنطق عنصري، أكتب هذه، الذي أتى بعد أويحيى يمثل الدولة الجزائرية وعليه تحمل ما تم التوقيع عليه باسم الدولة، وبلخادم جاءنا هنا والتقينا به، لكنه لم يقم بعد بما وعدنا به. حوار: رمضان. ب : [email protected]