طعنت المفتشية العامة للمالية، وهي أعلى هيئة رقابة للأموال العمومية، في كل الجوانب المتعلقة بتسيير اللجنة الوطنية للحج والعمرة على اعتبار أن هذه الأخيرة تسبّبت في خسائر كبيرة تُقدر بالملايير من ميزانية تعتمد أساسا على مساهمة الحجّاج الجزائريين، وتساءلت المفتشية حول وجهة المبالغ الضخمة في وقت يعاني فيه الحاج الجزائري من كل الظروف السيئة لأداء أحد أركان الدين الإسلامي. تقرير المفتشية العامة للمالية، حصلت "الشروق اليومي" على نسخة منه، خلص إلى التأكيد على ضرورة جعل اللجنة الوطنية للحج والعمرة تحت وصاية رئاسة الحكومة بدلا عن وزارة الشؤون الدينية بالنظر إلى الفشل الذريع في تسيير تلك الهيئة، فشل يوجّه الأنظار بالدرجة الأولى نحو رئيس اللجنة، الآمر بالصرف الرئيسي والمجسد في شخص وزير الشؤون الدينية الذي يعد المسؤول الأول على النفقات التي تمت في السعودية وكانت كلها غير شرعية، حسب تقرير المفتشية العامة للمالية. باشرت المفتشية العامة للمالية التحقيق حول تسيير أموال اللجنة الوطنية للحج والعمرة في إطار مهمة مراقبة تسيير اللجنة في السعودية بأمر من وزير المالية في 15 فيفري 2006، ومسّت التحقيقات الهيئات التابعة للجنة الوطنية للحج والعمرة ونشاطها ما بين سنتي 2003 و2006 فقط. وقد اعتمدت المفتشية على تقرير أولي أُعد وحُرّر في 2004 خص نشاط اللجنة في الجزائر وأوصى بإرسال مهمة للتحقيق إلى السعودية وتحرير تقرير نهائي وشامل نظرا لأهمية المعطيات التي كشفها التقرير ذاته. أعضاء فرقة التحقيق تفاجأوا للتسيير المالي المعتمد من طرف ممثلي اللجنة الوطنية لتنظيم الحج بالمملكة العربية السعودية، سيما فيما يتعلق بإقامة الحجاج، وتبعا لذلك وجهت انتقادات على مستوى حسابات اللجنة الوطنية للحج والعمرة وكيفية تسييرها المالي ولم تترك حتى الطبيعة القانونية والتنظيمية للجنة، وأوصت بالسرعة في تدارك أمور هذه اللجنة التي تصلها مساهمة ضخمة من حجّاج جزائريين تمثل أغلبية ميزانية اللجنة التي تجاوزت في 2004، على سبيل الذكر، مستوى 41 مليار سنتيم. خسائر بقيمة 24.5 مليار سنتيم في إيواء ونقل الحجّاج من ناحية الحسابات والتسيير المالي، تحدث تقرير المفتشية العامة للمالية عن خسائر مالية بقيمة تفوق 24.5 مليار سنتيم تبعا لنشاطات متعلقة بإيواء الحجّاج في المدينةالمنورةومكةالمكرمة وأعباء النقل، في الوقت الذي تعدّت فيه أعباء التكفل بالضيوف 938 مليون سنتيم وذلك ما بين سنتي 2003 و2006. وأظهر التحقيق الذي تم في مختلف مصالح اللجنة الوطنية للحج والعمرة، سواء في الجزائر أو في المملكة العربية السعودية، أن التسيير عن بعد انطلاقا من الجزائر للعمليات التي تتم في السعودية يطرح إشكالية في الأمر بالصرف المسبق الضروري لمباشرة أية نفقة في السعودية، وهو ما طرح للمحققين صعوبات في مراقبة تقديم الخدمات للحجّاج واقتناء التجهيزات في البقاع المقدسة، وأكّد أن صرف أموال الحجّاج في غياب الأمر بالصرف المسبق أمر غير شرعي ولا قانوني على اعتبار أنه مخالفة للقانون رقم 90 -21 المؤرخ في 15 أوت 1990 المتعلق بالمحاسبة العمومية. وقد أشار التقرير إلى أن الآمر بالصرف الرئيسي للجنة الوطنية للحج والعمرة هو وزير الشؤون الدينية، في حين أن مدير الحج والأوقاف يجسّد الآمر بالصرف الثانوي وهما المعنيان بالأمر في النفقات بالسعودية، في حين أن المكلّف بالمحاسبة في اللجنة إطار يعيِّنه وزير المالية الذي يقوم بالمراقبة البعدية القائمة على الوثائق. أما في السعودية فلم يتم تكليف أي إطار للأمر بالصرف هناك للتحكم في النفقات ومراقبة تنفيذها. وفي غياب هيئة أمر بالصرف في البقاع المقدسة، أكدت المفتشية على أن الحسابات الإدارية لم ينجزها الآمر بالصرف في الجزائر، وهو نفس الغياب الذي مسّ أيضا عمليات جرد الأملاك الواقعة تحت تصرف اللجنة، علاوة على عدم فتح سجلات التوكيلات من قبل الآمر بالصرف مع تعيين موظفين غير أكفاء في تسيير حملات الحج، ويظهر غياب كفاءتهم من خلال بعض الملفات غير واضحة ولا مبررة للحسابات، على اعتبار أنها لم تكن مضبوطة وفقا لمعايير التنظيمات المعمول بها مع غياب السجلين المتعلقين بالدفتر البنكي ودفتر النفقات، وغياب توضيح علاقة كل واحد منها بالآخر. وقد أوضح تقرير المفتشية أن مديري مراكز مكةوجدةوالمدينة الذين يعيّنهم الآمر بالصرف من بين إطارات وزارة الشؤون الدينية وكذا من المرسلين في إطار بعثة الحج تم دون الاعتماد الضروري من قبل محاسب اللجنة، مما فتح المجال مثلا لاقتناء سيارة موجهة لشخصيات جد مهمة vip رغم تسجيل عدم الكفاية في الاعتماد المخصص لحظيرة السيارات، بالإضافة إلى سوء تسيير عمليات التجهيز التي تقع تحت طائلة وزارة الشؤون الدينية، علاوة على غياب محضر مختلف اللجان ومنها لجنتا فتح أظرفة عروض المناقصات وتقييمها التي لم تقيّد محاضرها في السجلات. غموض الطبيعة القانونية للجنة الحج سبب للثغرات المالية أما عن الطبيعة القانونية للجنة المعنية بالتحقيق، فقد أكّد تقرير المفتشية العامة للمالية أنها غير واضحة على اعتبار أن النصوص التأسيسية للجنة تشير ضمنيا إلى تنفيذ ميزانيتها وفقا لإجراءات المحاسبة العمومية، في الوقت الذي تؤكد فيه أن الميزانية نفسها هي واحدة ومتأتية بشكل رئيسي من مساهمات الحجّاج، وهي مساهمة تحدّد بقرار وزاري مشترك متجدّد سنويا وتحتاج بهذا ميزانية اللجنة إلى نظام محاسبي خاص. من جهة أخرى، ذكر تقرير المفتشية أن تدخّل بنك الجزائر في العمليات التي تشرف عليها اللجنة الوطنية للحج والعمرة لم يوضح في النصوص التنظيمية للجنة، وتساءلت المفتشية عن الأساس القانوني لهذا التدخل الذي مسّ عمليات الإنفاق في السعودية. وأضاف أنه خلافا للمادة 2 من المرسوم التنفيذي رقم 01 -262 المؤرخ في 18سبتمبر 2001 المتعلق بتأسيس وتسيير اللجنة، لم تتم إقامة أية دراسة بشكل مسبق حول ما يتعلق بتنظيم حملة الحج وسيرها، في حين أن التقارير التي تقدمها اللجنة تبعا لكل حملة حج للحكومة تبقى سطحية وغير شاملة. كما قالت المفتشية إن الطبيعة القانونية للجنة الوطنية للحج تبقى غير محددة، وأضافت أن تركيبة البعثة يطبعها التباين بين أعضائها وعدم التوازن في توزيع الحصص بين القطاعات المختلفة التي تتشكل من ممثلين عن وزارات وهيئات عمومية وخاصة، علاوة على عدم تطابق بين المهام الموكلة لعناصر البعثة وبين قانونهم الأساسي الأصلي المرتبط بالوزارة أو المؤسسة التي اختيروا منها. كما طرحت الجهة ذاتها التي أجرت التحقيق تساؤلات حول تواجد مدعوين خلال حملات الحج لهم نفس الامتيازات مع أعضاء البعثة، في الوقت الذي أشارت فيه إلى غياب سلطة فعلية على الهيئات المكلّفة بالحج لمراقبة ورصد كل تجاوز أكدته المفتشية في تقاريرها. غياب اتفاقيات مع وزارة السياحة يدفع إلى إخلاء وكالات السفر بعقودها أما من الناحية التنظيمية، فقد أشارت المفتشية إلى غياب اتفاقية بين اللجنة والخطوط الجوية الجزائرية تتعلق باستئجار الطائرات، في الوقت الذي شهدت فيه نقصا في رحلات هذه المؤسسة العمومية كمسار دائم، إضافة إلى أن الشركة ليست لها خطوط مباشرة إلى المدينةالمنورة مثل ما تتمتع به الخطوط التونسية والمصرية والمغربية، وهو ما يرهق الحجّاج الجزائريين بعد أن فرض عليهم الوقوف في طوابير تبعا لعدم الفصل بين الأكشاك الواجب تخصيصها للحجّاج عن أكشاك المسافرين العاديين لمؤسسة الطيران العمومية، وتعرف دورات نقل الحجاج البري بين مواقع مكة ومنى وصعيد عرفات عجزا يجعل الحجّاج يلجأون إلى صبر كبير يزيدهم عناء. كما أشار التقرير إلى غياب اتفاقية مع وزارة السياحة يتبعه عدم احترام بعض الوكالات السياحية لبنود عقود السفر، في حين أن الطبيعة القانونية للتمثيل للمذهب الإباضي مثلا غير محددة، على اعتبار أن الوثائق المتعلقة بالتمثيل المذكور مثل الاعتماد لم توضع تحت تصرف المفتشية عند إجرائها للتحقيق. أما على مستوى إيواء الحجاج، فقد استغربت المفتشية من كون أن اللجنة التحضيرية للبعثة المكلفة بعمليات استئجار العمارات لإيواء الحجّاج هي نفسها التي تقوم بعملية مراقبة ومتابعة العملية، ومن المفروض حسب ما أكّدته المفتشية أن يتم الفصل بين الأمرين. وفي الوقت الذي كشفت فيه أن محاضر المهمة المكلفة بالإيواء غير مدونة في السجلات التي يوقع عليها الآمر بالصرف، أفادت أن تسيير عمليات الإيواء من سنة 2003 إلى سنة 2006 لم يتم التحكم فيه بالشكل المطلوب، وهو ما يؤكده تجاوز التقديرات التمويلية للعملية بما يقارب 8.5 مليار سنتيم، ووصلت الخسائر الإجمالية المسجّلة في الفترة ذاتها والمتعلقة بالإيواء في كل من مكةوالمدينة قيمة تقارب 14.9 مليار سنتيم، في حين أن عجزا بمبلغ يقارب 1.2 مليار سنتيم في عمليات النقل تم تسجيله في الفترة المذكورة. كما أن الإقامة في منى تعد النقطة السوداء حسب المفتشية المالية التي أكّدت إقامة 30 حاجا في الخيمة الواحدة وكان من المفروض أن يكون المعدل 11 حاجا في كل خيمة، علاوة على أن تسديد مستحقات إقامة الحجّاج الإباضيين بالعملة الصعبة من طرف بنك الجزائر لم تكن مبرّرة. مفتشية المالية توصي بجعل لجنة الحج تحت وصاية رئاسة الحكومة واستخلصت مفتشية المالية إلى ضرورة اتخاذ إجراءات للحد من الوضع الكارثي الذي تشهده عمليات تنظيم حملات الحج، وأوصت بإعادة النظر في الطبيعة القانونية للجنة الوطنية للحج والعمرة وجعلها تحت وصاية رئاسة الحكومة بدلا عن وزارة الشؤون الدينية، ووجوب اعتماد نظام تسيير محاسبي ومالي خاص بميزانية اللجنة، على اعتبار أنها متكونة بالأساس من مساهمات الحجاج، وصبّ كل الأرصدة المتبقية من حملات الحج من كل سنة في الخزينة العمومية لتجنب تحويلها لغير مقاصدها، علما أن هذه الأرصدة المتبقية لا تقل عادة عن 23 مليار سنتيم سنويا. كما أوصت المفتشية بإعادة النظر في دور بنك الجزائر وعلاقته مع اللجنة الوطنية للحج وإنجاز دراسة مسبقة لحملات الحج مع إعداد تقييم معمق وجاد في نهايتها لعرضه على الحكومة مع تأسيس سلطة عمومية على الهيئات النشطة في فلك الحج والعمرة، واختيار عناصر يشكّلون بعثة الحج وفق التخصصات المهنية المطلوبة في تسيير الحملات في البقاع المقدسة، وتوضيح العلاقة بين هؤلاء الأعضاء وأعباء القيام بمهامهم والتنسيق بين مختلف المتدخلين في العمليات وإبرام اتفاقية مع الخطوط الجوية الجزائرية بإعادة النظر في مجمل عمليات النقل التي تقوم بها هذه الشركة العمومية بإكثار الجولات الجوية، والتقدم إلى السلطات السعودية من أجل فتح مطار المدينةالمنورة للخطوط الجزائرية، وفتح أكشاك خاصة بالحجّاج بعيدا عن المسافرين العاديين، علاوة على ضبط عدد الحجّاج الجزائريين الذين يتدفّقون على البقاع المقدسة بأعداد أكبر مما يتم تحديده مسبقا ويؤثر سلبا على العمليات المالية الإجمالية التي تقوم بها اللجنة الوطنية للحج. وقالت المفتشية إن تحديد عدد الحجّاج الفعليين يتطلب وضع تقييم مباشرة بعد انتهاء كل حملة حج تمكّن من تحديد العدد الحقيقي للحجّاج والتحضير لحملة الحج المقبلة، ويتم ذلك خاصة بفتح التسجيلات مبكرا وتحديد الأجل الأخير لتسديد الحجّاج لمستحقات اللجنة في بنك الجزائر. وأكّدت المفتشية على ضرورة تحديد عدد الحجّاج بناء على المساحات المخصصة للجزائر في منى وعرفات، وتعيين لجنة موازية ومستقلة لمراقبة عمليات الإقامة والإيواء مع احترام وكالات السفر للعقود المبرمة، وعقد اللجنة الوطنية للحج اتفاقا مع وزارة السياحة مع فرض إجراءات عقابية ضد الوكالات المخلّة بعقودها. وأوصت المفتشية بتعيين لجنة مستقلة وموازية لتحضير حملات الحج وإنشاء، من جهة أخرى، هيئة بالسعودية تكون آمرة بالصرف لتجاوز التسيير لأموال الحجاج عن بعد، وفتح سجلات التوكيلات وإقامة حسابات إدارية مع اتخاذ إجراءات سريعة لجرد الممتلكات ومنها المتواجدة في حظيرة السيارات خشية ضياعها، وفتح أيضا سجلات لتدوين المحاضر الخاصة بمختلف اللجان ومنها لجنتا فتح أظرفة عروض المناقصات وتقييمها. وقد أصرت المفتشية على أن تتجه سنويا مهمة خاصة إلى البقاع المقدسة أثناء حملات الحج لمراقبة وتقييم العملية خصوصا في مسألتي الإيواء والنقل اللتين تعتبران الأكثر مساسا بالثغرات المالية المنجرّة عن التسيير عن بعد الذي أثبت عدم نجاعته وذلك خدمة للحجّاج الجزائريين على ضوء توفر ميزانية تفوق سنويا 40 مليار سنتيم كانت من المفروض أن تسهل قيام الحجّاج بمناسكهم، وهي الميزانية التي يساهم الحاج الجزائري بأكبر قسط منها، لكنه -حسب المفتشية المالية- لم يتلق الخدمة الضرورية التي تجعله يمارس فريضة الحج دون عناء وعلى أكمل وجه. الفساد الذي طال هذه المرة تنظيم الحج، وهو أحد أهم أركان الإسلام، والذي مس تقريبا كامل الحلقات المرتبطة بالخدمة الموجهة للحجّاج، فصّله تقرير المفتشية العامة للمالية بالتدقيق في كل عمليات التسيير، وفضحت التجاوزات التي أحدثها التسيير السيئ بترك ثغرات مالية وتساءلت عن الجهة التي استفادت منها والوجهة التي صرفت لأجلها. الطعن في التسيير المالي للجنة انتقادات المفتشية العامة للمالية المتعلقة بالتسيير الفوضوي متمثلة في عدم تقييد الأرقام والمعطيات في السجلات والتسيير عن بعد للنفقات في السعودية انطلاقا من الجزائر بما يجعل كل الأرقام التي تم التحقيق بشأنها موضع الريبة، وهي الأرقام التي تتعلّق بالتسيير المالي في فترة التحقيق ما بين سنتي 2003 و2004. وفي سنة 2003 كانت الاعتمادات التي لها تغطية مقدرة بقرابة 23.5 مليار سنتيم وتم إنفاق بقرابة 15.2 مليار سنتيم منها، أكثر من 4.1 مليار سنتيم أي 27 بالمائة من النفقات صرفت في الجزائر وأكثر من 11 مليار سنتيم أي 73 بالمائة من النفقات صرفت في السعودية، وسجل فرق إيجابي بين الاعتمادات المخصصة وما تم إنفاقه بنحو قرابة 8.3 مليار سنتيم على اعتبار استهلاك 65 بالمائة من الاعتمادات. في سنة 2004 كانت الاعتمادات المخصّصة للعملية مقدرة بأكثر من 24 مليار سنتيم، في حين وصلت النفقات قيمة قرابة 19 مليار سنتيم أي 31 بالمائة من هذه النفقات تم صرفها في الجزائر أي قيمتها وصلت إلى قرابة 5.9 مليار سنتيم و69 بالمائة منها في السعودية بقيمة أكثر من 13 مليار سنتيم وبإنفاق 79 بالمائة من الاعتمادات سجل فارق إيجابي مقدر بقرابة 5.1 مليار سنتيم. وقد تم تسجيل نمو النفقات في سنة 2004 مقارنة مع سنة 2003 بنسبة 25 بالمائة. وأصر التقرير على أهمية الإشارة إلى أن كل النفقات التي أجريت في السعودية تمت دون سابق أمر بالصرف مثل ما ينص عليه قانون رقم 90-21 المؤرخ في 15 أوت 1990 المتعلق بالمحاسبة العمومية. وأضافت المفتشية أنه رغم التوصيات التي اقترحتها في تقريرها الأولي في سنة 2004، فإن كل التوكيلات التي أصدرها الآمر بالصرف لم تقيد في سجل التوكيلات المنصوص عليها في القوانين، كما أن كل عمليات الصرف تمت دون سند طلب بضاعة وفي وقت كانت تقدم فيه الخدمات في السعودية فإن مراقبتها تمت من الجزائر أي بتسيير عن بعد يجعل التحقق من فعلية إنجاز النفقات صعبا، وهو ما يعني أن النفقات تلك كانت غير شرعية. أما بخصوص مداخيل اللجنة الوطنية للحج والعمرة فإنها تتكون في الأساس من مساهمة الحجّاج وكانت التقديرات 2003 تشير إلى توقع وصول مساهمة الحجّاج إلى 14.5 مليار سنتيم، في حين تجاوزت في الواقع 14.7 مليار سنتيم، وكانت المداخيل الاستثنائية مقدرة أوليا بنحو 10 ملايين سنتيم لكنها وصلت في الأخير حوالي 885 مليون سنتيم وكانت المبالغ المتبقية من عمليات تنظيم الحج والعمرة في السنوات التي مضت وإلى غاية 2003 أكثر من 23.8 مليار سنتيم، في حين وصل مجموع مداخيل اللجنة في هذه السنة ما يعادل حوالي 41 مليار سنتيم. أما في سنة 2004 فكانت تقديرات مداخيل اللجنة تشير إلى بلوغ رقم 16 مليار سنتيم لكنها وصلت في الأخير إلى 15.6 مليار سنتيم، أما المداخيل الاستثنائية فقد كانت أكثر من 367 مليون سنتيم وبلغت مداخيل عملية تحصيل مستحقات اللجنة من نشاطاتها الماضية أكثر من 541 مليون سنتيم، أما رصيد حساب اللجنة المتبقي من النشاطات الماضية فكان في حدود أكثر من 25.3 مليار سنتيم لتصل المداخيل الإجمالية إلى حوالي 42 مليار سنتيم. وأفادت المفتشية أن مداخيل اللجنة ترتفع من سنة إلى أخرى بسبب الرصيد المتبقي من نشاطاتها السابقة وكذا من خلال تزايد عدد الحجّاج. حسابات اللجنة كشفت عن مداخيل إضافية متأتية من دفع الحجّاج المسبق ما مجمله يعادل نسبة 30 بالمائة من القيمة الإجمالية لتكلفة إيوائهم في السعودية، وكانت تصب هذه القيم في حساب بنكي موطن في السعودية عبر حسابات بنك الجزائر. الغرض من التسبيق المذكور يتمثل في إيجار السكنات مسبقا قبل قدوم الحجّاج. وتتم تسوية كامل مستحقات الإيواء مع انتهاء حملة الحج. وأشار التقرير إلى أن الحسابات الإدارية في مختلف الفترات التي أجريت عليها التحقيقات لم يعدّها الآمر بالصرف، كما تنص عليه المادة 22 من المرسوم رقم 01- 262 المؤرخ في 18 سبتمبر 2001 المتعلق بتأسيس اللجنة. أما بالنسبة لنفقات اللجنة في السعودية فقد تمت من خلال مرحلتين ما قبل موسم الحج وخلاله. أما بالنسبة للمرحلة الأولى فما عدا النفقات ذات الطابع الهام مثل استئجار العمارات واقنتاء التجهيزات كالمتعلقة بالإعلام الآلي وشراء السيارات التي كانت تسوى من قبل المحاسب والتي كانت تمثل نحو 40 بالمائة من النفقات ذاتها في 2003 و32 بالمائة في 2004 ، فإن كل النفقات الأخرى المرتبطة بمراكز مدن مكةالمكرمةوجدةوالمدينةالمنورة كانت تقتطع مسبقا من حساب الإدارة المكلفة بالمهمة وتحت تصرف القائمين عليها الذين يعيّنهم الآمر بالصرف. وأفادت المفتشية أن مقرات البعثة في كل من المدينةومكةوجدة بعد موسم الحج يتم استئجارها بأموال ضخمة قالت عنها المفتشية إنها خسائر إضافية على اعتبار عدم الحاجة لاستعمالها خارج موسم الحج. ويذكر أن المقرات الثلاثة خصص الطابق الأخير منها لإقامة الوزير وضيوفه. وعلى هذا المنوال يكلّف مقر المدينةالمنورة على سبيل المثال سنويا 900 ألف ريال سعودي بما يعادل حوالي 1.8 مليار سنتيم. عند تحليلها للمعطيات المتعلقة بعمال المراكز، إكتشفت المفتشية أن مسؤولين اثنين من المراكز الثلاثة من جنسية جزائرية مقيمان في السعودية والذان يسيران في فترة خارج موسم الحج لم يتم تعيينهما وفقا للقانون (المرسوم التنفيذي رقم 93-108). وضعية المسيرين غير القانونية أثرت سلبا على حسابات المراكز في اتجاه يجعل الوضعيات المالية المرسلة إلى الجزائر غير مقنعة ومن الصعب استغلال معطياتها وتحليلها من قبل محاسب اللجنة المعين من طرف وزير المالية، كما أضافت المفتشية أن قوائم النفقات لم تكن موقّعة من طرف المسيرين المذكورين. ويشار إلى أن إدارة اللجنة الوطنية للحج والعمرة للملفات الإدارية المتعلقة بالعمال ملزمة، وفقا لما تنص عليه القوانين المرسوم رقم 85-59 وخصوصا المادة 50 منه، بفتح ملف خاص يسجل فيه معطيات كل موظف ويحفظ فيه كل ما يتعلق بوضعيته الإدارية، وهو الأمر الذي كان غير معمول به، وفي حين أن النفقات المتعلقة بالصرف أثناء موسم الحج كانت تتم بعد أن تم تحويل المراكز الثلاثة المذكورة تحت تسيير رئيس يعيّنه الآمر بالصرف في الجزائر خلال الفترة أي موسم الحج. وهو رئيس يقوم بالتنسيق بين المراكز الثلاثة بصفته الآمر بالصرف الرئيسي الذي يقوم بتعيين ثلاثة مديرين على المراكز المذكورة باختيارهم من قائمة المرسلين في مهمة في إطار بعثة الحج. المشكل حسب المفتشية يكمن في عدم مطابقة طريقة التعيين ذاتها مع القوانين والمتعلقة خاصة بالمرسوم التنفيذي رقم 93- 108 المؤرخ في 5 ماي 1993 الخاص بإنشاء الإدارات المكلفة بمهمة تسيير المراكز. النفقات التي أجراها المديرون المذكورون من ميزانية اللجنة الوطنية للحج والعمرة كانت أساسا في أعباء القيام بالمهمة في إطار البعثة وعمليات الإنقاذ والنجدة لفائدة الحجّاج والخدمات الاجتماعية. وعلى هذا الأساس المطعون فيه، كانت نفقات عمال المراكز أثناء موسم الحج في مستوى يقارب 848 مليون سنتيم في 2003 وأكثر من 758 مليون سنتيم في 2004، وكانت تكاليف إجراء المهمة في إطار البعثة في حدود 4.2 مليار سنتيم في 2003 وكانت في مستوى 6.3 مليار سنتيم في سنة 2004، وكانت قيمة المشتريات المتعلقة باقتناء السيارات وتزويدها بالوقود وصيانتها في مستوى 1.3 مليار سنتيم في سنة 2003 وما يعادل أكثر من 1.1 مليار سنتيم في 2004، في حين كانت تكاليف الإيجار في سنة 2003 في مستوى يتعدى 3.4 مليار سنتيم وفي سنة 2004 في حدود ما يقارب 3.2 مليار سنتيم، أما ما يتعلق بالخدمات الاجتماعية فكانت في حدود 359 مليون سنتيم في سنة 2003 وفي مستوى 904 مليون سنتيم في سنة 2004. وقرأ التقرير تلك الأرقام بالقول إن ما يتعلق بأعباء البعثة ارتفع ما بين سنتي 2003 و2004 ب 2.1 مليار سنتيم، في حين أن الخدمات الاجتماعية قد ارتفعت بنسبة 60 بالمائة وهي زيادة جاءت بسبب ارتفاع عدد الحجّاج بين السنتين. ولاة ومسؤولون سامون في الدولة مهمتهم البحث عن الحجّاج الضائعين يتكون وفد بعثة الحج من ممثلي عدة قطاعات ويحدد قائمة المكلفين بالمهمات رئيس اللجنة الوطنية للحج والعمرة وهو وزير الشؤون الدينية من كل قطاع وفي كل حملة حج. وفي سنة 2005 مثلا كان عدد ممثلي وزارة الشؤون الدينية 201 ووزارة الصحة 100 ووزارة الشؤون الخارجية 16 ووزارة الداخلية 21 ووزارة السياحة 8 ووزارة النقل 1 ووزارة المالية 1 ورئاسة الحكومة 1 وبنك الجزائر 8 والجمارك 5 ووكالة الأنباء الجزائرية 1 والأمن الوطني 10 والمؤسسة الوطنية للتلفزيون 4 والمجلس الإسلامي الأعلى 1، ليصل مجموع أعضاء البعثة 378. وأفادت تقارير أخرى للمفتشية العامة للمالية أن تحليل قائمة المرسلين في إطار البعثة يكشف عدم التطابق بين المهام الموكلة للأعضاء ومع القانون الأساسي للقطاع أو المؤسسة الممثلين لها، فالمهمات الخاصة مثلا توجيه الحجاج والبحث عن الحجاج المفقودين وكذا الإيواء أوكلت لمسؤولين سامين بالدولة كمديرين مركزيين أو ولاة، كما أن الأرقام المقدمة تكشف عدم التوازن بين القطاعات في تركيبة البعثة. كما أن بحث قائمة البعثة يسمح أيضا -حسب المفتشية- بالكشف عن مدعوين تحصلوا على نفس امتيازات أعضاء البعثة وهم مدعوون جاؤوا تحت أعباء اللجنة الوطنية للحج والعمرة في الفترات التي تم التحقيق حولها، وهؤلاء المدعوون كان عددهم يتزايد من سنة لأخرى، فبعد أن كانوا 8 مدعوين في 2003 أصبح عددهم 9 في 2004 ثم 10 في 2005 ثم 18 في 2006 ، زيادة العدد كانت متبوعة بزيادة الأعباء فمن حوالي 151.6 مليون سنتيم في 2003 ارتفعت تلك الأعباء إلى 162 مليون سنتيم في 2004 ثم إلى أكثر من 208 ملايين سنتيم في 2005 ثم إلى أكثر من 396.6 مليون سنتيم في 2006. كما أشارت المفتشية إلى أهمية ذكر أن 41 مدعوا تحصلوا على جوازات سفر في إطار الخدمة في حملة الحج تم تحمّل أعبائهم في مراكز الاستقبال التابعة للجنة الوطنية للحج والعمرة. كل تلك الأعباء ساهمت في ارتفاع النفقات الإجمالية التي صُرفت لأداء مهام البعثة إلى حوالي 4.2 مليار سنتيم في 2003 وحوالي 4.7 مليار سنتيم في 2004 وأكثر من 4.3 مليار سنتيم في 2005 وحوالي 4.4 مليار سنتيم في 2006. وأشارت المفتشية العامة للمالية إلى أن تكاليف مهمة البعثة يحددها قرار وزاري مشترك بين وزارتي المالية والشؤون الدينية في كل حملة حج. وكشفت تقارير المفتشية أن مهمات بعض أعضاء البعثة تم تمديدها في سنتي 2004 و2005 وكان عددهم 10، وكان التمديد يتراوح ما بين 5 أيام إلى 18 يوما، وقد كلفت أعباء هؤلاء 2.2 مليار سنتيم. طالع الجزء الثاني من التحقيق ويتضمن رد وزير الشؤون الدينية على تقرير المفتشية العامة للمالية تحقيق:سليم بن عبد الرحمان