هل دخل أدونيس مرحلة العدمية؟! مثل هذا السؤال يتبادر إلى الذهن بمجرد الاطلاع على التصريح الناري الذي أصدره الشاعر السوري المعروف أدونيس في لقاء جمعه مؤخرا مع المثقفين المصريين في القاهرة بدعوة لجنة الدراسات الأدبية التابعة للمجلس الأعلى للثقافة بمصر الذي يرأسه الدكتور جابر عصفور (شفاه الله!). وكان الشاعر أدونيس في هذا اللقاء، كالعادة، صانعا للحدث الثقافي والإعلامي بالنظر إلى »الخرجة« الجديدة التي زلزلت عقول الكثير من عشاق صاحب »مهيار الدمشقي« و»الثابت والمتحول« على اعتبار أنه تجاوز هذه المرة ضوابط الحوار العقلاني والثورة البناءة إلى الطرح العدمي الذي يستبيح جلد الذات ويسقط أسيرا للاستلاب الثقافي ونزعة التطرف، التي يسعى هو شخصيا إلى صدها ومحاربتها بكل ما أوتي من قوة!! لقد أكد أدونيس في حواره مع المثقفين المصريين بأن مليار و300 مليون مسلم لا يوجد مفكر واحد من بينهم، وقد نفى هذه الصفة حتى على من شهد لهم الغرب بكل مؤسساته العلمية التي تأثر بها أدونيس ويحترمها حد الإجلال على غرار نصر حامد أبو زيد ومحمد أركون والحبابي وغيرهم كثير. ويرى شاعرنا بأن هؤلاء بالذات لم يأتوا بجديد يذكر، حيث عدد من السلف بعصور من الزمن وقدموا في تخريجاتهم الفكرية ما هو أعمق وأبعد رؤية. وإذا كان في هذا القول شيء من الحقيقة فإن إلغاء »اجتهادات« المفكرين المعاصرين، ومن بينهم المذكورين طبعا يعد في تصورنا تعسفا خطيرا يمكن أن يصبح ضحيته وهو حاصل أيضا!! أدونيس نفسه الذي بذل جهودا ولا يزال »هرقلية« للدفاع عن آرائه في الحداثة والتراث والإبداع والهوية والشعرية وغيرها من المفاهيم العامة التي ماانفكت في حاجة إلى صقل وبلورة بحثا عن جوهرها المكنون وهو جهد يتجدد في كل عصر على اعتبار أن هذه المفاهيم ذات أبعاد تجريدية يستحيل حصرها ضمن قوالب جامدة واستيتيكية. من جهة أخرى صدم أدونيس متتبعيه بإعلانه موت اللغة العربية الفصحى، حيث تشهد هذه اللغة على حد تعبيره تراجعا خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير وعلى مختلف الأصعدة، فضلا عن المدارس والجامعات. ومثل هذا الطرح أيضا يمكننا أن نسحبه على جميع اللغات الكبرى بما فيها الإنجليزية في حالة ما إذا أصغينا لنداءات الاستغاثة التي يرسلها من حين لآخر علماء اللغات بالبلدان التي تتحدث هذه اللغات. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر ما يحدث هذه الأيام بفرنسا من سجال لا ينتهي حول قواعد اللغة الفرنسية وضرورة العودة إليها بالنظر إلى »الكوارث« التي كشفت عنها البحوث اللغوية بهذا البلد الأوربي. رشيد فيلالي