يتم التعليم، كما يقول فليب برينو Philippe Perrenoud: في (حمام يتدفق كلاما). يتواجد الشفهي بالمدرسة بأكثر الأشكال تنوعا، بيد أنه يبدو أقلّ تدريسا من الكتابي أو التعبير بالصورة. والمدرسون يدركون أهميته، إلا أنهم يشعرون غالبا بالعجز عندما يتعلق الأمر بتحديد مكانته اللائقة. كيف نفسر هذه التناقضات الظاهرة؟ ما الشفهي الواجب تعلمه؟ ما هي الوظائف والاستخدامات المفضلة؟ ما الاتجاهات البيداغوجية المقترحة؟ إنّها الأسئلة التي طرحناها في إطار مجموعة بحث تكوين لأكاديمية رانس Rennes ، بين سنوات 1992 – 1994 وحاولنا الإجابة عنها بتناوب بين التجريب على أقسام من التعليم المتوسط والثانوي والتفكير النظري. بعد ذلك خضعت اقتراحاتنا وملاحظاتنا للمناقشة، وقدمت في شكل تقرير مقتضب، نشر من طرف مصلحة التكوين المستمر والتربية الدائمة SEFOCEPE . لماذا الشفهي من الصعوبة بمكان؟ الصعوبة الأولى: تحث التعليمات الرسمية بصورة متزايدة على تدريس حقيقي للشفهي، وأخذ بعين الاعتبار خصوصياته وتغيرات قواعده، وتمرينات متنوعة ومتباينة، إلا أن قلة البيانات لا تحدد مكانة الشفهي، ولا أولوياته وأهدافه بوضوح، ولا طرق عمله وضبط ما هو مقبول وما قد لا يقبل في الوضعيات الدراسية.ما يحدد ممارسة تدريس الشفهي، في غياب تكوين معمق في هذا المجال، يبقى أمرا ضمنيا: إنها التجربة الشخصية، الأولويات المسطرة من طرف كل شخص، التصور الذاتي لكفاءة الشفهي.. أمام هذه المعضلة، وعدم اليقين، سيكون التمسك بهذه الجوانب الشكلية، خاصة اللغوية منها، إغراء كبيرا، وكذلك نماذج الكفاءة المروَّج لها في المناقشات التلفزيونية، أو النص الكتابي المقروء للجرائد الإذاعية أو التلفزيونية.. وبالتالي يبقى ثقل الكتابي في التعليمات وفي التمثلات قويا، يحدد، دون ريب، محاولات تنفيذ التدريس الشفهي. الصعوبة الثانية: يزول الكلام حينما يبقى الكتابي. الكلام سريع الاندثار، متبخر، بالتالي يكون في الغالب أقل عرضة للعمل، بالرغم من أن آلة التصوير، أو آلة التسجيل تعطيان إمكانية تحويل الكلام إلى (منتجات ملحوظة)، لارتباطهما بداية بعملية الاتصال، وبالتبادل المتدرج، ويعد الآني أقل أهمية من الحصيلة، من النتيجة... (الكلام) حيوي، تواؤمي (متأقلم)، صعب الإمساك به و تحليل منتجاته، لا يعالج إلا إذا لاحظنا ضرورة الاهتمام بمسار عملياته، واعترفنا بالشفهي كمتغير مقبول وملائم للغة. الصعوبة الثالثة: الشفهي هو قبل كل شيء تعلم اجتماعي، يكون تعلمه قبل وبعد وخارج وبجانب المدرسة... إنه، أولا، وسيلة لمكتسبات أخرى، قبل اعتباره مجالا للكفاءة المستقلة. لكن وبخاصة يعتمد على كثير من العوامل الصعبة التحكم. إنه يرتبط بالثقافة، بلغة الأم، بنوعية التربية المتلقاة، بالتكرار، بالشكل، باختلاف التفاعلات المعاشة، بحالات الاتصال المصادفة... أكثر خضوعا للبيئة الاجتماعية الثقافية، وكذلك، دون ريب، خضوع الشفهي لشخصية الإنسان، لطبعه، لمزاجه. كما يلاحظ نموه بتقدم عمر الإنسان، وارتباطه الوثيق بالاعتداد (التقدير) النفسي: فالمراهق في فترة الاضطراب والتردد، يكون أقل جرأة للاستعراض الشفهي، لا سيما إن امتلكه إحساس بعداء المجموعة التي يواجهها. إن إشراك الفرد، الخاضع بقوة للبيئة، للكفاءة الشفهية، لتكوينه الفطري والمكتسب، يترك هامش تدخل التعليم ضعيفا: كيف نحدد هذا القسط المتبقي من الكفاءة الممكن اكتسابه؟ الصعوبة الرابعة: عند الشعور بالعجز، يضاف له الانطباع بوجود عقدة كبيرة إزاء الشفهي، وكون التعلم عاما وتجريبيا، من الصعب فصل العناصر المكونة له التي هي دائما في ترابط وثيق: معرفة، إتقان المعايير واستخداماتها، معرفة السياق، والوضعيات؟
التأثير الإيمائي (الحركي)، الصوتي، ...paraverbal تمكن من المحتوى، بناء المعارف أو إقامة الاتصال؟ القدرة على انسجام المواقف، انسجام اللغة (قاموس، تراكيب، خطب...)؟. هل بإمكان، حبذا ذلك، عزل الكفاءات المتنوعة عن بعضها البعض لاستعمالها كل على حدة؟ إذا كانت وظيفة اللغة افتراضية لا يمكن إقامتها إلا في محيطها الملائم، فما هي الوضعيات، ما هي السياقات التي يجب اقتراحها داخل المدرسة؟ الصعوبة الخامسة: قد تترتب كذلك عن الانطباع بهدر الوقت، يمكن فهم الكلام بأنه غير ضروري وينطوي على مخاطر أكثر تشتتا. فالإفراج عن الكلام يسمح بالتعبير عن سلوكات أمام المدرسة، المؤسسة وأطرافها الفاعلة، وكذلك أمام البالغين، مع كل ما يترتب عن ذلك من انزلاقات: رفض، احتجاج، فوضى، تشويش.. من جانب آخر، لا يستطيع الجميع التكلم في آن واحد، لذا يجب توزيع فترة الحديث بين التلاميذ، وهذا يترتب عليه ضيق الوقت المخصص لكل واحد... والبقية خلال هذا... الوقت؟ يستهلك الشفهي الوقت: إن تمثيل استيعاب المعارف بصمت في تعلم فردي هو دون شك أقرب من المفاهيم الشائعة، لأنه يعزز أكثر الكتابي كما يمكن أن يبدو أكثر نجاعة ومردودية. إن الكتابة توجه وترغم الجميع على نشاط منظم وسهل المراقبة. لصعوبة السادسة: إدارة وضعيات الشفهي، هي كذلك إدارة ترابطية (علائقية)، مع التلاميذ، ما بين التلاميذ، إنها المشاركة، السماح بإبراز قيم كل فرد، مواجهات الشخصيات، هنا كذلك، خطر التجاوز وارد، وربما كان من الأسهل تجنب هذه التجاوزات على إذكاء الصراعات والمواجهات، وادخار هذه القيم هو سماح بوجود مزيد من الصفاء في التعلمات. أخذ هذا البعد بعين الاعتبار يقتضي إصلاحات في تكوين المعلمين. وأخيرا الصعوبة السابعة: من الصعوبة بمكان تقييم الكفاءات وتحسن التلاميذ في المجال الشفهي. أليس بشكل آخر، هو تقوية وزيادة التفاوت المسجل خفية خارج المدرسة؟ أليس هذا إضافة معيار الاختيار، في مجال، التقدم فيه قد لا يكون سريعا ولا ظاهرا؟. كيف يكون التقييم موضوعيا دون تفضيل الجوانب الشكلية، ودون الإشارة إلى معيار من شأنه أن يختلط بالكتابي الذي يبقى ثقله حاسما في الوضعيات الدراسية؟ يبدو أن تدريس الشفهي فيه عيوب خطيرة، خاصة ما يشتت المجهودات، ما يزيد التفاوت، أكثر إدخال للذاتية، حتى التعسف في التقييم.
لماذا تدريس الشفهي؟ أمام هذه التعقيدات والمخاطر، هل يجب اعتبار الشفهي مكتسبا لا تعلما؟ أليس هذا قبولا وإرساء أو حتى تعميقا للتفاوت الذي ينشأ خارج المدرسة؟ إننا قد نتمسك بالحث على المشاركة ومراقبة الحديث (المنحرف) البعيد عن المعايير والخارج عن المحتوى، وقد نترك بعد ذلك الكلام يتم تدريجيا، ضمنيا، تصنيفيا، و ذاتي المراقبة... الأمر الذي قد يجمد الأدوار داخل الفصول الدراسية.تقليص مشاركة التلميذ في القسم إلى مساهمة في محاضرة، هو تعزيز مشاركة الذين تبنوا أهدافا وقواعد الحياة المدرسية وتمسكوا بدورهم الريادي، بمساعدة (خطاب) المدرس لتبني موقف متواطئ. وكذلك رفض الذين لا يقاسمونهم نفس الخطاب ولا نفس القيم ولا نفس غايات المدرسة: فهم في نفس الوقت الذين لا يستطيعون الانخراط، لأنهم لا يدركون قواعد العمل الخفية أو لا يستوعبون، والذين لا يريدون خيانة ثقافة ولغة الوسط الذي ينتمون إليه. بعض المواقف الرافضة (للمشاركة) تنم دون شك عن إرادة، على الأقل، واعية بإثبات الذات عن طريق المعارضة، كما قد يكون أيضا إحساس آخر بعدم الانتماء لنفس العالم وعدم التكلم بنفس اللغة. منذ أعمال لابوف Labov حول الاتصال والبحوث في علم الاجتماع اللغوي، نقيم أحسن ثقل تأثير الانتماء إلى الوسط الاجتماعي على السلوك الدراسي. نعلم كذلك بأن المتغيرات اللغوية لبعض الأوساط الاجتماعية لها اتساقها وليست مؤشرا على العجز، وإنما هو تكيف الأشخاص مع الوضعيات التي تواجههم والتي يحيونها يوميا. عدم استخدام الشفهي هو تعزيز ضمني لمعيار المتمثل في لغة الأوساط المحظوظة، وبالتالي نكون قد شاركنا في (تكاثر) التفاوت الدراسي والاجتماعي.يبدو الاعتناء بالشفهي شرحا أمرا ضروريا، أولا بملاحظة الكلام واستخداماته، ليس لقبوله كله وإنما لاعتباره أولية إيجابية، في تحليل واختيار وتجريب مختلف الصيغ بموضوعية، بالأخص تلك التي قد تتيح (تكيفا) أحسن مع الوضعيات الدراسية. من الأهمية المقدرة على تعيين هذا التنوع وتجريب المتغيرات والقدرة على التكيف مع جميع الحالات.يبدو لنا جليا، كذلك، نحن المدرسين، إدراك تمثلاتنا في تحقيق ما نطالب به تلاميذتنا بالدخول في لعبة أوراقها موزعة غالبا بنفس الطريقة. الكلام إذا بالنسبة لهم هو الخضوع إلى: خطاب مناسب، لمحتوى جاهز مسبقا.- معيار ضمني.- ثقافة قد تكون غير ثقافتهم.الكلام هو كذلك اكتفاء ببعض السلوكات الشفهية المكررة، وبعض المواقف قليلة التحفيز. نأمل تحليلا فرديا لتدخلاتنا في الصف يحفز هذا الوعي للمفاهيم المدرجة والتي تنفذ دون علمنا. عندئذ فقط يكون ممكنا تبني موقف تطوعي وتنفيذ مختلف وظائف الشفهي. أيّ شفهي؟ وما مهامه المفضلة؟ التكلم من أجل التعلم، التكلم من أجل تعلم صياغة الفكر والمنطق.التكلم لممارسة المسئوليات، للمساهمة في إدارة الصف وإدارة التعلمات، وكذلك لاكتساب استقلالية كبيرة.التكلم للاندماج الاجتماعي، للتموقع داخل الأفواج، لتعلم حسن الاتصال، للاستماع، للتفاهم..التعلم ... الفكر: التعلم من أجل الاستدلال.وكيف نجذب التلميذ إلى مشاركة حقيقية، عوض تقديم مساهمته الضعيفة لدرس مهيأ سلفا ؟ لا بدّ من تهيئة وضعيات مساعدة على حوار حقيقي مع التلاميذ، والتلاميذ فيما بينهم، حول الخطوات والإجراءات المستخدمة، حول النشاطات المعرفية التي تصاحب المهام وحول النتائج المحصل عليها. لن يعني فقط الاهتمام بالمنتجات، بالنتائج، لكن بمساعدة التلميذ على التقدم، على تحليل العمليات الذهنية والإجراءات التي تنفذ لتقدير فعاليتها، وتحقيق استقرارها، أو تصحيحها، ليتمكن في نهاية المطاف من إعادة إنتاجها في وضعيات أخرى.. التوقع، التنبؤ، التطلع إلى المستقبل، في إنتاج نهائي، بمنهج يحقق ذلك. يعني ذلك أن يتوقع التلميذ، أن يتنبأ الخطوات قبل مباشرة العمل كما تقترحها عملية التقويم التكويني. لا بدّ من توقع أوقات أو وضعيات رفقة التلاميذ لإعداد معايير نجاح عرض ما على سبيل المثال: تكون هذه المعايير مندمجة على نحو أفضل، متيحة توجيها حقيقيا للمهمة بتقديمها شفهيا وبشرح واف للجميع، و بتفاوض أحيانا. المرافقة، دعم الفعل، وتعزيز إجراء التعديلات، الإفصاح عما نقوم به وعما نفكر فيه، بالتالي إبطاء المسارات.خلال تحقيق المهمة، يتوقف التلميذ ليطرح صعوباته، يطلب توجيهات، يراجع مخطط عمله، يقترح محاولة استراتيجية أخرى. تفرض هذه الوضعية على المدرس أن يكون متاحا لمساعدة هذا أو ذاك التلميذ أثناء متابعة الآخرين لعمل فردي أو جماعي.