«دليل ساسي».. قامة جزائرية في عالم الإبداع تنهار اليوم بسبب المرض والإهمال، يعاني في صمت.. بعد إصابته بالمرض الخبيث الذي أجبر الأطباء على استئصاله من رقبته، بعد أن خلفوا له ثقبا رهيبا يحاول أن يتنفس منه بصعوبة، حديثه مع الأيام كان صعبا جدا، ولكن لوحاته التي تسكن ورشته القديمة الضيقة والواقعة بأعالي العاصمة، كانت تنطق بالإبداع والجمال الفريد من نوعه.
ألّحّ الرسام المبدع قبل أن نخوض معه في الحديث عن وضعيته المزرية التي آل إليها بعد أن تمكن منه المرض، بأن يقودنا في جولة داخل ورشته الصغيرة، والتي كانت تشعّ رغم قدمها وجدرانها المتهرئة بتزاحم رائع في الألوان..كان يحاول أن يستوقفنا عند كل لوحة نمر من أمامها، ويحاول أن يشرح لنا أبعادها بالإيماءات، نظرا لأنه كان لا يقوى على الحديث بسبب مرضه، لكنه كان في القوت ذاته يحاول بصعوبة شديدة بان يتفوه ببعض الكلمات التي كنا بالكاد نسمعها، بين زفراته الحادة التي كانت تتسرب من ذلك الثقب الموجود على مستوى عنقه.حاول الفنان الموهوب صاحب الستين حولا والحائز على شهادة ليسانس في العلوم السياسية والاقتصادية عام 1975، بان يشرح لنا بصعوبة شديدة "تقنية الأضواء " التي يستعملها في رسوماته الخارقة للعادة والتي كشف لنا بأنها حيّرت سفير الصين بالجزائر وجعلته لا يعثر على الكلمات التي يصف بها جمالها، عندما شاهدها في احد المعارض .عجزه عن الكلام، جعله يلجأ إلى التخاطب معنا بالكتابة، اخبرنا انه صاحب فلسفة فريدة من نوعها، لا تشبه فلسفة أي رسام آخر في العالم، ولا يرى مانعا أو صعوبة في أن يتحدى رسام جزائري عبقرية بيكاسو او ليناردو دافينشي، إن كان فنه مميزا .يقول إن فنه عميق وابعد مما تصل إليه العين المجردة، فهو لا يؤمن بالألوان العادية التي نعرفها جميعا، حيث انه يرى في الأشياء مهما كان نوعها جامدة أو متحركة أسرارا كونية ذات أبعاد لونية ساحرة..اخبرنا ساسي عن طريق الكتابة، بأنه يعاني من التهميش والإقصاء ، بعد أن كان من بين الشخصيات المهمة في الثقافة الجزائرية، حيث اشتغل من 1988 إلى غاية 2002 رئيسا لمتحف الفنون في الجزائر ونظم ما يفوق ال60 معرضا في الكاليغراف والمنمنمات وفن الرسم على السيراميك والنقش على الخشب ومختلف الإبداعات .وقبل مغادرتنا لورشته الصغيرة، كتب لنا دليل ساسي عبارة، أثرت فينا كثيرا وقال بأنها رسالة يرغب في إيصالها ، وهي " لن أبكي اليوم على نفسي ولكني حزين على الأجيال التي لن تستفيد من فني، فقد أرحل ذات يوم دون أن تملأ ألواني فضاء الأمل".