اتهم محامي عائلات الرهبان الذين قضوا حتفهم في 1996 بمنطقة تيبحيرين بالمدية، السلطات الفرنسية بالتماطل في الكشف عن وثائق سرية تخصّ تطورات هذه القضية بعد الطلب الذي تقدّم به أحد القضاة الذين يُتابعون الملف، لكن الجديد في تصريحات «باتريك بوديون» هو تأكيده بأنه لا علاقة للجيش الجزائري في ما جرى من مجزرة في حق هؤلاء، مُجدّدا قناعته بأن الجريمة كانت من تنفيذ الجماعات الإرهابية. لم يتوان مُحامي عائلات الرهبان السبعة الذين اغتيلوا في دير تيبحيرين، «باتريك بوديون»، في التسليم بأن السلطات الفرنسية لا تتعامل بشفافية مع هذه القضية، وأشار على وجه التحديد إلى التردّد الحاصل حيال الكشف عن تفاصيل بعض الوثائق ذات الطابع السري التي توجد بحوزتها، وهو ما من شأنه رفع الكثير من اللبس عن هذه القضية المثيرة للجدل، وذهب المتحدّث أبعد من ذلك عندما صرّح لصحيفة «ذي أوبسرفر» البريطانية قائلا «إنني أؤمن بأن هناك مسؤولين فرنسيين سياسيين وأعضاء من جهاز الاستخبارات يعرفون أكثر مما أدلوا به». وتكشف هذه الاعترافات عن وجود قناعة واضحة لدى المحامي الفرنسي، ومن ورائه عائلات الرهبان المُغتالين، بأن هناك الكثير من الأسرار التي تتكتّم عليها السلطات الرسمية في فرنسا، ودون أن يأتي المتحدّث على سرد مزيد من التفاصيل، فإن «بوديون» اكتفى بالإشارة إلى نُقص الشفافية على هذا المستوى. ويبقى الثابت في الكلام الذي أدلى به المحامي «باتريك بوديون» لواحدة من أعرق الصحف البريطانية، هو تسليمه بأن رهبان «دير تيبحيرين» قد قضوا على يد الجماعات الإرهابية التي كانت تنشط في تلك المنطقة، وفي هذا التصريح تبرئة للجيش الجزائري من الاتهامات التي وجّهها الجنرال المتقاعد «فرانسوا بوشفالتر»، المُلحق العسكري لدى السفارة الفرنسية بالجزائر في 25 جوان 2009، والتي قال فيها إن الرهبان قتلوا عن طريق الخطأ إثر غارة بالمروحيات على المنطقة. وتزامنا مع ذلك كانت الجزائر قد ردّت على الفور بقوة على الجنرال «بوشفالتر» عندما استدعت السفير الفرنسي وأبلغته استياءها الشديد من هذه الإجراءات، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ لأن السلطات الجزائرية قررت إلغاء زيارة لوزير الخارجية السابق «برنارد كوشنير» كانت مبرمجة في شهر فيفري من العام الحالي، وأعلنت حينها أن الأخير «غير مرحب به». وفي سياق ذي صلة بهذه القضية، نقلت صحيفة «ذي أوبسرفر» عن القاضي «مارك تريفيديك» تأكيده وجود احتمالات كبيرة للحصول على الردّ من طرف السلطات الفرنسية بشأن الطلب الذي سبق وأن تقدّم به خلال شهر أكتوبر الماضي وذلك من أجل إعادة التحقيق في قضية اغتيال الرهبان، ورغم أن «تريفيديك» لم يُحدّد تاريخا بعينه فإنه توقع أن يكون ذلك في غضون الأيام القليلة المقبلة. وأفاد المصدر ذاته أن القاضي الفرنسي الأول المختص في قضايا مكافحة الإرهاب ينتظر هو الآخر ردّا من طرف الحكومة الفرنسية حول طلبه الحصول على وثائق ذات العلاقة بالقضية من ثلاثة وزارات فرنسية، دون أن يُكشف عن هوية هذه الوزارات، وقد استند القاضي في طلبه إلى تصريحات الرئيس الفرنسي «نيكولا ساركوزي» الذي شدّد على أهمية معالجة هذه القضية بكل شفافية داعيا إلى «رفع السر العسكري عنها». وأوضح القاضي «مارك تريفيديك» أنه انطلاقا من موقف الرئيس «ساركوزي»، فقد تم وضع العديد من الوثائق بين يدي المحكمة، غير أنه أشار إلى أن «بعضها أو بالأحرى الأكثر قربا منها بهذه القضية قد تم استبعادها». ويتزامن هذا الحراك مع قيام السفير الفرنسي بالجزائر بجولة إلى منطقة تيبحيرين نهاية الأسبوع الماضي، وهو ما أثار أسئلة كثيرة حول أسباب وأهداف هذه الزيارة، خاصة وأن قضية الرهبان كانت أحد الملفات التي لغّمت العلاقات الجزائرية الفرنسية في السنوات الأخيرة.