في أحد تصريحاته حول العلاقات الجزائرية الفرنسية فصل وزير الخارجية «مراد مدلسي» بين مستويين من هذه العلاقة، المستوى الأول هو السياسي، أما الثاني فيشمل الجوانب الاقتصادية والإنسانية وألمح إلى أن هناك رغبة في استبعاد تأثير الخلافات السياسية على الجوانب الأخرى من هذه العلاقة المعقدة. بين الجزائروفرنسا علاقات إنسانية معقدة تمثلها أعداد كبيرة من المهاجرين الجزائريين الذين استقروا في فرنسا على مدى عقود طويلة تمتد إلى سنوات الاستعمار، ولم يفقد هؤلاء المهاجرون الصلة بوطنهم الأم، بل إن الجيل الثالث من المهاجرين يبدو اليوم أكثر ارتباطا بالجزائر، وهو أمر يثير قلق النخب السياسية في فرنسا التي جعلت من قضية الاندماج والهجرة إحدى أولوياتها. اليمين الفرنسي كان قد جعل من قضية الهجرة والاندماج ورقة انتخابية بامتياز، وربما يدين «نيكولا ساركوزي» بفوزه في انتخابات الرئاسة سنة 2007 إلى موقفه المتشدد من المهاجرين وإلى نزعته القومية التي جعلته قريبا من اليمين المتطرف، إلا أن المسألة لم تتوقف في حدود الاستغلال الانتخابي للمسألة بل تحولت إلى سياسة رسمية يجري تكريسها من خلال نصوص قانونية ستبقى بعد رحيل الحكومات والرؤساء، ولعل أبرز خطوتين اتخذتا في هذا المجال هما قانون حظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، وقانون جديد للجنسية ينص على سحب الجنسية من الأشخاص من أصول أجنبية الذين يرتكبون جرائم قتل في حق رجال الهيئات النظامية، ويقصد به على وجه الخصوص رجال الشرطة وبقية مصالح الأمن، وقد جاء اعتماد القانونين لتأكيد الصبغة الأمنية التي تطبع السياسة الفرنسية حيال المهاجرين. بالنسبة للجزائر لم يعد أمر المهاجرين شأنا فرنسيا صرفا، فقد تم تعيين كاتب للدولة مكلف بشؤون الجالية الجزائرية في الخارج، ولعل الجالية الجزائرية في فرنسا تعتبر من أكبر الجاليات في الخارج، وهو ما يعكس الاهتمام الرسمي بحماية مصالح الجزائريين في الخارج بمن فيهم أولئك الذين يحملون جنسيات أخرى غير الجنسية الجزائرية، كما أن الجزائر تابعت عن كثب تطور السياسة الفرنسية في التعامل مع المهاجرين، وقد علق وزير الداخلية السابق «نور الدين يزيد زرهوني»، وهو نائب الوزير الأول حاليا، على انحرافات النقاش حول الهوية الوطنية في فرنسا الذي تحول في كثير من المناسبات إلى تصريحات عنصرية ضد المهاجرين، وقد قال «زرهوني» في تعليقه إن بعض تلك الانحرافات تمنح تبريرات إيديولوجية للإرهاب، في إشارة منه إلى الهجوم المتكرر على الإسلام الذي يعطي لأطروحات المواجهة الشاملة مع الغرب بعض المصداقية. مسألة تنقل الأشخاص تبقى من المسائل المعقدة في العلاقات بين الجزائروفرنسا لكن هناك حرص واضح من الطرفين على عدم تسييس هذه القضية، فهناك اتفاقية تعود إلى سنة 1968 تنظم وضع الجزائريين في فرنسا، وقد حاول البلدان مراجعتها منذ سنوات غير أن المفاوضات بشأنها لم تصل إلى نتيجة، غير أن وزيرة العدل الفرنسية السابقة، التي تشغل حاليا وزارة الخارجية، «ميشال آليو ماري» أطلقت إشارات خلال زيارتها الأخيرة إلى الجزائر إلى أن هناك تقدما بهذا الخصوص وقد قالت بأن الصيغة الجديدة للاتفاقية ستراعي مصالح الجزائريين أكثر وتستجيب لانشغالاتهم بشكل أفضل، كما أن القضية أصبحت تطرح في إطار أوسع وضمن مشاريع الشراكة بين أوروبا ودول جنوب المتوسط وهو ما يقلل احتمالات التأثير السلبي على العلاقات السياسية بين البلدين. في الأسبوع الماضي قال وزير الداخلية الفرنسي «بريس هورتوفو» إن التأشيرات قصيرة المدى لا يجوز أن تتحول إلى جواز للهجرة السرية، وأعلن عن اجتماع سيعقد مع قناصل فرنسا في الخارج في شهر فيفري القادم من أجل توجيه تعليمات جديدة تتصل بتشديد إجراءات منح التأشيرة لمواطني بعض الدول ومن ضمنها الجزائر، وقد رد عليه كاتب الدولة المكلف بالجالية أن سفر مواطني المغرب العربي إلى أوروبا يبقى من الحقوق، وأن الجزائر ستطلب توضيحات بشأن الخطوة الفرنسية. تنقل الأشخاص يمثل مسألة سياسية وإنسانية تتجاوز التصورات التقنية والقانونية التي تتعامل من خلالها أوروبا، وبالنسبة للعلاقة بين الجزائروفرنسا فإن الوضع يبدو أكثر تعقيدا من خلال السعي إلى وضع حواجز تعيق التواصل بين الجزائريين هنا وأقاربهم في فرنسا، وهو جزء من الإجراءات التي تتبعها فرنسا لفرض تصورها عن الاندماج، وهو تصور يقوم على هواجس الخوف من الآخر ومن ضياع الهوية الفرنسية في ظل تمسك أبناء المهاجرين بثقافتهم وقيمهم.